عاشوا جرحى وماتوا عظماء !

وليد طوغان
وليد طوغان

فى أوروبا يقولون ان السُّمّ فى صالات المزادات، لانها لم تترك أحدًا فى حاله.. وما سَتره الله فضحته صالة «كريستى» الاشهر فى إنكلترا وأميركا وصالة “إدموند” فى فرنسا.

الأوروبيون يخشَون صالات المزادات أكثر من خوف اطفالهم من الجنيات. والسنوات الاخيرة تحولت تلك الصالات لبُعبُع ، فهي التى كشفت المسكوت عنه فى تاريخ العظماء، وهى التى اعادت النظر الى كثيرين بعد سنوات طويلة من وفاتهم .

صالات المزادات رفعت شخصيات تاريخية لأعلى ، ونزلت بأخرى لأسفل .. ولا يعلم احد ما الذى سوف تكشفه من بلاوي فى المستقبل! خطابات باعتها صالة كريسى قبل اعوام كشفت خيانة جوزفين لنابليون، وجوابات اخرى كشفت شذوذ الممثل الشهير الراحل روك هدسون، الذى كان معبود النساء فى الستينيات والسبعينيات !

وعرضت صالة شهيرة خطابات زوجة أوناسيس الى أحد سكريتارييي زوجها، فعرف العالم ان امرأة أغنى أغنياء الكوكب، خانته مع حقير استلف منها 2600 دولار، ثم استقال ليتزوج بأخرى!

و فى 2009 عرضت صالة اكثر شهرة خطابات غرام من الراحل الرائع تشارلز ديكنز الى أخت زوجته، فأعادت نظرة العالم لأرق وابدع كتاب الإنكليز .

ديكنز كان مريضًا نفسيّا، وكتب قَبل وفاته انه لم يكن سعيدا، وانه بحث عن السلام النفسى.. ولم يجده !

عُقدة ديكنز الأساسية كانت فى فقره صغيرا، وتجاربه العاطفية الفاشلة كبيرًا. والفتاة التى أحَبها فى الثامنة عشرة هجرته للزواج من غني، ولمّا وقع فى غرام الممثلة نيللى تيرنان تسربت رسائله الى الشارع فأحبط واكتئأب وكف عن العالم بخجل شديد.. وعزلة ممتدة .

عاش ديكنز معقدًا ومات كذلك. تمامًا كما عاش ومات ديستوفسكى وماكسيم غوركى وهيمنغواى وتلوز لوتريك وسالفادور دالى .

كل هؤلاء عاشوا وماتوا تعساء .

الروسى ديستوفسكي، الذي أبدع اروع ما عرفه العالم من روايات ، شبّه نفسه بالشاب شديد الاحباط راسكولينيكوف بطل روايته “الجريمة والعقاب”.

“الجريمة والعقاب” هى أقسى مأساة مكتوبة فى العالم حتى الآن، تليها رواية “الأم” للروسى ايضا مكسيم غوركي.

اغلب الذين قرأوا “الأم” شَمّوا ريحة “العطن” و”العفن ” طوال أحداثها ، وقال غوركي انها تشبهه.. فهو الاخر كان كئيبًا وتعيسا، وشديد التشاؤم، وشديد الرغبة فى عدم اكمال حياته.. لذلك مات صغيرا !

كآبة غوركي زيادة عن اللزوم، واحباطه زيادة عن الحد يعود ربما لانه عاش شيوعيا متعصبا.. ومات شيوعيّا جدّا. وهناك من يقول: “لو في العشرينيات وما كنت شيوعيا يبقى بك شيئا.. ولو وصلت الأربعينيات ومازلت شيوعيّا.. فإن بك شيئا”.

سقطت الشيوعية واتكسرت على رأس روادها، لكن هناك من يرى انه لو غوركى على قيد الحياة الآن ، فانه لن يتورع عن رفع علم احمر.. عليه منجل ومطرقة !

المشترك فى حياة كل هؤلاء هو ابداع فاق الحد، وحساسية فاقت التصورات. كلهم عانوا و كلهم قدموا للانسانية ما لم يقدمهغيرهم .

فهل عانوا لانهم مبدعون؟ ام انهم ابدعوا لانهم عانوا؟ والأهم كيف عاش كل هؤلاء جرحَى.. ثم ماتوا عظماء؟

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً