رحلة صيّادي السمك في البحث عن لقمة العيش

تالا الحريري

“نحن عايشين برحمة الله، كل واحد همّه على قدو”، هكذا عبّر أحد صيادي السمك، عند سؤاله عن كيفية تعايشه مع الأزمة الاقتصادية الخانقة. ففي ظل الأزمات المتعاقبة، أصبحت هذه المهنة مصدر غذاء مهم في عيش اللبنانيين.
من يصطاد في بحر لبنان اليوم، محترفين وهواةً، ينتشرون على طول الشواطئ ينتظرون رزقة البحر بواسطة الصنارة أو مراكب الصيد التي تأتيهم فجراً بشباك فيه أنواع مختلفة. تجربة الصيد بالنسبة للهواة ممتعة، فهم يقفزون ويغوصون ويجولون بقوارب صغيرة مع صنارتهم، فالبحر بيت ثانٍ والهواية صارت حرفة، حتى إن البحر أنساهم همومهم وأراحهم من ضغوط الحياة اليومية.
يبدأ الصيادون رحلة الصيد ليلاً ويأتون بالغنيمة فجراً ويتواصل عملهم خلال النهار، فهم يرمون شباكهم في المياه ويتركونها كي تجمع لهم ما تيسّر من خيرات البحر.

صيّادو السمك في بيروت

محمد عيتاني الملقب بــ”أبو مصطفى” 52 سنة، صيّادٌ متمرّس من صيّادي “المينا” في بيروت، نشأ في البحر منذ الصغر.
عبّر أبو مصطفى لــ”لبنان الكبير” عن شعوره بالارتياح أثناء تواجده على البحر في شختورته، وقال: “بالإضافة إلى أنّها هواية ممتعة، إلاّ أنّها مصدر رزق أيضاً”.

وذكر أبو مصطفى أن “أعمال البحر منظمة ولكل شخص وظيفته، فأشغال البحر مثلها مثل أشغال البر، فكما يوجد الحداد والميكانيكي على الأرض، هناك من يعد الأقفاص والشبك في البحر وهناك من يغطس”.

وبالحديث عن الأزمات، أوضح أبو مصطفى أن “انفجار مرفأ بيروت لم يؤثر أبداً على المينا أو على عملية الصيد، ولكن عدم الرقابة في البحر تؤثر على الصيادين، فالبعض يستخدم الجواريف أو الشباك الضيقة التي تسحب السمك الصغير الذي لا يجب اصطياده أساساً”.

وشرح لنا: “هناك صعوبات تواجه الصيادين حالياً بسبب الأزمة الاقتصادية والارتفاع الحاد لسعر صرف الدولار، فسعر الشبكة الصغيرة الواحدة كان 150 ألف ليرة لبنانية أمّا الآن فأصبح مليون و600 ألف ليرة لبنانية، ونذكر أن الصيادين يقومون بشراء الشباك الصغيرة وتوصيلها ببعضها البعض للحصول على شبكة كبيرة تحمل أطناناً من السمك”.

تسعير السمك

أمّا بالنسبة لأسعار السمك، فقد كان يباع بـ10$ أي 15 ألف ليرة الآن يباع بنفس السعر ولكن على تسعيرة السوق السوداء للدولار. مثال على ذلك سمك “السرغوس” الذي كان سعره 15 ألف ليرة لبنانية أصبح الآن يباع بـ50 ألف ليرة.

ولا تقتصر أسعار السمك على سعر صرف الدولار فقط، بل على حسب حجم السمكة وعلى حسب كمية السمك التي يستخرجها الصيادون يومياً وحسب الفصول.

ذكر أبو مصطفى أن “السمك ليس لديه تسعيرة معينة مثل اللحم وغيره، فصيد السمك مثل هجرة الطيور وهناك مواسم لا يوجد فيها سمك كشهر كانون الأول والثاني. فالصيد الصحيح إجمالاً في الربيع والخريف، أمّا في الصيف والشتاء فتخف أعداد السمك”.

مهنة لغير الصيادين

وبالنسبة لتوافد الناس بأعداد كبيرة على صخور الروشة، أفادنا أبو مصطفى أن عدد البحارة في البحر زاد وقال: “الذي كان يأخذ الصيد هواية وتسلية أصبح الآن يعتمدها كمصلحة لتأمين قوت يومه، فهناك مصالح كثيرة على اليابسة لم تعد تؤمّن رغيف خبز”.
هذه الظاهرة الجديدة تؤثّر على الصيادين، لكن ليس بشكل كبير لأنّ البحر واسع والخبرة تختلف والرزق على الله.

… ونزهة بحرية للعائلات

وأثناء تجوالنا التقينا إحدى العائلات المتواجدة على صخور الروشة، حيث كان الأب يحمل صنّارةً وينتظر أن يحصل على سمكتين أو ثلاث، لتكون غداء له ولعائلته. وعند سؤالنا له قال: “أنزل أنا وعائلتي مرتين في الأسبوع في حوالي الساعة الثامنة ونأخذ معنا الترويقة والفاكهة لنقضي يومنا على البحر ونستمتع بحرارة الشمس وليلعب الأولاد، ومنه أستغل الفرصة لأصطاد سمكتين أو ثلاثاً”.

بالفعل بدا إنّه لا يملك الخبرة الكافية لتسيير أمور الصيد، هو فقط يملك صنّارة قديمة ساعدته على أن يستفيد في صيد بعض الأسماك مجاناً بدلاً من شرائها.

وزاد على حديثه: “في لبنان يجب أن نستغل كل زاوية وأن نخلق منها مصدراً للمعيشة، فإذا بقي اعتمادنا على الدولة اللبنانية، قريباً ستفتك بنا المجاعة أو سنغرق في هذا البحر أثناء هروبنا.

… إلى صيدا

تشتهر صيدا بصيّاديها وصيدها المثمر، وبانتقالنا إليها من بيروت، كانت وجهات نظر الصيادين متشابهة، قابلنا الصيّاد باسل نبيه بوجي البالغ من العمر 40 سنة الذي حدّثنا عن دخوله المهنة منذ ما يقارب 30 سنة، وعن مصلحة الصيد ذات الفروع العديدة، فهناك ما يسمى بالشرك، الغطس، الملطش، الغمق، القطاشة، الشباك العالي، شباك السردين وغيره. كلّها تعمل على مدار السنة، لكن لكل منها موسماً معيّناً.

وبرأيه أن “السردين في صيدا هو الأنظف والأكثر شهرة، فسعر الكيلو أصبح بــ 40 ألف ليرة. ويعود غلاء السردين أو أي نوع آخر من الأسماك بشكل عام إلى قلّته، فإذا توفّر بكميات كبيرة رَخِص. الآن يُحصّل الصيادون حوالي 20 أو 30 فرشاً (مصطلح بحري)، بينما كانوا يحصلون 200 و300 فرش في السابق”.

أمّا عن المشكلات، فيوضح أن “الثروة السمكية قلّت بشكل غير طبيعي خاصة في محيط صيدا، وما يُقصد بمحيط صيدا أي امتداداً من الرميلة إلى الزهراني. وإذا قمنا بقياس سعر الادوات على سعر السمك، فإنّ أسعار السمك حينئذٍ ستُباع بسعر اغلى بكثير. فكيلو اللُقّز يباع بين 150-200 ألف ليرة، وإذا احتسبناه تجارياً يجب أن يُباع بـ 400 ألف، حتى يتمكن الصيادون من تحصيل ما دفعوه”.

وقال باسل: إاذا عم طلّع بالنهار 500 ألف فأنا عم اتوهّم انه مبلغ كبير، ولكن بعد الصرف ودفع سعر العدة، أدرك أنّني خسران، الموسم الماضي اشتغلت بــ15 مليون وبس خربت الشختورة دفعت ما يقارب 45 مليون سعر عدّة للشختورة.”

البيع في سوق السمك

أمّا عن سوق السمك، فقد أفاد باسل أن “هناك أربع بسطات في سوق السمك لاستقبال الزبائن، وزبائن الدرجة الأولى هم البحرية. كل سمكة تتسعر حسب نوعيتها وحسب كميتها، ويوجد بسطات تسمى بالهناغرا أي الزبائن الذين يشترون من السوق ويضعونها على بسطاتهم”.

وعندما توجّهنا إلى سوق السمك، لاحظنا تفاوت الأسعار. هناك من يشتري الكيلو بـ 30 ألفاً ويبيعه بـ 50، أو حتّى ب 90 ألف ليرة، ويغير اسم السمك من باب الغش وطبعاً هذه العملية تتم سراً. فهناك من يبيع سمك النايلون على أنّه سلطان ابراهيم بحوالي 90 ألف ليرة، ولكن غذا نظرنا إلى سعر السلطان ابراهيم الحقيقي فإنّه يُباع بـ 250 ألف ليرة.

شارك المقال