الطرابلسيّون “يتمسكون” بفرحة عيد الفطر وإحياء معالمه

إسراء ديب
إسراء ديب

حلّ عيد الفطر على الطرابلسيين هذا العام في ظلّ ظروف صعبة دفعتهم إلى التمسك بهذه الفرحة والبهجة التي ربما أنستهم قساوة عام كامل بيْن أزمات اقتصادية واضطرابات سياسية، فوجدوا وقتاً للمرح والسرور في ثلاثة أيّام متواصلة أكّدوا أنّها مرّت بلحظات يتوقون الى استمرارها وعودتها من جديد.

في الواقع، لا تهدأ المدينة في هذا العيد مهما حدث، إذْ يحتفل أبناؤها به منذ اللحظة التي تُعلن فيها دار الافتاء انتهاء شهر رمضان المبارك وبدء العيد، فتصدح أصوات التكبيرات في مختلف أرجاء الفيحاء احتفالاً بحلوله عليهم.

كلّ ما في شوارع طرابلس، يُوحي بفرحة مختلفة تُشير إلى رغبة الناس في التخلّي عمّا يُؤرقهم في هذه الأيّام، فمنذ فجر يوم الجمعة تهافت الآلاف من الطرابلسيين كعادتهم التي لا يتخلّون عنها على زيارة القبور في جبانات باب الرمل، التبانة، الميناء، قبر الزيني، الشهداء، الزعبية والغرباء… لوضع الريحان أو نبتة الآس وسعف النّخل على ضريح أقربائهم إحياء لعادات وتقاليد اجتماعية لا دينية.

وفي وقتٍ تُندّد مصادر دينية عدّة بهذه العادة التي يرونها غير محبذة نظراً الى ارتباط العيد بالفرح لا بالحزن، يتمسّك الطرابلسيون بهذا التقليد السنويّ الذي يتكرّر مرتيْن: الأولى في عيد الفطر، والثانية في عيد الأضحى أيّ بعد شهرين، فيما تُؤكّد بعض العائلات التي تزور القبور أنّ هذه العادة عموماً لا تُشعرهم بالحزن كما يرى البعض، بل تُشعرهم بأهمّية مشاركة الراحل أو الراحلة بهذا العيد والتشديد على ضرورة عدم نسيانه، بينما تُحيي عائلات كثيرة هذه العادة (التي قد تُزيّن فيها القبور بالورود أيضاً) قبيل يومين من حلول العيد، كي يكونوا وسطاً فيقرأون القرآن الكريم أو الدعاء لأحبائهم، فيما يقرأ آخرون الفاتحة على روحهم.

ومن اللافت هذا العام التزام البلدية بتنظيف ممرات بعض المقابر وإزالة النفايات منها، خلافاً لما كان سائداً في سنوات سابقة لا سيما العام الماضي بحيث تراكمت الأوساخ، أوراق الأشجار، بقايا الآس أو أوراق النخيل المصفرّة أرضاً، كما امتداد الشجر أو الشجيرات بصورة مبالغ فيها مع بقاء المياه الناتجة عن قيام بعض الأهالي بتنظيف هذه المقابر.

وفي صبيحة العيد وكما جرت العادة، يشتري الطرابلسيون كعك العيد الذي يُباع عادة على البسطات أمام المقابر، وكان الكثير من المواطنين اشتكوا من ارتفاع ثمنه وتراجع جودته عموماً، إذ اشترى أحدهم 7 كعكات بـ 50 ألف ليرة، فيما اشتكى مواطنون آخرون من سعر نبتة الآس التي تُباع أيضاً أمام المقابر وبلغ 50 ألفاً ووجد البعض أنّها لا تستحقّ هذا المبلغ، وقال أحدهم: “يقوم البعض بسرقة هذه النبتة لبيعها بأضعاف ثمنها هنا في هذا الموسم، وهذا حرام”.

كما يتجه أهالي طرابلس وجوارها من الرجال، النساء والأطفال إلى تأدية صلاة العيد (وسط انتشار أمنيّ مشدّد من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني في مختلف أنحاء المدينة)، بحيث ترصد مختلف الوسائل الاعلامية وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تُغطّي هذا الحدث مباشرة، حجم الازدحام الذي تشهده الشوارع والأحياء منذ ساعات الصباح الأولى، فلا أحد ينام على الرّغم من اعتياد الجميع السهر طيلة شهر رمضان، بل يتزاحمون لتأدية الصلاة التي تتوافق مع السنّة النبوية الشريفة المؤكّدة التي “حرص عليها النبي وحثّ عليها أهله”، فتجد الآلاف منهم يقفون حتّى خارج المسجد وما حوله للصلاة والإنصات الى خطبة العيد.

وفي تقليد عثمانيّ قديم، قام رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدّين بإلباس مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام العباءة بعد الصلاة والخطبة، بحضور ديني، سياسي وأمنيّ.

وفي وقتٍ أبقت مختلف الشوارع على زينة رمضان في العيد، كانت الأحياء تعج بالناس والأطفال الذين اشتروا مفرقعات “الثوم” والمسدّسات المائية أو الخرز المخصّصة للترفيه واللعب، في حين لم تُسيطر العتمة هذه المرّة على الشوارع والمنازل مع قيام بعض أصحاب المولّدات الكهربائية بتقديم المزيد من ساعات التغذية إحياء للعيد كما فعلوا في رمضان أيضاً.

يُمكن القول إنّ رائحة “ورق العنب” كانت الطاغية في هذه الأيّام، كما وصلت مساعدات من الخارج دفعت عائلات عدّة إلى شراء المعمول أو صنعه، اضافة الى شراء حلوى العيد، في وقتٍ لا يخفى على أحد أنّ عائلات كثيرة حرمت نفسها من هذه النعمة واستغنت عن إحداها لتحصل على الأخرى أو استغنت عن الاثنتين بسبب الوضع المعيشي الذي لا يسمح لها بشراء هذه الاحتياجات التي تُعدّ أحد المظاهر الاجتماعية للعيد.

إنّ المدينة التي نعمت باستقرار أمنيّ نسبي في هذا الموسم، تمكّنت من إحياء معالم العيد على قدر المستطاع، ولا يُمكن إغفال مقدار الأهمّية التي توليها لا سيما مناطقها الشعبية لهذه المعالم، خصوصاً للأطفال الذين عادوا إلى ألعاب قديمة كانت تُحسب من الماضي مع انتشار الهواتف الخلوية والألعاب الالكترونية، بحيث عادت الأرجوحة وألعاب النفخ التي انتشرت فيها.

وفي معرض رشيد كرامي الدّولي، افتتح “مهرجان طرابلس لعيد الفطر” بتنظيم الاتحاد اللبناني لرياضة قوّة الرمي والدفاع عن النفس لمدّة 3 أيّام بعد اعتماد تقديم أنشطة متنوّعة للأطفال منها: ألعاب نفخ، ألعاب مائية، ركوب الخيل، ورسم على الوجه. ولم يقتصر المهرجان على الأطفال فحسب، بل تضمّن نشاطات للشبان منها: رمي بالقوس والسهم مع مدرّبين محترفين، ركوب الخيل وغيرها من الأنشطة التي كان الأطفال معظم روادها، بحيث كان يدفع الأهالي عند الدخول مبلغ 150 ألف ليرة، أمّا الألعاب فأكّد البعض أنّه دفع ثمنها في المعرض كالتالي: ألعاب النفخ (50 ألفاً)، ركوب الخيل (100 ألف)، الرماية (كلّ 3 ضربات بـ 100 ألف).

أمّا في باب التبانة، فكان للعيد طعم آخر، لا سيما مع انتشار المراجيح وألعاب النفخ كعادتها، وكذلك الأمر في جبل محسن حيث تمكّنت محال عدّة من وضع بعض الكراسي، الطاولات، وألعاب النفخ مع بث الأغاني لاستقبال المهنّئين بالعيد ورواج فكرة قطار العيد وبائع الآيس كريم على الطرقات في هذه الأيّام.

وانتقالاً إلى المطاعم والكافيهات التي امتلأت بزبائنها، كان لشارع الضم والفرز في المدينة النصيب الأكبر من هذا الاقبال الذي وصف بالكبير والمهمّ مقارنة بالمواسم السابقة على الرّغم من غلاء الأسعار، كما امتلأت المقاهي الشعبية بروادها أيضاً مع فارق واضح بين أسعار كلّ منها.

في الواقع، إنّ الفرحة التي عمّت المدينة كان تمنّى الكثير من الأهالي دوام حالها عليهم، ويبقى العيد، الذي لا يُمكن أن يمرّ من دون زيارة كورنيش الميناء والمعرض أو زيارة الأقارب تمسكاً بصلة الرحم، مميّزًا في طرابلس التي تستحقّ أن يتذوق أهلها سروراً بعد كرب عظيم.

شارك المقال