طابور “للأمهات فقط”

إسراء ديب
إسراء ديب

بات الانتظار في طوابير البنزين أمرًا اعتياديًا ألفه اللبنانيون منذ اشتعال أزمة البنزين واستفحالها في الأشهر القليلة الماضية. ولكن ما كان مستغربًا هو قيام إحدى محطات البنزين بتخصيص طابور كامل للنساء فقط في مدينة طرابلس، مع تخصيص لافتة كتب عليها” للأمهات فقط”، في خطوة لم تكن في حسبان العديد من السيّدات اللواتي لم يعتدن سريعًا عليها، بل احتجن إلى القليل من الوقت لاستيعاب الفكرة أو الهدف الذي أرادت المحطة إيصاله إلى زبائنها.

وبدأت محطة” أبيك” بتنفيذ الفكرة منذ حوالي 3 أسابيع، طيلة أيّام الأسبوع، الأمر الذي شكّل عنصرًا جديدًا وظاهرة فريدة من نوعها تميّزت عن المحطات الأخرى التي تشهد زحمة خانقة بفعل كثافة عدد السيارات وتداخل الطوابير في ظلّ فوضى تشهدها معظم المحطات مع تعاظم أزمة البنزين.

فكرة جديدة وإيجابية

ولم تكن الفكرة على الرّغم من كونها جديدة، بمرفوضة من قبل النساء والرجال على حدّ سواء، وقد تختلف الآراء أو النظرة إلى هذه الظاهرة، ولكن يبدو أن الإجماع على الإيجابية هو الأكثر تداولًا بينها. في هذا السياق، تقول سمر مشيعي وهي متزوجة وغالبًا ما تقوم بتزويد سيارتها بالوقود من هذه المحطة: “أخيرًا شعر بنا أحد وبمعاناتنا كنساء تعيش في هذا المجتمع، فالسيّدات باتوا غالبًا عاملات أو متزوجات أي لديهنّ مسؤولية عليهن تحمّلها وهن غير قادرات على الأرجح على الانتظار فترة طويلة، وفي هذا الصف الجديد نتمكّن من الانتهاء من الانتظار بدقيقتين فقط، أمّا في السابق فكنّا نحتاج إلى ساعات، ما يُعيق سير الأعمال التي كنّا نقوم بها”.

وترى حنان حسن أن “تخصيص مسار للنساء هو طريقة جيّدة لتتجاوز المرأة أيّة مضايقات أو انزعاج من أي شخص”، معتبرة أنّه “يُريح الفئة الكبرى من النساء، لا سيما اللواتي لا يملكن الوقت الكافي للتعامل مع هذه الأزمة الكبيرة”.

أمّا أبو أيمن وهو سائق أجرة، فلم يرفض هذه الفكرة أبدًا ولم يشعر أنّها تُشير إلى عنصرية أو تمييز إزاء الرجال، بل يجد أنّها طريقة مثالية لاحترام المرأة كيّ لا تكون منزعجة من كلمات قد تسمعها من قبل بعض الشبان، ويقول: “هي طريقة تحترم النساء، ولم أشعر أنّها مزعجة بل على العكس فلو كانت ابنتي أو زوجتي أو أحد أقاربي تملك سيارة سأنصحها بزيارة المحطة فعليًا، لأنّها آمنة ومريحة لهنّ بالتأكيد”.

من جهته، يعتقد أبو محمّد أنّه “من المعيب رؤية النساء وهن يقفن إلى جانب الرجال في هذه المواقف”، إذ يرى أن “الرجل عمومًا قادر وله طاقة على تحمّل هذا الوقت والجهد الكبير، أمّا المرأة فلا يُمكنها تحمّل الانتظار لساعات أمام محطة بنزين”.

بدوره، لا يرفض جمال سعيد الفكرة ولكنّه يُشدّد على ضرورة تعليم وتثقيف الكثير من الفتيات كيفية تحمّل المسؤوليات المختلفة، ويقول: “لا يُمكن للمرأة الاعتماد دائمًا على الرجل، فعليها أيضًا أن تقوم بواجباتها هي أيضًا، إذ نجد أن النساء حاليًا غير مهتمات عمومًا بتفاصيل بيتها وأولادها بقدر ما تهتم بصغائر الأمور وتفاصيل أخرى ثانوية لا قيمة لها لا سيما في أزماتنا التي نشهدها حاليًا”، مؤكّدًا احترامه لهذا القرار.

طيبا: التنظيم ضروري

يُؤكّد المدير التشغيلي لمحطات شركة ” أبيك” عبد القادر طيبا أن “القرار الذي اتخذته الشركة لا يأتي انطلاقًا من تمييز المرأة عن الرجل، بل صدر القرار لمساعدتها نظرًا لعدم قدرتها بشكلٍ عام على تحمّل هذه المشقة لا سيما المرأة العاملة بشكلٍ أساسي”.

ويقول لـ “بنان الكبير”: “بدأ تنفيذ هذا القرار هنا منذ 3 أسابيع تقريبًا، وكتب على اللافتة للأمهات فقط وهي صالحة للمرأة العاملة أو غير العاملة، متزوجة أم غير متزوّجة وهي وسيلة مريحة لها”.

ويشير إلى أن “بعض الرجال لم يتقبّل هذا القرار وشعر بأنّه تمييز أو تفضيل وهذا غير صحيح على الإطلاق، ولكن هذه الفئة التي رفضت هي نادرة ولم تفتعل مشكلات مثلًا… في الواقع، نحن نحترم المرأة وجهودها ونريد تسهيل هذه المشقة عليها سعيًا لتأسيس طوابير منظمة وهذا ضروري بالفعل”.

بين مناصر أو مناهض لهذا القرار، يبدو أن زبائن هذه المحطة لم يُمانع أحدهم وبشكلٍ مباشر في تنفيذ هذا القرار الذي تراه الشركة ضروريًا مع أزمة يبدو أنّها ستكون طويلة الأمد وستدفع الكثير من المواطنين إلى الهلاك، ولكن بعد النجاح في تطبيقها… هل تُعمّم هذه الفكرة على المحطات كافة؟ وفي حال عمّمت أم لا، تبقى المرأة محظوظة بالفعل حين يُنفذ هذا القرار الذي يجعلها “ملكة” في عصر طوابير الذل والإهانة.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً