“ذا غارديان”: الآلام المزمنة ليست وهما وكورونا يزيد الطين بلة

حسناء بو حرفوش

نشر موقع صحيفة “ذا غارديان” (theguardian) البريطانية، مقالًا حول ما يعرف بـ”كورونا طويل الأمد” ضمن سلسلة من التحقيقات حول الآلام المزمنة بعنوان “الألم الذي لا يمكن رؤيته”، حيث تزداد شكوى المرضى من الألم بدون أن تؤكدها حصراً “الأعراض التي يمكن رؤيتها”. كما حذر المنظومة الطبية من ضرورة الاستعداد لـ “تسونامي من الآلام المزمنة التي يشكو منها المريض بعد تعرضه لفيروس كورونا”.

وإذ نوّه المقال بأن “الألم قد يشكل مرضاً بحد ذاته”، أشار إلى أن “وباء كورونا يهدد بمضاعفة حدة الوضع (…) ومن ضمن الآلام التي يعبر عنها بعض المرضى في المقال المفصّل الذي يجمع شهادات عدة لمرضى ولاختصاصيين، الألم العضلي الهيكلي والصداع وآلام الرقبة وأسفل الظهر أو الورك أو الفك (…) ويوقن الخبراء بشكل متزايد أن الألم المزمن قد يحدث حتى بغياب أي إصابة جسدية واضحة، أو قد يشعر به المريض في منطقة بعيدة عن مكان تعرض مثلاً لتلف الأنسجة (…) بالإضافة إلى ذلك، ربطت الآلام المزمنة بالاكتئاب، علماً بأن كورونا من شأنه أن يزيد الطين بلة. وبطبيعة الحال، قد يكون التعايش مع الألم المزمن أمراً محبطاً، لكن الاكتئاب قد يؤدي إلى تضخيم الألم بحد ذاته.

في هذا السياق، يقول البروفيسور لارس أرندت نيلسن، مدير أكبر مركز للأبحاث حول الألم في العالم أن “آلام العضلات والعظام هي مشكلة يجب أن نبدأ بربطها بأعراض كورونا طويلة المدى. وحتى الآن، لا نعرف إلى متى تستمر أعراض ما بعد كورونا. ونظرًا لأن الألم المزمن يؤثر بالفعل على مستوى عالمي ويسجل لدى واحد من كل خمسة بالغين تقريباً، نأمل ألا يضاف كعبء جديد إلى الأعباء التي يواجهها العالم”.

صداع يومي مستمر

وفي دراسة منفصلة، خلص أطباء الأعصاب في مستشفى جامعة فال ديبرون في برشلونة إلى أن نحو خمسي مرضى كورونا الذين خضعوا للتقييم في قسم الحوادث والطوارئ لا يزالون يعانون من “صداع يومي مستمر” بعد ستة أسابيع على شفائهم. كما قد يتسبب مرض كورونا بألم مزمن بسبب الالتهاب المستمر الناجم عن استجابة الجهاز المناعي للفيروس إلى تحفيز مستقبلات الألم في الأنسجة المختلفة. في هذا الإطار، تشرح د. فرانزيسكا دينك، الباحثة المتخصصة في الألم في كلية “كينجز كوليدج” بلندن أن “الخلايا المناعية تتنج أشياء لا تحبها الأعصاب، وبالتالي قد تصبح الأعصاب حساسة”.

ولسوء الحظ، لا تتمتع أنظمتنا الصحية بالجهوزية للتعامل مع الألم المزمن، وخصوصاً المرضى الذين يعانون من حالات الألم المزمنة المتداخلة والذين يضطرون لتناول العديد من الأدوية (…) ولا يتوفر أي اختبار على نطاق واسع يمكن للأطباء استخدامه لتحديد ما إذا كان ألم شخص ما ناتجاً عن حساسية مركزية أم لا. تضاف إلى ذلك مشكلة الإفراط في وصف أدوية المسكنات الأفيونية. وعلى الرغم من أن هذه الأخيرة أثبتت فعاليتها بتهدئة الآلام الشديدة قصيرة المدى أو آلام السرطان، إلا أنها تسبب إدماناً شديداً دون أن ننسى مخاطر الجرعات الزائدة العرضية. وفي حالات أخرى، يمكن لهذه الأدوية أن تزيد الألم المزمن. وذلك لأن المواد الأفيونية توفر الراحة عن طريق منع مستقبلات الألم ولكن الجسم يستجيب عادة عن طريق زيادة عدد مستقبلات الألم، ما يعني أن المريض سيحتاج إلى جرعات أكبر للحصول على درجة الراحة نفسها. وفي حالات الألم المزمن مثل الألم العضلي الليفي، ينتج الجسم بالفعل مواد مسكنة طبيعية تسمى الإندورفين وبالتالي، يشبه “إعطاؤه مادة أفيونية رمي الزيت على النار”.

تغير للمواقف تجاه الألم

الخبر السار هو تغيّر المواقف تجاه الألم المزمن والاعتراف به، حتى ولو استغرق المجتمع الطبي الأوسع بعض الوقت ليلتحق بالركب. في تموز 2020، حدّثت الجمعية الدولية لواحات العلوم ومجالات الاختبار (IASP) تعريفها للألم ليشمل الألم الذي يحدث في بعض الحالات دون وجود إصابة واضحة. وبحسب تعريف الجمعية، “الألم هو تجربة حسية وعاطفية غير مرضية ومرتبطة أو تشبه تلك المرتبطة بتلف الأنسجة الفعلي أو المحتمل”.

وبالإضافة إلى التعريف المنقح، دعت الجمعية إلى “احترام تجربة الألم التي يشعر بها الشخص بغض النظر عن اعتقادك أنه لا يحقّ له التذمر لأن الألم لا يظهر جلياً على وجهه أو لأن إصابته لا تتعدى الجرح في القدم (…) لا بدّ من احترام تقرير المرضى عن الألم، وتأمين العلاج لهم”. ومن ناحية أخرى، شدد المقال على دعوة المرضى إلى “الثقة بالنفس، بغض النظر عن رأي الطبيب، وبالاستمرار بالضغط حتى يصدّق الطبيب وجود الألم الفعلي ولو لم يتمكن من تحديد المصدر” ويختم المقال: “لطالما قيل لمن يعانون من الألم المزمن أن الأمر مجرد وهم في رؤوسهم. لكننا بتنا نعلم الآن أن ذلك ليس صحيحاً”.

المصدر: theguardian

شارك المقال