“الداية”… ضمان الرعاية الجيدة للحامل بتكلفة أقل

تالا الحريري

القابلة القانونية أو “الداية”، سمعنا عنها من أمهاتنا أو قريباتنا ممن أنجبن على يدها وقد يكون الكثيرون منا ولدوا بهذه الطريقة. ومن لم يعرف من هي “الداية”، تعرّف عليها في المسلسلات وخصوصاً منها السورية التي تتناول البيئة الشامية، فغالباً ما يُعطى “الداية” دور رئيس في كل عمل.

يعتقد البعض أنّ زمن “الداية” ولى لأنّ عملها كان مرتبطاً بزمان مضى، ولكن في الواقع القابلات ما زلن موجودات حتى يومنا هذا، وهناك من الفتيات من لا تزال تدرس هذه المهنة. قد يكون الاعتماد على “الداية” بصورة كبيرة كما في السابق تراجع بسبب تطور الطب وكثرة المستشفيات وغيره، لكن اليوم مع غلاء صعوبة الدخول إلى المستشفى والكلفة الخيالية للولادة تفضّل الكثيرات العودة إلى “الداية” أو كما تعرف الآن أكثر بالقابلة.

نرافق المرأة الحامل في كل الخطوات

القابلة القانونية تاتيانا دميان أوضحت لـ”لبنان الكبير” أنّ “النقابة والدولة نصّتا علينا لائحة أدوية ومعدات يحق لنا استخدامها اذا كنا نعمل لحسابنا خارج المستشفى، وأن نصفها ونعطيها للمرأة الحامل بعكس مهنة التمريض. تعمل القابلة في المستشفيات ويمكنها أيضاً أن تعمل في العيادات أو لحسابها الشخصي، أو في متابعة شؤون الأطفال، ولكن بالطبع يجب أن تكون حاصلة على حق مزاولة الخدمة ومسجلة في النقابة، إضافة إلى ذلك تكون محمية من كل الجهات”.

أمّا بالنسبة إلى اعتماد الناس على القابلة في هذا الزمن، فأكدت أنّ “هناك من لا يزال يعتمد على الداية في مناطق معينة في لبنان وأكثرها باتجاه الشمال والجنوب”. وقالت: “في وقتنا الحالي ممنوع على أي شخص أن يعمل في التوليد الطبيعي سواء في المنزل أو المستشفى إلا اذا كان حاصلاً على شهادة جامعية، لذلك يجب تغيير العقلية، فالداية سابقاً لم تكن متعلمة وكانت تكتسب الخبرة من التي قبلها وتقوم بالتوليد، وكان هناك الكثير من الأمور الخاطئة التي تحصل أثناء الولادة. ويجب أن ننشر مفهوم القابلة وأنّها ليست كالممرضة وهي شخص متعلم ومدرك لما يقوم به”.

وأشارت الى أنّ “الديانات تؤثر أيضاً، فهناك أشخاص لا يقبلون الذهاب إلى الطبيب ويفضلون طبيبة أو قابلة قانونية، ونحن يجب أن نكون موجودات لتلبية المرأة الحامل، التي بإمكاننا مساعدتها أكثر من الطبيب لأننا نواكبها منذ معرفتها بالحمل ونعلمها اجراءات ما قبل الولادة وما بعدها. فنحن نرافقها في كل الخطوات ونساعدها منذ اليوم الأول لولادة الطفل الى حين بلوغه 6 أشهر، كما نكون على اطلاع أكثر ودائم مع المرأة وجاهزات لاجابتها عن أي سؤال ونحضرها نفسياً قبل الولادة، فنعلمها كيفية التنفس أثناء الولادة وتمرينات لتسهيلها ونوضح أهمية الرضاعة الطبيعية لها ولطفلها خصوصاً أنّ الاعتماد عليها تراجع في لبنان وفي معظم الدول. خلال السنوات الأربع التي نتعلم فيها، نطبق النظريات ونقوم بالتدريبات إلى جانب المعلومات التي نجمعها من المواد التي نأخذها، كما نقضي وقتاً في مستشفيات ومستوصفات وعيادات خاصة نتعلم فيها كل ما يمكن أن تحتاجه المرأة أو طفلها”.

وعن فرق التكلفة بين القابلة والمستشفيات، لفتت الى أنّ “تكلفة القابلة أقل من المستشفى، حيث هناك الغرفة والسرير والأشخاص الذين يهتمون بالمرأة إلى جانب كلفة الطبيب. أمّا القابلة فتذهب إلى المنزل وتستخدم أدواتها والأدوية التي يحق لها إعطاؤها تأخذ ثمنها من المرأة وتكون أقل. الطبيب اليوم حلّ مكان القابلة القانونية بعكس بلاد أخرى، ففي فرنسا ممنوع أن يتدخل الطبيب إلا إذا كانت هناك مضاعفات أو ولادة قيصرية. كل سنة يقل عدد القابلات وهذا بات يؤثر على المهنة إضافة إلى الوضع الاقتصادي في لبنان، فهناك العديد منهن سافرن فيما أخريات لم يعدن متحمسات لدخول هذا الاختصاص”.

وعن تطور الفحص لدى القابلة، شرحت دميان أنّ “لدينا monitor (شاشة) يمكننا من معرفة ايقاع الطفل والتقلصات أو الانكماشات التي تحدث، ومعرفة مقدار وجع الطلق ومن أين يصل إذا كان من الظهر ويلتف إلى أسفل البطن، ومعرفة نبض الطفل، وهناك الفحص النسائي الطبيعي الذي نتبعه لمعرفة حالة الرحم اذا كان في حالة طلق أو ولادة. كل الأساليب تطورت لأنّها لم تعد مقتصرة على الخبرة وحسب، بل على العلم والخبرة التي نكتسبها مع التمرين”.

القابلة تتعاطف مع مرضاها أكثر

وقالت إحدى النساء التي أنجبت في البيت عبر الاستعانة بقابلة قانونية: “إنّ القابلة رافقتني طيلة فترة حملي وكانت تقوم بفحصي، وهو يشبه فحص الطبيب تماماً، لكن الفرق هو امتلاكها الـeco. في وقت الولادة أحضرت كل أدواتها الطبية وأعطتني مصلاً وقامت ببعض الخطوات التي يقومون بها في المستشفى مثل اعطاء حقن أو ما شابه. كما أنّ تكلفة القابلة أقل، وهي برأيي تتعاطف مع مرضاها أكثر”.

القابلات يقدمن رعاية شاملة

وكان وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أكد في كلمة بمناسبة اليوم العالمي للقابلة القانونية أن “القابلة تعتبر مهنة مهمة تمت ممارستها لقرون، بحيث توفر الدعم الحيوي للمرأة وعائلتها أثناء الحمل والولادة وفترة ما بعد الولادة. القابلات لسن خبراء في مجال صحة الأم والطفل فحسب، بل يقدمن أيضاً رعاية شاملة، بما في ذلك الدعم العاطفي والنفسي للنساء وأسرهن”.

وشدد على أن “أحد المجالات التي للقابلات تأثير كبير فيه هو رعاية ما قبل الولادة في مراكز الرعاية الصحية الأولية. تلعب القابلات دوراً حاسماً في ضمان حصول النساء على رعاية جيدة أثناء الحمل، بما في ذلك الفحوص المنتظمة، والاستشارات الغذائية، والتثقيف حول أهمية الرضاعة الطبيعية. ولا شك في أن هذا سوف يؤدي إلى تحسين مؤشرات صحة الأم والطفل، بما في ذلك انخفاض معدلات وفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة”.

شارك المقال