انتشار الجدري شمالاً لا يستدعي الهلع… والكوليرا “جرس انذار”!

إسراء ديب
إسراء ديب

ليست المرّة الأولى التي ينتشر فيها الجدري شمالاً، فهو مرض وبائي وجرثوميّ شائع يُصيب الأطفال بصورة كبيرة وينتقل بالعدوى من شخص الى آخر، ولكن بعد تقارير طبّية أشارت إلى وجود حالات جدري منتشرة في الشمال أخيراً، ومن بينها حالات قاسية أصابت الرئات من دون رقم رسمي أو إحصاء طبّي واضح، يُمكن التأكيد أنّ كلّ هذه المستجدات أثارت قلق بعض العائلات لا سيما بعد عودة الكثير من التلاميذ إلى المدارس الرسمية من جديد منذ فترة وجيزة اثر انقطاع طويل عنها.

لا يُخفي رئيس قسم الصحة في اتحاد بلديات الضنّية الدكتور محمّد سلمى انتشار الجدري شمالاً، لكنّه لا يزال محصوراً في أماكن النزوح السوري أيّ المخيّمات السورية التي تُعاني من واقع مزري صحياً واجتماعياً، موضحاً لـ”لبنان الكبير” أنّ هذا المرض قد ينتقل بسبب دخول لبنانيين إلى المخيمات وخروج السوريين منها، أيّ أنّه قابل للانتقال بفعل الاختلاط الذي يزيد من خطورة انتشاره، أمّا على نطاق المنية – الضنية فهو غير منتشر حالياً.

وعن اللقاح، يُشدّد سلمى على أنّه لا يمنع الاصابة، بل يُخفّف من العوارض المعروفة، لافتاً إلى أنّ الوقاية هي خير علاج في هذه المرحلة، وتبدأ بالحجر خصوصاً للأطفال وتلاميذ المدارس، وتصل إلى أهمّية الاعتناء بالنظافة الشخصية في المنازل من جهة، والمدارس من جهة ثانية، لأنّ المدرسة لها دور كبير في اتخاذ التدابير الوقائية، ولها دور أكبر في انتشار المرض لا سيما في حال كانت مشتركة بين لاجئين ومواطنين (يُسهم في انتشار العدوى لا سيما بسبب القاطنين أو القريبين من المخيّمات). ويعتبر أنّ ضبط النظافة في المخيمات صعب للغاية، لا سيما مع غياب دور بعض الجمعيات المسؤولة.

وإذْ يتوّقع سلمى أنْ تمرّ هذه الموجة الصحية على خير وسلام “لأنّ نسبة انتشارها ستكون محدودة كما كانت سابقاً، وضبطها سيكون أسهل”، يشير إلى ضرورة التمسّك بالوعي وعدم الاستهانة بالعوارض بل الإبلاغ عنها، محذراً بصورة كبيرة من تفشي عدوى الكوليرا الذي يُنذر بواقع صحيّ أسوأ في حال انتشاره من جديد مع فصل الصيف المقبل.

ويقول: “إنّ الله نجانا من الكوليرا في الموسم السابق لأنّه جاء في أواخر الصيف وبداية الخريف، لكن لم يُبحث عن حلّ جذري يمنع ظهور وانتشار هذه العدوى التي لم تختفِ بصورة كاملة بل قد تعود الى الظهور من جديد مع بقاء المسبّبات وتدهورها، فإذا كان الجدري فيروساً انتقالياً مصدره الإنسان وينتقل الى الآخر، فالكوليرا مصدرها مياه أو غذاء ملوّث وينتقل بطريقة سريعة”، مضيفاً: “يُمكن القول إنّ الكوليرا والتهاب الكبد الفيروسي يُعدّان من أبرز الأمراض التي تظهر في لبنان وكانتا قد شكّلتا خطراً وبائياً لا سيما في العامين السابقين”.

ويصف سلمى الواقع الصحي والطبّي شمالاً لا سيما في الضنية بأنّه “مؤسف”، مؤكداً أن “كلّ البلدان تُحرز تقدّماً كبيراً على الصعيد الطبّي، لكن واقع لبنان الصحيّ لا يستقرّ ولا يتحسّن بل يتراجع، وإذا تحدّثنا عن مراكزنا الطبية في المنية – الضنية فهي في تراجع مستمرّ، اذ أننا في هذا القضاء نتحدّث عن مستشفيين فقط: مستشفى سير الحكومي الذي نصف وضعه بالمزري، أمّا مستشفى المنية فيبقى غير كاف، بينما المراكز الطبّية أو المستوصفات كانت تسعى دائماً إلى الحصول على دعم من وزارة الصحة أو الجمعيات المعنية لكن تبقى إمكاناتها متراجعة ومحدودة”.

وانتقالاً إلى طرابلس، يُؤكّد مدير المستشفى الحكومي في المدينة الدكتور ناصر عدرة أنّ المستشفى كان ولا يزال “على أتمّ جهوزيته لاستقبال المرضى سواء أكانوا أصيبوا بالكوليرا أو الجدري وأيّ وباء آخر، فالمستشفى كان سجّل استقبالاً واضحاً لعدد لا يُستهان به من المرضى حين انتشر الكوليرا، وواكب طاقمه الطبّي الاجراءات اللازمة كما فعل عند انتشار كورونا سابقاً”.

ويُذكّر المدير الطبّي في المستشفى الدكتور حلمي شمروخ بـ 4 أو 5 حالات كانت مصابة بالجدري ودخلت إلى المستشفى منذ 10 أو 12 يوماً، موضحاً أنّ مصابين بهذا المرض تتمّ معالجتهم في المستشفى بين فترة زمنية وأخرى. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ عدد المصابين ليس كبيراً ولا داعي للهلع، وبالتالي الجدري إذا لم يأتِ معقّداً عند المصاب، فقد يكون علاجه منزلياً أو في أحد المستوصفات، أيّ أنّ الحالات قد لا تتوجّه إلى المستشفى أساساً”.

وفي ما يخصّ انتشار الكوليرا، يلفت شمروخ إلى أنّ الاستعمال الكثيف للمياه صيفاً هو ما قد يُسهم في انتشار العدوى في الأمعاء سريعاً، “ويبقى الكوليرا أخطر من الجدري بكثير…”.

شارك المقال