“البصيرة” يعيد الأمل للمكفوفين في البقاع

راما الجراح

تشكل الإعاقة تحدياً كبيراً للمصابين، فهي تضع صاحبها في اختبار صعب في معركته لتجاوز النقص الذي تسببت به ويحاول العمل لئلا تكون عائقاً أمام تحقيق طموحه وأحلامه.

وتعمل المؤسسات التي تعنى بذوي الحاجات الخاصة وبمَن يعانون من إعاقة معينة من أجل تحفيزهم على مواجهة مشكلتهم ومحاولة إيجاد طرق للتخفيف من حدتها سواء بالأدوية أو باستخدام أجهزة مختلفة، مركز البصيرة في البقاع هو واحد من المؤسسات التي تنشط في هذا الإطار، فهي تهتم بمساعدة حالات الإعاقة البصرية لإخراج مصابيها من نفق الظلام الذين كانوا يعتقدون أنهم سينامون فيه دون أمل بإنقاذ حياتهم من أن يكونوا مجرد عالة في العائلة أو المجتمع الذي يعيشون فيه.

مركز البصيرة

تقول مديرة مركز البصيرة لتأهيل المكفوفين في البقاع دنيا الصبّاحي لـــ”لبنان الكبير”: “أسسنا مركز البصيرة منذ عام ٢٠١٤ بدعم من الدكتور بسام الراس، وكانت الإنطلاقة من منطقة كفردينس في البقاع الغربي، وأهداف المركز الأساسية تتلخص في أربع نقاط، العمل على الكفيف نفسه ليصبح متصالحاً مع نفسه وليكون منتجاً وفاعلاً في المجتمع، العمل مع الأهل لتوعيتهم بضرورة التدخل المبكر لأطفالهم في حال كانوا مكفوفين للعمل على مساعدتهم ليكون لديهم بيئة حاضنة، والعمل مع المؤسسات العامة أو الخاصة كالمدارس والجامعات والجمعيات لتغطية احتياجات الكفيف من كل النواحي ( دراسة- سوق العمل..)، وهذا الهدف عبارة عن مثلث توعية بين الكفيف والأهل والمجتمع، والهدف الثاني هو أننا نستقبل المكفوفين على اختلاف جنسياتهم وأعمارهم ونعمل معهم بحسب خطة فردية بحسب احتياجاتهم، كما أننا نسعى إلى توسيع نشاطاتنا ليكون لنا دور بتوعية مؤسسات المجتمع على هذه الفئة المهمشة بمكان معين، فالكفيف يحق له الانخراط في المجتمع والعمل بمكان غير مخصص للمكفوفين فقط، والهدف الرابع والأخير هو استثمار طاقات المكفوفين وإيجاد فرص عمل مناسبه لهم، واليوم لدينا بمركزنا ستَّة مكفوفين يعملون بمركزنا كموظفين من دون أي عوائق تمنعهم من أداء وظيفتهم بالشكل الطبيعي وهذه هي ثمار سعينا لتدريب المكفوفين للانخراط بسوق العمل بمركزنا أو مراكز ومؤسسات أخرى على صعيد لبنان”.

تحويل المرئي إلى مسموع

أما عن عدد الطلاب، فتشير إلى أن “فئة التعليم أي ما دون ١٨ سنة عددهم ٢١ شخصاً نتبع معهم المنهج اللبناني المعدل، أي أن هناك معلومات نوصلها لهم عن طريق التلقين، وأخرى عن طريق الكومبيوتر، بالإضافة إلى الطريقة الخاصة بالمكفوفين “بريل”، فمهمتنا الأساسية تحويل كل شيء مرئي إلى مسموع. وبالإضافة إلى المناهج التعليمية، هناك برامج ناطقة بواسطة الكومبيوتر، من ناحية أخرى نستخدم بشكل أكبر مع الأشخاص الكبار والذين يبلغ عددهم ٢٥ شخصاً طريقة التوجه والحركة بمعنى كيفية استخدام العصا، لكي يتمكنوا من اكتشاف البيئة الداخلية والخارجية لسهولة التنقل بأمان وبطريقة منظمة لحماية أنفسهم فأولوياتنا تحويل المكفوف من شخص يعتبر نفسه غير مهم في المجتمع إلى شخص له دوره ووجوده بين الناس”.

فروقات بين المكفوفين

وتضيف: “هناك فرق بين الشخص الذي يملك خلفية عن الأشياء أي أنه كان مُبصرا ومن ثم فَقَد بصره نتيجة إصابة معينة، فيكون إدراكه والتعامل معه أسهل بكثير من الشخص الذي يكون كفيفاً منذ الولادة، وهناك ضعاف البصر أي الذين لا يبصرون إلا من خلال ضو معين ونسبة تكبير الأحرف، يكون التعامل معهم وإداركهم أقوى من غيرهم، ونحن نتعامل مع هذه الفئات الثلاث في المركز ومنظمة الصحة العالمية تعتبر أن كل شخص لا يُبصر عن بُعد ثلاثة أمتار بحجم معين يُصنف كفيفاً أو من ذوي الإعاقة البصرية”.

عباس ومهارة الخطابة

هناك فئة كبيرة من المكفوفين يتمتعون بمهارات عالية في العديد من المجالات منهم من هو موجود في مركز البصيرة، فعباس الذي تعلم بجدارة العمل على الكومبيوتر واللغة الإنكليزية والمتميز بفن الخطابة والإلقاء يقول: “مركز بصيرة هو بيتي الثاني، وعندما بدأت بمرحلة فقدان بصري فقدت الأمل بحياة كريمة، وأصبحت أخاف من نظرة المجتمع لي، وكُنت أختبئ في غرفة لوحدي عندما يأتي أحد لزيارتنا، فأنا أب لثلاثة أولاد، وكان المركز أسرتي وملجأي ورأيت فيه ما كنت أحسبه خارجاً عن المألوف بالنسبة لي ولكل مكفوف، حيث تبين أنه بإستطاعتنا العمل على الكومبيوتر والانخراط بسوق العمل، اكتشفت أن لدي مهارة كبيرة في الإلقاء والخطابة حتى إنني وصلت إلى مرحلة أستطيع إلقاء محاضرة لوحدي”.

بثينة مبدعة الصناعات اليدوية

أما بثينة الفتاة الموهبة صاحبة اللمسة الذكية في الصناعات اليدوية الخاصة بــ”القش” فتشير إلى أنها “تعلمت في البداية الأساس ومن ثم كيفية حبكة الزنار والجدل وبعدها أصبحت أقوم بالعمل لوحدي بحسب شكل الفخار، وقد قمت بإعداد مشروع التخرج لأخي من الجامعة اللبنانية الدولية، بالإضافة إلى أنني قمت بتصميم كراسي من “القش” للعديد من الزبائن ولكن الأوضاع الاقتصادية وعدم استقرار سعر صرف الدولار أجبرتني على التوقف عن العمل”، وتتساءل بثينة “هل أي مؤسسة عامة تتقبلني بوظيفة عمل معينة وأنا كفيفة؟ بالطبع لا، ولهذا السبب أضطر للعمل من بيتي أو مركز خاص بالمكفوفين فقط، وطبعاً هذه المعادلة خاطئة ونحن مجبرون على المُضي فيها فنحن نتقبلهم في مراكزنا بينما هم يرفضوننا”.

عُدي المحترف بالإخراج

ويقول عُدي إنه “عندما أصبحت أملك هاتفاً محمولاً تعلقت بالتكنولوجيا، وكل يوم أصبحت أتعلم معلومة جديدة عن برنامج متطور حتى أصبحت أُتقن كيفية إخراج فيديو كامل بالصوت والصورة وأتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بكل سهولة وراحة وأملك قناة على يوتيوب باسمي. ولفت إلى أن” حياة المكفوف ليست صعبة كما يعتقد الأغلبية، فنحن في المركز تعلمنا كيف نعيش حياتنا بشكل طبيعي”.

بينما الأطفال أنس وأحمد وسيدرا فكل له طموحه الخاص، الأول يحلم بأن يصبح ضابطاً والآخر لديه مهارات عالية في الكومبيوتر يستطيع من خلالها أن يصبح مُدرس وسيدرا التي تمتلك صوتاً جميلاً ستصبح مؤلفة وفنانة في المستقبل”.

مَن يقرأ الطموحات ويرى الأمل الموجود داخل نفوس هؤلاء الشباب، من المستحيل أن يُدرك أن من يتكلم شخص مكفوف يسمع عن الهاتف ولا يعلم ما هو، يقوم باستخدام الكومبيوتر ولم يره من قبل، أليس من حق هؤلاء أن يتمتعوا بحياة كريمة وينخرطوا في سوق العمل والمؤسسات العامة بعد أن يخضعوا للتدريب اللازم؟

شارك المقال