فرص عمل غير منتظرة تولد من الأزمة

راما الجراح

مَن قال إن الأزمة المعيشية والاقتصادية لا تخلق فرصاً جديدة للعمل؟ فوسط المشهدية السوداوية التي يعيشها اللبنانيون، أصبحت مهمة الشباب الذين يدخلون سوق العمل في الوقت الراهن شاقة لإيجاد فرصة عمل مطابقة لاختصاصهم بسبب واقع الحال في لبنان، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع كبير في معدلات البطالة.

تقديرات منظمة العمل الدولية بالتعاون مع وزارة العمل اللبنانية تشير إلى هذا الارتفاع، فمعدلات البطالة زادت من ١١.٣٪ في عام ٢٠١٨ إلى ١٨.٥٪ في عام ٢٠١٩، ثم قفزت إلى ٣٦.٩٪ في عام ٢٠٢٠، وستبلغ ٤١.٤٪ في عام ٢٠٢١، ولكن الحاجة أم الاختراع، فكيف إذا كانت في هذا الزمن الصعب.

بيع الكعك والعصير في طوابير البنزين

حسين وعلي، شابان في العشرينيات خلقا فرصة عمل من رحم أزمة الوقود وطوابير البنزين، وبالصدفة أثناء وقوفي في طابور الذل أمام محطة رأيتهما يتنقلان بين السيارات ويبيعون الكعك والعصير، علي خريج الهندسة من الجامعة العربية في بيروت شرح لـ “لبنان الكبير” وضعه: “أشعر بالندم على كب مصرياتي بكلية الهندسة، بعد ٥ سنوات من دراستي أعمل اليوم ضمن إطار لا يحتاج لا لعلم ولا لخبرة، أن أجلب ظرف العصير وأضعه في قارورة مياه فارغة ثم أضعها في الثلاجة وأخرج لبيعها على محطة البنزين، كل هذه الخطوات لا تستدعي أبدا مني خبرة أو سنوات علم في أي اختصاص كان”.

وعن تنظيم عمله هو وصديقه حسين، يقول: “اتفقت مع حسين وهو زميلي في الكلية وجاري أن ننظم أوقاتنا كل يوم أمام محطة وقود مختلفة ضمن إطار بيروت، نتنقل بين السيارات، أنا أبيع العصير وهو يبيع الكعك، ويبدأ العمل منذ ساعات الصباح الأولى وأحياناً لا نعود إلى منزلنا إلا عندما نريد جلب المزيد من العصائر والكعك بعد نفاد الكمية التي بين أيدينا”.

أما بالنسبة للأرباح، أشار علي إلى أنه “يتقاسم الغلّة بشكل يومي هو وحسين، وفي اسوأ الأحوال اليومية تتخطى الـ ١٥٠ ألف ل. ل”، معتبراً أن “هذا المبلغ لا يمكن أن يتقاضاه بوظيفة في مكتب مكيف اليوم”.

القهوة لمن يحب

في زحمة سير خانقة في تعنايل، وبسبب طابور البنزين الــ ٣ صفوف أمام محطة الوقود، شاب يحمل “ترمس قهوة” يتجه نحو السيارات ويردد: “بتستاهلوا فنجان قهوة سريع”، بادرت بسؤاله عن سبب الضيافة فأجاب وهو يلهث بسبب تنقله السريع بين السيارات وهو مبتسم: “أختي صرت مطلع ٢٠٠ ألف بطابور المحطة اليوم والقهوة يلي بعدها معي حلوينة ربحاتي تكرم عينكم بس دعولي”، ويضيف: “يلي بيعرف اني بحياتي مش مطلع ٢٠٠ الف باليوم بالرغم من أنه في برقبتي مسؤولية عيلة وكنت موظف بشركة وطردوني بسبب الوضع الزفت وأنا في عمر الثلاثين ما بنلام على شي”.

مشروع صغير لحلم كبير

“مشروع صغير يعود بالإفادة عليّ مادياً ومعنوياً”، تقول ولاء زين الدين، شابة من البقاع الغربي شاء القدر أن تنهي دراستها في الوقت الأصعب الذي تمر به البلاد “دخلت في حالة نفسية صعبة بسبب الأوضاع المعيشية التي نعيشها في لبنان وعدم توفر فرص عمل، وكنت أحلم بهذا العمل الذي أقوم به اليوم منذ زمن، ومَن يصدق أن صعوبة الأوضاع كانت السبب في تحقيق حلمي ولِما الغرابة، لم يكلفني الموضوع كثيراً، بعدما جلست في المنزل من دون عمل، أصبح لدى وقت فراغ كبير من هنا بدأت، استطعت تأمين عدد لا يستهان به من الخشب، ثم قمت بتنزيل العديد من الأفكار التي أمكنني رسمها، على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي لاقى إعجاباً كبيراً من فئة كبيرة من الناس، وهذا ما زاد من هرمون السعادة لدي وشجعني أكثر لتطوير عملي”.

وتضيف: “كنت أخاف في البداية من ردة فعل الناس إذا كان هناك خطأ بالرسم أو أن هناك أي لون لم يعجبهم، لكن لا أذكر أنني حصلت على أي انتقاد جارح أو سلبي حتى اللحظة، والمردود الذي يعود علي من هذا العمل مقبول، يكفي أنني بدأت بالخطوة الأولى من تحقيق حلمي ولست عاطلة عن العمل”.

تصوير أعراس لمن يرغب

“لدي هواية في التصوير، وأدرس الإخراج في الجامعة، استأجرت كاميرا من صديقي، أعطيه نسبة ٢٠٪ من الربح على اليوم الذي أعمل به فقط، أضع كل فترة إعلان على صفحتي الخاصة مع رقم الهاتف لمن يود تصوير ميلاد أو أعراس أو فوتوسشن عادي”، بهذه الكلمات يصف وليد عمله مقتنعاً أن هكذا البداية ستفتح باب الشهرة في مجال التصوير، ويقول: “لبنان لن يعود كما قبل أقله لعدة سنوات مقبلة، الأمر الذي يجب أن يأخذه كل شاب بعين الاعتبار، فالذي لا يستطيع السفر إلى الخارج، عليه أن يبدأ بالعمل في مصلحة خاصة ليستطيع العيش، وإلا منموت من الجوع”.

لم ينتظر هؤلاء الشباب لا خطة حكومية ولا تنظيمية لإيجاد فرص عمل لهم، اعتمدوا على أنفسهم، قرروا تحقيق أحلامهم، ولم ينتظروا الغد، بهذه الهمم تُبنى الأوطان، ألا يجدر بكل مسؤول أو سياسي فاسد بعد سماع هكذا روايات حقيقية عن شباب لبنان أن يتنحى عن مناصبهم ويفسح المجال لهم؟! حبّذا لو يتحقق ذلك ولكنه أشبه بحلم إبليس بالجنة!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً