إفطار يومي بـ ٦ ملايين ليرة!

راما الجراح

“انكوينا من غلاء الأسعار، وأصبحنا ننتظر المساعدة لتصل إلى باب بيتنا من المغتربين الذين تبرعوا لكل منزل محتاج بـ ١٠٠ دولار أميركي في رمضان، ولكنها غير كافية، فراتب ابني ٧ ملايين ليرة تذهب لتعبئة البنزين فقط، وهو المعيل الوحيد لنا، ونتأمل بشهر رمضان فهو شهر الخير وسيمضي بسلام”، بهذه الكلمات تشكو إحدى السيدات لموقع “لبنان الكبير” صعوبة الحالة المعيشية، ولكنها ليست الوحيدة التي تعيش هذا الكابوس، وبكل أسف فان نسبة ٧٠٪ من الشعب اللبناني أصبحت من الطبقة الفقيرة وتعيش الحال نفسه.

رمضان شهر الخير والصدقات، ولكن هل ستكفي حاجيات أي منزل في هذا الشهر؟ بالتأكيد لا، فبعد إرتفاع أسعار اللحوم والدجاج، وتحليق أسعار الخضار، ودولرة أسعار المواد الغذائية، باتت كل عائلة لبنانية بحاجة الى راتب كامل بالدولار بعدما فقدت العملة الوطنية قيمتها أساساً، فوق راتبها لتستطيع العيش ببساطة وليس ببذخ. وقال المواطن محمد. ي، وهو يعمل في مجال المحاسبة في إحدى الدوائر الرسمية: “كان في جيبي أوراق نقدية من فئة ١٠ و٢٠ ألف ليرة بما يساوي ٦٠٠ ألف تقريباً، وعندما دخلت الى سوبرماركت لشراء بعض الحاجيات رفض أخذها واشترط عليّ استبدالها بفئة الـ ٥٠ أو الـ ١٠٠ (لأن ما بقى يروحوا). لم أتوقع أن نصل إلى هذا الوضع الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ولكن لا شك في أننا ذاهبون الى الأسوأ وما حصل معي أكبر دليل”.

وقام باحثو مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت، وكما كل سنة منذ بدء الانهيار المالي والاقتصادي والمعيشي في لبنان، بدراسة مؤشر الفتوش الذي يتضمن أسعار ١٣ مادة تكوّنه مع التثقيل المناسب لكل مكوّن له. وأوضحت البيانات إرتفاعاً شاهقاً وحاداً في مؤشر كلفة الفتوش “بالمفرق”، أي ما يشتريه المستهلك النهائي لرمضان عام ٢٠٢٣ مقارنة مع العام السابق، بنسبة تبلغ حوالي ١٨٧٪، ليسجل مؤشر الفتوش ٩٥ ألف ليرة للشخص الواحد مقارنة مع ٣٣ ألف ليرة في العام السابق، وقد إرتفع بنحو ٥٣٤٪ خلال سنتين مقارنة بقيمة ١٥ألف ليرة عام ٢٠٢١.

ويعود هذا الارتفاع الحاد بحسب الدراسة إلى التدهور المفرط في قيمة الليرة اللبنانية مقارنة بالدولار منذ بدء العام الحالي، إضافة إلى الزيادة في كلفة النقل بسبب إرتفاع أسعار النفط، والتوجه نحو التصدير لاستقطاب الدولار الفريش من الأسواق الخارجية وبالتالي تراجع حجم المعروض في السوق المحلية، فضلاً عن إرتفاع أسعار الأسمدة المستوردة والبيوت البلاستيكية وكذلك أسعار صناديق التوضيب. وتجدر الاشارة الى أن صندوق توضيب الفاكهة أو الخضار البلاستيكي كان سعره ١٥٠٠ ليرة قبل الأزمة وأصبح حالياً ما بين ٤٣ و٤٧ ألف ليرة. ووفق أحد تجار المفرّق، فإن تجارة الفاكهة والخضار أصبحت تقريباً “المصلحة الوحيدة التي لا تستطيع التسعير للمستهلك النهائي بالدولار”، الأمر الذي يكبّد تجار المفرّق خسائر كبيرة بين يوم وآخر.

وبالتوازي، تخطّت قيمة الافطار اليومي للفرد مبلغ مليون و٢٠٠ ألف ليرة، وهي تشكل حوالي ضعف قيمة الافطار اليومي قبل عام بالتحديد، بسبب إستمرار الارتفاع في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية بوتيرة أكبر من الارتفاع في سعر الصرف. ويعود ذلك بصورة كبيرة إلى أن التجار يعتمدون هامشاً مضافاً الى سعر الصرف في السوق الموازية، لضمان قدرتهم على توفير السيولة اللازمة لاعادة تكوين مخزونهم من البضائع من دون تكبد خسائر مالية جراء الارتفاع المستمر في قيمة الدولار مقابل الليرة.

أصبحت هذه الأسعار “روتيناً” يومياً لا يمكن الاستغناء عنه، فتفقد الأسعار في الأسواق ضروري جداً وإلا لا أحد يمكنه معرفة كيف سيتناول طعامه وماذا يمكنه أن يشتري للإفطار، وبحساب سريع جداً فان أي أسرة تتألف من ٥ أفراد فقط تحتاج أقله إلى ٦ ملايين ليرة يومياً لتُفطر بهناء!

شارك المقال