الأهل عاجزون عن تقديم “العيدية” لأطفالهم!

زياد سامي عيتاني

ينتظر الأطفال يوم العيد بصبر وشغف وفرحة كبيرة، تمتلئ قلوبهم وتزداد سعادة وسروراً مع “العيدية” والملابس الجديدة، التي يتباهون بها ويفتخرون، بحيث يمضون أيامهم في اللعب واللهو والمرح مع أقرانهم، فتعبق الأجواء بضحكاتهم البريئة وأصواتهم وهم يرددون أهازيج العيد، ما يسعد أهاليهم ويدخل الفرحة والسرور إلى قلوبهم ونفوسهم، لا سيما عندما يشاركونهم زيارة الأقارب والجيران والأحبة، التي هي مصدر لزيادة جيوبهم بالنقود التي يجمعونها من “العيديات”.

فـ”العيدية” هي أكثر عادة محببة لدى الأطفال في العيد، اذ تشعرهم بأجوائه وفرحته، لأنهم سينفقونها كما يحلو لهم على ما يحبون، بما يرضي إختيارهم في إنفاقها على ملذاتهم.

على الرغم من السعادة العارمة التي كانت تخيّم على الأهل، وهم يشاهدون أطفالهم تغمرهم السعادة، بجمعهم “العيديات”، وصرفها بحرية “مشروطة”، فإنهم هذا العام، وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية، يقفون عاجزين وغير قادرين، بكل خجل ومرارة، وبكل حسرة وغصة تعصر قلوبهم حزناً وألماً، على تقديم “العيدية” لأولادهم، كما جرت العادة في كل عيد، لتدخل البهجة إلى قلوبهم الوردية الصغيرة.

فالأولاد هذا العام، لن يفرحوا بالعيد، ولن يعيشوا أجواءه ومسراته، التي ينتظرونها من عام إلى عام، حتى يفرحوا بطقوسه وعاداته، خصوصاً وأن العيد لهم، حتى قيل “الأطفال فرحة العيد”.

أصل العيدية وتاريخها:

صحيح أن “العيدية” في العصر الحديث، مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بالأطفال، إلا أنها في الماضي كانت لها وظيفة مختلفة كلياً، ولم تكن مخصصة للأطفال على الاطلاق، فلمن كانت؟

– ذهب المعز وسيفه:

يرجع ظهور “العيدية” كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة “الترغيب والترهيب” التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً بـ”ذهب المعز وسيفه”، تيمناً بما فعله الخليفة الفاطمي عندما إختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهراً سيفه وقائلاً: “هذا نسبي”، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مردداً: “هذا حسبي”.

وتم توزيع “ذهب المعز” أيضاً كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر لينثر عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم “العيدية” لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد.

– “الجامكية” المملوكية:

في العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتباً إلى الأمراء والجنود لمناسبة العيد، وفقاً لرتبة كل منهم ويحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة. وكثيراً ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب ضآلة نفقة العيد أو التأخر في تقديمها، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغباتهم.

أطلقت على “العيدية” المتداولة أيام المماليك تسمية “الجامكية” وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم إلى البعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، وإلى آخرين كدنانير من الفضة.

– “الفندقلي” العثمانية:

وابان عصر الدولة العثمانية، ولا سيما في القرن الثاني عشر للهجرة حرص سلاطين آل عثمان على ضرب عملات تذكارية خاصة توزع على كبار رجال الدولة في عيدي الفطر والأضحى، ولكنها كانت توزع بأعداد قليلة نظراً الى ثقل وزنها الذي يتخطى تسعة غرامات، وأطلق على هذا النوع من العملات الثقيلة اسم “فندقلي العيدية المجوز”.

و”الفندقلي” اسم لعملة ذهبية عثمانية امتازت دوماً بارتفاع عيارها. وتعتبر “فندقليات العيدية” آخر مظاهر اهتمام الدولة الاسلامية في العصور الوسطى بـ “العيدية”. وكان توزيعها يقتصر على كبار رجال الدولة من العسكريين مع نفر من كبار موظفي الدواوين.

“العيدية” من العادات التي رسختها التقاليد والمظاهر الاحتفالية بالعيد، وعلى الرغم من التحول في كيفية صرفها من الذهب إلى العملة الورقية، ومن الدول إلى الأفراد، فإن كثيراً من أطفال لبنان الجريح حرموا منها هذا العام، ليفقدوا واحدة من المسرات التي كانت تبهجهم في العيد.

شارك المقال