“ميدل إيست أي”: أطفال محاربي داعش مجرمون أم ضحايا؟

حسناء بو حرفوش

نشر موقع “ميدل إيست أي” الأميركي مقالاً في خانة “الرأي”، أطلقت فيه مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري كندة حواصلي، نداء لحل قضية الأطفال المحتجزين في المخيمات المخصصة لأقارب بانتمائهم لما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما حذرت من أن تخلي العالم عن هؤلاء الأطفال يهدد بتحويل نقمتهم إلى شرارة موجة إرهاب جديدة.

ووفقا للمقال، “في أكثر اللحظات التي توسلوا فيها المساعدة، اختبر الآلاف من النساء والأطفال المحتجزين في ظروف صحراوية قاسية في سوريا، قرار العالم بتجريدهم من حقوقهم. وفي آذار الماضي، دخلت مذيعة شابة من قناة تلفزيونية عربية إلى مخيم الهول في الصحراء الشمالية الشرقية لسوريا، لتحضير تقرير حول واقع حياة العائلات المحتجزة لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. بدت الخيام وكأنها تناثرت عبر الصحراء، مفتقرة إلى الخصوصية وإلى أدنى الضروريات. وبذلت المراسلة مجهوداً للتحدث إلى بعض النساء اللاتي فررن من الكاميرا. ثم اقتربت من مجموعة من الأطفال الذين كانوا يراقبون بفضول من بعيد.

لا يعرف هؤلاء الأطفال ماهية الطفولة الحقة. ولا يخبرون من هذه الحياة سوى إدانتهم بالعقاب على مصير ليس لهم أي يد باختياره. رفض أحدهم حينها التحدث مع المذيعة خوفاً من “السلاح الأسود” (الميكروفون الذي كانت تحمله بيدها؛ والذي لم ير أحد من هؤلاء الأطفال مثله من قبل). وتمردت طفلة أخرى عليها لأنها غير محجبة، ناعتة إياها بالكافرة. فأردفت المراسلة بالسؤال: ما الذي يجعلني كافرة؟ وبعد أن أكدت هذه الأخيرة على غايتها من زيارة المخيم، استمرت بالإلحاح على الأطفال حتى انهالوا عليها بالحجارة. هذا ليس بمشهد سينمائي، بل مقطع فيديو بث على شاشة قناة عربية معروفة. وبغض النظر عن الأخطاء الصحفية والنهج المتحيز، دعونا نتخيل خلفية المعاناة التي يختبرها النساء والأطفال في هذا المرفق على أساس يومي.

عقاباً على خطايا الأهل

ويؤوي مخيم الهول، الذي يقع على المشارف الجنوبية للمدينة الذي يحمل اسمها، بمحافظة الحسكة في شمال سوريا، حوالي 60 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال الذين يواجهون ظروفاً صحراوية قاسية في الصيف والشتاء. وتقدم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية الغذاء والماء والخدمات الطبية الأساسية، بينما تحرس قوات سوريا الديمقراطية المخيم لمنع المعتقلين من الفرار. لكن السؤال الذي يطرح هو كالآتي: من هم الأشخاص المحتجزون؟ وهل أدينوا بارتكاب أي جرائم؟ هل هم مقاتلون أم مدنيون؟ هل خضعوا لمحاكمات وتأكدت إدانتهم أم ألقي القبض عليهم ببساطة لمجرد ارتباطهم بشخص انضم إلى منظمة إرهابية، ربما خلافاً لرغبتهم؟

لا يمتلك الآلاف من الأطفال في سن الدارسة داخل المخيم، وبعضهم من الأيتام، سوى فرص تعليمية قليلة، بالإضافة إلى معاناتهم من صدمات المعارك وقصص الفقد التي وصلت إلى مسامعهم على لسان آبائهم وأصدقائهم. ويخضع هؤلاء الأطفال للعقاب بسبب خطايا والديهم، دون أي اعتبار للقوانين أو الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الأطفال. لقد احتفل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العام 2019، بالانتصار على داعش بعد القضاء على آخر معاقله. ولكن هل كانت سياسة القوة التي اعتمدها التحالف صحيحة؟ هل تمكن حقا من اقتلاع المشكلة من جذورها، أم اعتمد حلاً سطحياً؟ هل تجري هذه الدول المزيد من التحقيقات لتفهم الأسباب وراء ترك عدد هائل من الشابات والشبان، للاستقرار الاقتصادي والأمني ​​للدول الأوروبية من أجل السفر إلى ساحة معركة خطيرة في المقام الأول؟

لا تكفي الإجابة السطحية عن “التطرف الإسلامي” لاختصار القصة كاملة. الحقيقة أن العديد من المهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة يعانون من أزمة هوية، حيث يشعرون بأنهم لا ينتمون إلى مجتمعات لا تقبلهم تماما كما هم. ويختبرون مشاعر من الظلم والوحدة والنبذ من قبل الآخرين، الأمر الذي يدفعهم نحو التطرف.

واجب أخلاقي

فلنفترض للحظة أن آلاف النساء والأطفال في مخيم الهول يغذون الأفكار المتطرفة حقاً. ألا تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية لا بل الواجب الأخلاقي لمساعدتهم في التخلص من هذه الأفكار، بالطريقة نفسها التي كان ليتدخل بها لعلاج أي أمراض جسدية؟ فالجماعات الإرهابية تجتذب المظلومين وتستثمر في آلامهم وخوفهم وتعمل على تعزيز رغبتهم بالانتقام. وفي سوريا، استفاد تنظيم الدولة الإسلامية من بيئة مضطربة للغاية حيث عانى كثيرون من أهوال الحرب والسجن والنزوح وفقدان الأحبة. وتخلق المعسكرات التي يعزل فيها أطفال مقاتلي داعش مع الأسف، جيلاً جديداً من المضطهدين والضعفاء. وسيعاني هؤلاء الأطفال من وصمة عار اجتماعية ستطاردهم لفترة طويلة. لقد شاهدوا العالم وهو يجردهم من حقوقهم في أمس لحظات ضعفهم وترك الكثير منهم، مع ذكريات جميلة تكاد تكون معدودة، هذا إن وجدت؛ كما تنقصهم الأوراق الثبوتية القانونية بغياب أي دولة أو حكومة تكترث لأمرهم. الخطير هو أن سعي هؤلاء الأطفال في النهاية للانتقام من العالم الذي خذلهم كفيل بتأجيج موجة جديدة من الإرهاب، تشبه بوحشيتها ودمويتها الواقع الذي يجبرون على معايشته. لذلك، من الضروري أن نواجه احتمالين: إما الاعتراف بأن هذه اللحظة قد تحين، أو السعي منذ هذه اللحظة لتصحيح المسار ورفع هذا الظلم الهائل”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً