من حُلم إلى كابوس

مارون مارون

بدون مُقدّمات، ولا مُطوَّلات، لبنان الذي نعرفه بات يمضي أيامه إما تحت الرُكام حيناً أو على الأطلال أحياناً، بمعنى آخر، لبنان يُحتضر، الشعب اللبناني ينازع لا بل يموت على أبواب المستشفيات الخالية من المستلزمات الطبية ومن الدواء والبنج، والمهجورة من الأطباء والممرضين الذين رحلوا خلف البحار إلى بلاد الله الواسعة، فيما المريض مُلزم بدفع ما يفوق قدرته قبل بدء المعالجة أو قبل التمدّد في المشرحة…

هذا عدا المعاناة اليومية الممزوجة بالذلّ أمام محطّات الوقود وتحت الشمس الحارقة للحصول على كمية محدودة من مادة البنزين التي تُعتبر مادة استراتيجية في علم الاقتصاد، كما المياه والطاقة، وكلّها غير متوفّرة على أرض جهنم التي نحيا فيها…

أما عن المصارف، فحدّث ولا حَرَج، فقد ابتلعوا الجَمَلَ بما حَمَلَ، سَطوا على ودائع الناس وجنى العمر، وخانوا الأمانة التي يُفترض صونها برمش العين ودمعها، وها هم يدفعون للمودع مقابل كل دولار غَنِموه منه ما يساوي ٢٠ سنتاً تقريباً وبالليرة اللبنانية…

كذلك هي حال الصيدليات، فارغة من الأدوية، ومقفلة في معظم الأحيان، إما بسبب التهريب أو بسبب عدم تسليم الشركات للأدوية المفقودة بذريعة عدم فتح اعتمادات، والنتيجة واحدة، وهي أنه لا دواء ولا شفاء، بل موت مجاني.

وطبعاً لن ننسى المواد الغذائية التي تُحلّق بأسعارها وقد فُقِدَ الكثير منها، وهي مُهدّدة أيضاً بالتلف نتيجة عدم توفّر المازوت لأصحاب المخازن لتشغيل مولداتهم.

طبعاً، حال الفوضى تتمدد لتطال الحدود التي لم يتم الاكتفاء باستباحتها، إنما تم إلغاؤها لتكون مشرّعة وبدون حسيب ولا رقيب. هذا النموذج من الفوضى يعمّ كافة إدارات ومؤسسات الدولة، التي تفتقر إلى القرطاسية والكهرباء والتبريد والطوابع وغيرها من ضروريات العمل اليومي، وكأنها تحوّلت إلى سوق خردة ونخاسة، وأفضل مثال هو الفوضى العارمة التي عمّت مطار بيروت يوم الثلاثاء الفائت.

حال التحلّل هذه التي تسيطر على كل القطاعات وتُهدد بسقوط الهيكل فوق رؤوس الجميع، يُقابلها حال من اللامبالاة والغياب التام على مستوى أركان الحكم، فيما الدويلة تستغل هذا السقوط المدوّي لهذه السلطة المتواطئة لتحقيق مكتسبات على حساب الشعب المنكوب والمنهوب…

أما لسان حال المواطنين هو أين حكومة تصريف الأعمال ورئيسها؟ أين العهد القوي؟ أين رئيس الجمهورية؟

باختصار، لبنان الذي نعرفه لم يعد موجوداً، لا بنظامه الاقتصادي ولا بنظامه السياسي، بل بات أشبه بمحافظة سورية تحكمها مليشيات إيرانية…

رحم الله لبنان الذي عرفناه، لبنان الرقيّ، لبنان الحضارة، لبنان الثقافة، لبنان البحبوحة ولبنان الازدهار.

نعم، رَحِمَ الله لبنان وشعبه ونظامه واقتصاده، والأهم رَحِمَ الله “العهد القوي” الذي حَمَلَ القلم بيمناه، ليكتب التغيير المنشود فكتب الذل بلا حدود، وتدحرج بسرعة الضوء من مُنقذ وحُلم وأسطورة إلى جلّاد وكابوس ذاع صِيطهُ في كل أرجاء المعمورة… والسلام.

شارك المقال