السخرية سلاح اللبنانيين لمواجهة واقع أسود

آية المصري
آية المصري

مرارة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على اللبنانيين، أصابتهم في صميم حياتهم وشكلت خطراً على معيشتهم اليومية، الصعوبات يواجهها البعض بدمعة وآخرون لا يجدون إلا السخرية من الواقع تنقذهم من يأس محتم، في ظل الصورة القاتمة للمستقبل التي يرسمها المسؤولون ويتوعدون بها الشعب اللبناني وهو ينزلق إلى جهنم.

اللبنانيون يتمنون العيش في دولة تحفظ حقوقهم، دولة تحاكم الفاسدين وتقضي على المحسوبيات ولا تتقاسُم الحُصص وتعيد لهم ودائعهم من المصارف وتكف عن هدر كراماتهم بالطوابير وامام أبواب الصيدليات والسوبرماركت.

وهم في قمة يأسهم من تحقيق ولو مطلب صغير من مطالبهم اجترحوا دواء لمآسيهم، فأبدعوا في “التنكيت” والسخرية من كل شيء ومن الجميع، وانتقدوا ساخرين من تبدلات حياتهم التي فرضتها الأزمات المتلاحقة عليهم.

من يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي يدرك أن هذا الشعب، بالرغم من كل ما حل به من مصائب، يحاول معالجة أزماته باللجوء إلى الضحك، لعله يفرغ الغضب داخله والحزن الظاهر في عينيه وغيرهما من المشاعر السلبية أو على الأقل تخفيف حدتهم، فالضحك وسيلة علاجية اعتمدت في علاجات اضطراب ما بعد الصدمة وهي عنصر مساعد للتغلب على القلق والاكتئاب كما يقول علماء النفس والاجتماع.

السخرية دواء

السخرية اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي، تحمي المواطنين من المساءلة ربما، ومن قول الموقف السياسي بطرق فجة حتى لا يجد رسالة تبليغ بالقدوم إلى مخفر ما للتحقيق معه بحجة الإضرار بالمصلحة العامة أو الشتم أو التحقير وما إلى هناك من تهم مخترعة لتأديب الناشطين، فالواضح أن لغة التعليقات الساخرة مرنة وواسعة وغير محددة تتجاوز خطاب الكراهية الموجود لتكون مفتوحة وتنتج تفاعلاً كبيراً بين عقل الساخر وعقل المتلقي وفهمه وتحليله لما يُقال، فالهدف الاستهزاء من الواقع المهيمن وبمجرد الضحك يتأكد دخولنا في دائرة النقد والتشكيك بأسلوب مرن.

يقولون إن الشعب غير مبال ولا يتأثر بكل ما يلمّ به على عكس ذلك تماماً، فمع كل أزمة تتحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى مهرجانات من الضحك يعبر اللبناني من خلالها عن عمق ما يتراكم داخله من معاناة وهذا مؤلم اكثر. فالضحك والبكاء في الوقت عينه صعب جداً، إنه دراما ساخرة بل كوميديا سوداء تحفر في وجع الروح ولا تسكت الآلام التي تتراكم نتيجة تجاهل الحلول الممكنة لإنقاذه مما ابتُلي به.

مواقع التواصل متنفس للتعبير

تنوعت وتعددت المنشورات الساخرة المعبرة عن واقع الحال، كما تغيرت الأساليب والأفكار بين فايسبوك والمواقع الأخرى، فمنها ما اعتمد على الصور المركبة مستخدماً برامج الفوتوشوب كالصورة الشهيرة لشاب يطلب يد حبيبته مقدماً لها خرطوم بنزين عوضاً عن الخاتم.

ومنها من استغل تطبيق تيك توك للتعبير عن الأزمات في فيلم قصير مثل ذلك الشاب الذي نرى والدته منهمكة في لف أرغفة المرقوق واللبنة وهو يحمل قناني المياه ويودع أخوته ونكاد نبكي على المشهدية المؤثرة لنكتشف أنه ذاهب لقضاء ليلته على محطة البنزين ينتظر دوره للتعبئة، وهناك الكثير من الأفلام حول انقطاع اللحوم والغلاء وعن انقطاع الدواء ومواد المحروقات، إذ تم تركيب الكثير من الفيديوات المضحكة، كما استغل اللبناني كلام السياسيين والمسؤولين لخدمة افكاره والانتقاد المضحك. وأبرز ما تم تداوله في الآونة أزمة انقطاع البنزين وإضراب الاتحاد العمالي العام المتهم بسرقة شعارات ثورة 17 تشرين.

ومن البوستات المعبرة اخترنا:

ـــــ “بأي صف ولادك واحد في صف البنزين؟

واحد بصف الخبز وواحد بصف الزيت والسكر”.

ــــ “اذا إنقطع البنزين وصرنا نروح مشي عالشغل، بيضلوا يعطونا بدل نقل أو بيصيروا يعطونا بدل نعل؟”.

ــــ ” بلا ورد بلا بطيخ 2 ليتر بنزين”.

ــــ “صار الحرامي يجيب معو بنزين حتى يسرق السيارة الله لا يسامحكن لوين وصلتوهن”.

ــــ “عمرو ما يكون بنزين keep walking”.

ــــ “قريباً ليش تأخرت على الدوام؟ والله حرد الحمار وبطل يمشي”.

ــــ “أحلى صف هو صف البنزين حتى لو ما كنت دارس بيحطلك عشرين”.

ولم يسلم العميد حطيط من التعليقات اذ تم تداول صورة تقول “لدينا أكثر من 40 سيارة جاهزين للانطلاق نحو القدس بس واقفين عم يعبوا بنزين”.

وتم تناول أزمة ارتفاع الدولار مقابل إنهيار العملة الوطنية فرأينا:

ــــ “إذا ظل الوضع هيك، رح بلش إسحب من مصاري الـ monopoly”.

ــــ “اليوم جربت احسب معاشي عالدولار تبين معي إنو أهم شي الأخلاق”.

ــــ “يا رب متل ما بدعيلك كل يوم تحمي أطفالي، كمان البراد، الغسالة، التلفون، السشوار، الهوفر، تلفوناتنا، بطارية السيارة دواليبها ترابيعها”.

ــــ “اليوم أنا كتير مبسوط رحت عالسوبرمارت ما خليت شي إلا ما سألت عن سعره وبكرا كمان رايح إسأل وعمره ما حدا يورت”.

ــــ “نحنا شعب إذا بتقلوا محلات دفن الموتى رح تسكر بكرا… بيركض بيشتري 10 توابيت احتياط”.

متى تبتسم الدنيا للبناني؟

جميع هذه التعليقات وغيرها تم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ربما لأن الضحك أفضل علاج وكما يقول المثل “إضحك تضحك لك الدنيا” فمتى ستبتسم الدنيا للشعب اللبناني؟ هل يحاول اللبنانيون الخروج من أزمتهم عن طريق السخرية من واقعهم أم ما يجري هروب وانفصال تام عن الواقع؟ وهل يكون العلاج مناسباً؟ وكيف يقرأ أطباء علم النفس وأساتذة علم الاجتماع هذا الواقع؟ وهل الحل سيكون في المعالجة النفسية؟ أسئلة كثيرة تُطرح.

كريّم: مخالفة المنطق تثير السخرية

وفي هذا السياق، يعلق الطبيب النفسي زاهر كرّيم في قراءته لــ “لبنان الكبير” بالقول: “هناك أبحاث تقول أن الضحك يسمح للإنسان أن يتحمل الوضع أكثر، ومن الجيد أن يضحك الإنسان على واقعه، ففي لبنان هناك أحداث تحصل لا يتوقعها ولا يتقبلها المنطق ومن الطبيعي الضحك عليها، فعلى سبيل المثال إذا قلنا لمواطن أوروبي لم يعد بإمكاني الحصول على أموالي من المصارف سيتفاجأ ولن يصدق، كما أن هناك تصريحات صادرة عن السلطة لا يتقبلها الشعب لأنها تكون مخالفة للمنطق وتدعو للسخرية”.

تخفيف حدة الأزمة بالضحك

ويلفت إلى أن “الشعب بمعظمه يُعاني، وبالتالي إطلاق النكات هدفه السخرية من واقعنا أي للتخفيف من حدة الأزمة أو وطأتها، لكن لا أستبعد في ظل الأوضاع المهيمنة، أن يخسر اللبناني السيطرة على نفسه، فإذا استمرت هذه الأوضاع على هذا النحو من الممكن أن نخسر السيطرة في لبنان، فالعقل كي يبقى جيّداً عليه أن يبقى متمتعاً بعدة أسس كالأكل والنوم الجيد، الصحة النفسية، ممارسة العديد من التمارين، التأمل في مناظر الطبيعة، كما أن البقاء في بلد تقُل فيه العدالة وتكثر فيه الأكاذيب والمشكلات تزيد من القلق، ناهيك عن أن فيروس كورونا زاد من الإحساس بالحزن، فانعزل الشعب عن ممارسة حياته إلى جانب الأزمات المعيشية والاقتصادية والمالية وهذا يزيد من حدة الاكتئاب لدى المواطن”.

مارون: العجز عن تغيير الواقع

من جهتها، تشدد أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية مي مارون على أنه “في كل الأزمات التي يواجهها الإنسان لتخفيف العبء النفسي والتوتر والسوداوية يلجأ إلى حلول كثيرة منها الرقص، شرب الكحول، ممارسة الرياضة أو عبر اللجوء إلى النكات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يحدث فهم عاجزون عن تغيير الواقع، فلا أحلام لبناء مستقبل جيّد والأمل في غد أفضل غير موجود والحل الوحيد أمام اللبنانيين الهجرة، لكنها غير متوفرة للجميع، فهي مُكلفة وليس جميع البلدان تستقبل. لهذا السبب يتم اللجوء إلى السخرية، واللبناني في طبيعته لديه روح الفكاهة”.

وتضيف: “عدد كبير من اللبنانيين اليوم، يتناولون مضادات الاكتئاب والتشنج العصبي يزداد يوماً بعد يوم والدليل المشكلات التي تحدث في الطريق العام بين المواطنين. فهذه الأساليب في التعبير ليست هروباً من الواقع إنما تعبير عن المعارك النفسية داخل الإنسان”.

وتروي مارون لنا واقعة حصلت معها في مصر قائلة: “أثناء جولتي في مصر رأيت ضابطاً لديه العديد من النجوم على بزته العسكرية فسألته ماذا توّفر لك هذه النجوم، فأجابني انه في كل فترة يعود إلى منزله ويقول لوالدته باركي لي يما أخذت نجمة جديدة من السما لكن راتبي لا يزيد 1 جنيه وهذا دليل على السخرية العامة وفي جميع البلدان موجودة”.

ربما تعلمنا السخرية معنى الشفاء الحقيقي من الكوميديا السوداء، ففي ظل كل ما يحدث في لبنان من أصعب العلاجات أن تضحك وانت تمر في أصعب الظروف. وكما يقول الفيسلسوف الألماني إيمانويل كانت “ثلاث يساعدن على تحمل مشقات الحياة: الأمل والنوم والضحك”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً