فقه الحب

السيد محمد علي الحسيني

من المميزات الخاصة بالدين الإسلامي، أنه سعى في کثير من الأحيان الى تضمين الکثير من التفاصيل والمجريات والأمور العامة ضمن السياق العام الذي يطرحه النص الشرعي (القرآن الکريم أو الحديث الشريف)، والميزة أو الخاصية الأخرى للدين الإسلامي أنه سعى دائماً الى طرح مفاهيمه وأحکامه في ضوء الفطرة الإنسانية التي جعلها المحور والأساس، ومن هنا، فإن الحب الذي هو مما جبلت عليه الفطرة الانسانية لا يمکن للإسلام أن يتجاهله أو يرفضه، وعندما تطرق الى الجنس فإنه کان أکثر الأديان السماوية وضوحاً وصراحة في طرحه، لکنه في الوقت نفسه لم يهمل أو يتجنب طرح مسألة الحب بين الرجل والمرأة وانما تصدى لها ضمناً في الحديث النبوي الشريف عن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنه قال: “الدين هو الحب والحب هو الدين”.

الاسلام دين الحب والمحبة

من يعتقد أن الإسلام بعيد عن مشاعر الحب فقد ضل فكره، لأن الحقيقة أن الإسلام هو منبع الحب ومصدره، وقد دعانا لنملأ حياتنا في كل جوانبها بهذه المشاعر الطيبة التي تعد جوهر الحياة وروحها، حتى أننا لا يمكن أن نتصور علاقاتنا من دونه، فالله تعالى قال في محكم تنزيله: “وألقيت عليك محبة مني”، فكان الحب هو سبب قبول الناس لسيدنا موسى بعد أن ألقى الله سبحانه وتعالى محبته في قلوب الناس. فالحب بأنواعه هو فطرة فطر الإنسان عليها، كما تجسدت هذه العواطف في سلوك رسول الله الذي كان كتلة من الحب والمشاعر، فتجد حبه لسبطيه واضحاً فكان يقبلهما ويلاعبهما حتى أنه دعا الخلق إلى حبهما “حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا”، فالعلاقة كلها قائمة على الحب والمحبة، لذلك حرص (ص) على أن يظهره للناس لتلين قلوبهم، خصوصاً أولئك الذين يعتقدون أن الحب ضعف ونقيصة.

الحب سبيل لإرساء العلاقات

إن مفهوم الحب المطروح ليس مفهوما مجرداً أو محدداً ببعد ومعنى وسياق معين، بمعنى أنه ليس محدداً بالجانب الديني أو الدنيوي وإنما بکليهما، لکن وکما هو معروف الحب أنواع، حب الإنسان لربه، ولدينه ولبني جنسه، وللطبيعة وللکائنات المختلفة، وحب المرء لأطفاله، ولأبويه، وکذلك حب الرجل للمرأة أو العکس. كما أن القرآن الکريم جعل الحب أحد أسس الإسلام (کما في الحديث أعلاه)، وأحد سمات المٶمن الواضحة بحسب ما جاء في الآية الکريمة: “ومن آياته أن خلق لکم من أنفسکم أزواجا لتسکنوا إليها وجعل بينکم مودة ورحمة”، بحيث أن الله سبحانه وتعالى أضفى القدسية على الحب بين الزوجين عندما نسب الحب لذاته، ولذلك فإن الحب معترف به بالضرورة في الإسلام وليس مرفوضاً أو غير ذي أهمية وما يتعلق بالحب بين الذكر والأنثى أساسي، فقد قال (ص): “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”، ولكن باحترام الضوابط الشرعية وعدم الخضوع للأهواء والنزوات ليبقى الحب محافظاً على نصاعته وطهارته.


*أمين عام المجلس الإسلامي العربي

شارك المقال