“الفيزا”.. طاقة أمل ومفتاح حياة جديدة للبنانيين

جنى غلاييني

“حتّى نقطة الصفر التي ينطلق منها الإنسان لم تعد موجودة في وطني”، هكذا يقول الشاب محمد عيتاني في تعليل أسباب بحثه عن فيزا تسمح له بمغادرة لبنان للبقاء قيد الحياة بعد انعدام سبل عيشها في لبنان.

الشباب اللبناني يبحث عن وطن آخر، فهو يريد حياة كريمة وعيشاً سعيداً، يريد لأحلامه أن تتحقق، ولطموحاته أن تصبح حقيقة واقعة.

فبعد أن صرخوا “كلن يعني كلن”، آملين ببناء لبنان جديد غير طائفي، تبين أن أصواتهم بُحّت وطاقاتهم نفدت، إختاروا الهجرة، أخفضوا أشرعتهم البيضاء بعد أن رفعت في وجههم أشرعة الذلّ، طافت روائح الفساد وكثرت جرائم الحكّام، ولم يعد للصبر معنى، صارت وجهتهم مطار رفيق الحريري الدولي وطموحهم “فيزا في اليد ولا وطن على شجرة”، قرّروا حزم أمتعتهم واختاروا الغربة، بلداً آخر يؤويهم، ويطعمهم خبزاً.

بعد الاكتئاب أمل الهجرة

محمد عيتاني فقد عمله منذ فترة، دخل في حالة اكتئاب شديدة جعلته يفكّر في الانتحار مراراً، ولكن بفضل دعم الأهل والأصدقاء استطاع المضي قدماً نحو بداية جديدة، اختار أن تكون نقطة الانطلاقه من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت نحو بلد يحمل له معايير العيش التي حُرم منها في لبنان بعد أن قدّم طلب هجرة إلى دبي، وها هو ينتظرٌ “الفيزا” خلاصه الوحيد القادر على انتشاله من لبنان. فقد وصل محمد إلى مرحلة لم يعد فيها الانتماء الوطني مهماً بالنسبة له بعدما كان متشبّثاً بها، مقاوماً ومناضلاً في بلدٍ كان حاضناً شبابه حتّى أصبح محكوماً من أزلامه.

يقول محمد لــ”لبنان الكبير”: “أصبحت غريباً في وطني، لم يعد هناك أي شيء يجعلني متمسّكاً بأرضي، فأنا سأتحمّل الذل الذي نعيشه فقط لحين وصول الفيزا التي ستكون مفتاح حياة جديدة وأحلام لا بدّ أن تتحقّق”.

ضربات موجعة يتلقّاها أبناء الوطن ما هي إلاّ لتزيد الطين بلّة، فبعد هجرة دفعة كبيرة من الشباب على إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 آب، ها هي شريحة جديدة كانت تطالب بالتغيير أصبحت كل مطالبها متعلّقة بهجرة وطنٍ غارقٍ بفساد منظومته السياسية. وهذا كان رأي محمد “سأرحل تاركاً لهم نجاستهم فليغرقوا بأفعالهم، ولكن سأعود يوماً ما، لا أعلم متى، إنّما إلى حين يصبح لبنان وطناً مستقلّاً من أمثالهم”.

الهروب إلى راحة البال

حال محمد كحال معظم شباب لبنان، حيث يصف مارك نخلة، مهندس مدني، عن واقعه المرير في وطنه الذي ما عاد يشبه الوطن. ” أنا مستاء من عملي الذي لم يعد يكفيني  لتأمين لقمة عيشي ولا لإعالة عائلتي حتّى”، يقول مارك.

هذا ما دفعه لتقديم طلب هجرة إلى كندا، حيث لا يزال ينتظر قبول طلبه منذ سنة وشهرين، ويقول مارك عن سبب اختياره كندا: “اخترتها كونها لا تشبه لبنان بشيء، أريد الهروب من كل ما يتعلّق بوطني، أرغب في الذهاب بعيداً لألقى راحة البال من دون أن أحمل همّ شيء، كل ما أطلبه فقط أن أكون مواطناً له حقوقه الأساسية التي حُرمنا منها هنا”.

إنه الذهاب بلا العودة التي لطالما كان كابوساً بالنسبة لشباب لبنان، حتّى أصبح حلمهم المنشود، وما كان لحلم مارك إلّا انتظار تحقيقه من خلال القبول على الفيزا التي سعى جاهداً لها، ويقول: “لقد استغرق الوقت طويلاً في الرد على إن كان طلبي للهجرة مقبولاً أم لا، وذلك بسبب جائحة كورونا التي شلّت العالم أجمع، كل هذا الانتظار جعلني أيأس، ووصلت إلى درجة أنّني (تمسَحت)، ولكن لم أفقد الأمل، لأنني لا أرى مستقبلاً لي في لبنان”.

ويضيف بحرقة: “صرلي 3 سنين عم فكّر بالهجرة، بمعنى آخر انا فقدت الأمل ببلدي من حينها، لم أعد أتحمل العيش في لبنان، أريد أن أجد نفسي، أنا أهدر زهرة شبابي في بلدٍ لا يعرف قيمة أبنائه، فلماذا أبقى؟”.

وطن لا يعرف قيمة شبابه

شباب لا يرون في لبنان بصيص أمل، يعيشون خائفين من الغد، يتوقون لفرصة الهروب من الوطن، عسى أن ينعموا بما فقدوه من أمل.

هذا ما يراه وسام جمّال، مدرّب رياضي، كان ناشطاً في ثورة 17 تشرين، والذي يسعى في بلدٍ بات مقبرة أحلامه وطموحه، فكيف له أن يستمر في لبنان؟ . إذ يقول: “لا يمكن أن أنتظر فرج البلد، فالصبر لن ينفعني، ووجودي لن ينفع لبنان، وهذا ما دفعني إلى تقديم طلب هجرة إلى كندا منذ حوالي السنتين، فأنا أتحمّل كل ما أمرّ به في لبنان فقط لحصولي على الفيزا “.

وبكل أسفٍ يرى وسام أن لا مستقبلَ له في وطن لا يعرف قيمة شبابه “حتّى نقطة الصفر التي ينطلق منها الإنسان ليست موجودة في هذا الوطن”.

يخطط وسام إلى انشاء مشاريع لطالما حلم بتحقيقها، لكن يرفض إنجازها في بلد يشبه لبنان، موضحاً: “لا أنوي أن أفتتح مشروعاً لي هنا، أما في كندا وبعد الانخراط  في المجتمع الجديد، والحصول على الدخل المناسب، فمن الأكيد سأنجز مشروعاً أستطيع من خلاله مساعدة أفراد عائلتي وربما إرسال دعوة لهم للمجيء، لأن الاوضاع في لبنان من سيئ إلى اسوأ”.

وختم كلامه بنصيحة للشباب اللبناني داعياً إيّاهم للهجرة من لبنان، لأنّهم إذا أرادوا التغيير، فإنّ طريق التغيير طويل صعب المنال، ويرى أن كل يوم يُمضى في لبنان يدمّر طموحات الشباب وآمالهم.

شارك المقال