“ذا ويك”: كيف يشعل الشعور بالوحدة شرارة الشمولية السياسية؟

حسناء بو حرفوش

لا يخفى على أحد أن جائحة كورونا وضرورة الحفاظ على التباعد الاجتماعي ساهمتا بتوسيع رقعة الشعور بالوحدة، بالإضافة إلى ما ينتج عنها من تأثيرات على الصحة العقلية والسلوك. الجديد هو ناقوس الخطر الذي تدقه الدراسات خصوصاً لجهة ارتباط هذا الشعور بالسياسات المتطرفة. تلك هي النقطة المحورية لمقال نشر على موقع موقع “ذا ويك” (theweek) الأميركي.

وبحسب المقال، “يثير ارتفاع نسب الأفراد الذين يعبرون عن الوحدة يوماً بعد يوم الكثير من القلق خصوصاً مع تأكيد دراسة لمركز الاستقصاء حول الحياة الأميركية أن عدد الرجال والنساء الذين يزعمون المعاناة من الافتقار لأي أصدقاء مقربين قد تضاعف بمقدار خمسة أضعاف خلال الثلاثين عاماً الماضية، أي حتى ما قبل جائحة كورونا. وتلخص هذه النتائج ارتفاعاً هائلاً في نسب الشعور بالانعزال والوحدة لدى الرجال والنساء على حد سواء”.

وعلى الرغم من أن الدراسة ركزت على الحالة الأميركية، إلا أن نتائجها تتقاطع إلى حد كبير مع ما نشهده حول العالم. وتحذر الدراسة من أن “هذا الواقع ينذر بالسوء الكبير بالنسبة للأفراد المنعزلين والوحيدين أنفسهم، لأن نسج الروابط مع الآخرين يرتبط بشكل وثيق بعلامات مختلفة للصحة الجسدية والعقلية. ويهدد غياب هذه الروابط بغرق الأفراد في شعور من التعاسة والمرض أو حتى الانغماس في حالة من الاكتئاب.

وحدة سياسية؟

ولا يقتصر المؤشر السيئ على الأفراد بل يتعداهم ليشمل البلد والمجتمع والثقافة والاقتصاد، حيث قد ترمز هذه الوحدة المتزايدة، لتطور البشر باتجاه يعزلهم أكثر فأكثر عن بعضهم البعض. ولا بد أن يغذي ذلك استياء عميقاً وواسع النطاق بشكل متزايد من أسلوب حياتنا. وهذا ما يقودنا إلى أكثر العوامل التي تنذر بالسوء في ما يتعلق بارتفاع معدلات غياب الروابط والصداقة، ويقدم تفسيرًا اجتماعيًّا قويًّا (وإن جزئياً على الأرجح) لسبب تحول سياساتنا باتجاه النظم الاستقطابية في العقود الأخيرة، وتزايد أعداد الأفراد الذين ينجذبون إلى المزيد والمزيد من الأشكال الراديكالية للمعارضة السياسية من الطيف اليميني واليساري. كذلك، يشير هذا التحول إلى ارتباط بين الأمراض الفردية والأمراض السياسية، فكلما زادت الوحدة والعزلة سوءاً، قد ينعكس ذلك على “أمراضنا السياسية”.

ولا ننسى أن البشر كائنات اجتماعية تسعى للتواصل مع الآخرين وتستمتع بشكل خاص بالمشاركة في المشاريع المشتركة وبالألفة العاطفية التي قد تنجم عن مثل هذه التجارب. وتترجم الطريقة القياسية للحصول على هذه الأنواع من التجارب الاجتماعية في العالم، من خلال الأسرة الممتدة والمجتمع المحلي والمنظمات الدينية والعمل والنقابات والنوادي والسياسة، الخ.

ويمكن ربط حقيقة تزايد نسب الوحدة وغياب الصداقات جزئيًا، بإهمال أدوار هذه المؤسسات الوسيطة في المجتمع المدني. فالعائلات باتت أصغر مما كانت عليه من قبل وبالأصل، انخفض عدد الأشخاص الذين يخوضون تجربة الزواج في المقام الأول. كما تعاني المجتمعات من الانهيار تحت وطأة الضغوط الاقتصادية ونتيجة للتحولات الاجتماعية. أضف إلى ذلك أن قلة من الناس يزورون دور العبادة. ومع تحول العمل إلى ممارسة المهام الوظيفية عن بعد، غالباً ما أصبح العمل ينطوي على تحليل الرموز (الأفكار والأرقام) في الغالب داخل رؤوسنا، بمساعدة التكنولوجيا (…) ويجعل كل ما ذكر التركيز على الصداقات أكثر صعوبة، على الأقل في العالم الحقيقي.

الانترنت ووهم الصداقة

أما في العالم الافتراضي، صحيح أن ظهور الإنترنت وخصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، عبّد الطريق أمام إمكانيات أخرى للتفاعل الاجتماعي، إن لم يكن الصداقات تحديداً، وسمح للأشخاص الذين يتشاركون نفس الاهتمامات والهوايات والمراوغات والهواجس، بالعثور بسهولة على بعضهم البعض والاستمتاع بالصداقة الرقمية. لكن هذه المجتمعات الافتراضية هي أشبه بمجموعات من الأصدقاء الذين تجمعهم عناوين معينة أكثر مما هي صداقات في العالم الحقيقي. وتتميز هذه الأخيرة بأشكال من التقارب الجسدي كالمصافحة والعناق وتبادل الوجبات والمشروبات وأي تعبير عن الحميمية بين الأشخاص (…) ومن شأن مؤسسة الصداقة هذه أن تتيح إمكانية مشاركة أعمق أو أوسع للذكريات والأفكار والآمال والمخاوف والهواجس.

لكن العلاقات عبر الإنترنت مختلفة تماماً. قد ينجح العالم الافتراضي بتأمين القليل من هذا التقارب والتخلص من الألم والوحدة بغياب أصدقاء. لكن بالنسبة لمعظم التفاعلات، تبقى محددة ضمن إطار موضوع معين وقد لا يتخطى التفاعل حاجز القراءة العقلية تماماً، أي أن الصداقة عبر الإنترنت تدور بالكامل في أذهان المشاركين، حيث يلعب الخيال دوراً أكبر بكثير مما هو الحال في العالم الحقيقي (…) ونظراً لغياب الحاجة لاختبار الأفكار مقابل الحدود الصارمة والقيود الموجودة في العالم المادي، لا مفر من أن تجمح الأفكار، وخصوصاً السياسية منها، في عقول المشاركين في محادثة أو في مناقشة عبر الإنترنت.

(…) وتوشك الأمة التي تزداد فيها المعاناة من الوحدة (…) على التحول إلى بيئة حاضنة للفصائل أو الجماعات أو الحركات السياسية الراديكالية التي تحددها وتستمد الجزء الأكبر من تماسكها من خلال كرهها للفصائل والجماعات الأخرى (…) وتترسخ الكراهية الجماعية في أذهان الكثيرين تماماً مثل لعبة تبادل النار السياسية في الواقع الافتراضي، لدرجة تهدد بانتشار التطرف داخل البلد نفسه، بوجود الكراهية والأشخاص المنخرطين في العداء الجماعي بالفعل في عالمنا.

(…) وبقدر ما قد يبدو من الغريب الجزم بأن غياب الصداقة قد يمهد الطريق لأخطر المآزق السياسية (…) إلا أن احتياجات البشر ومعاناتهم التي لا تطاق قد تصوّر لهم أكثر أشكال الارتباط السياسي إيذاء وتطرفاً، وكأنها نعمة من السماء”.

المصدر: The Week

شارك المقال