ماذا يجري في رابطة الأساتذة المتفرغين؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من الهموم الكبيرة التي تعاني منها الجامعة اللبنانية، والتي تهدد أساتذتها وطلابها وتضع مصيرها في خضم رياح الأزمات التي تعصف بلبنان، لتتركها وحيدة داخل المعاناة التي تعيشها والصعوبات التي تواجهها، فقد جاء تعليق نشاط 34 مندوباً في مجلس المندوبين واستقالة عضوين من الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، للتسبب في أزمة جديدة وخلق حالة تشرذم في وسط الأساتذة، وما زاد من حدة المواقف أن البعض اعتبر أن المستقيلين كانت غايتهم سياسية، وأن الرابطة غير النقابة، وبحسبهم أن ما دفع الأساتذة للاستقالة هو الفوز الذي حققته “مجموعات الثورة” في نقابة المهندسين.

واعتبر بعض الأساتذة وأعضاءٌ في الهيئة التنفيذية للرابطة أن هناك فرقًا بين النقابة والرابطة، فالنقابة تملك صلاحيات تنفيذية، بينما الرابطة لا صلاحيات لها، مشيرة إلى أنه لا وجود لما يسمى تعليق المندوبين نشاطهم وحتى لا يوجد في النظام الداخلي أي آلية للاستقالة، وأن على المندوب الانتظار إلى الانتخابات المقبلة فلا يترشح كمندوب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى استقالة عضوي اللجنة التنفيذية للرابطة، إذ لا توجد آليات لاستبدالهما. وفي الكواليس أن هناك اتجاهاً لاستقالة عدد أكبر من الأساتذة من مجلس المندوبين، قد يصل إلى ستين أو سبعين، كون اللجنة التنفيذية للرابطة تعمل مع رئاسة الجامعة على حلول جزئية.

ويتساءل عدد من الأساتذة عما إذا كان الإضراب أو التظاهر الآن هو أمر ملائم؟ ولماذا لا يتم الاتجاه صوب فكرة التمويل الذاتي للجامعة (كما يحاول الجيش أن يفعله)، مثل رسوم فحوص الـ pcr والخدمات الطبية الأخرى، وفتح باب الدعم من قبل الخريجين المغتربين، وإنشاء صندوق لدعم الجامعة. إضافة إلى فكرة عقد مؤتمر عربي دولي لدعم الجامعة، معتبرين أن الاستياء من بيان رابطة الأساتذة لا يدعو لضرب رمزية وجود الرابطة، فاستبدال قوى حزبية بأخرى، لا يحل مشكلة الأساتذة ووضع الجامعة معبر عن واقع لبنان وأزماته.

حلواني: لاستخدام لغة العقل

ماذا يحصل إذاً؟ وهل انتهت الأمور عند توضيحات المواقف المختلفة؟

يقول رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة الدكتور عامر حلواني لـــ “لبنان الكبير” إن “معظم المحتجين على بيان الرابطة ومنتقدي الأداء، هم من “مجموعات الحراك الديموقراطي”. والرابطة تعمل مع رئيس الجامعة من أجل دعم صمود الأساتذة الذين لم يعد بإمكانهم الصبر على الواقع الذي يعانون منه، هناك من يدعو إلى التحرك فوراً عبر تنفيذ إضراب وتعطيل الامتحانات، وهو أمر أحدث خلافاً داخل الرابطة. هل التصعيد في ظل هذه الأحوال مفيد؟ هذا النقاش يدور ولا يمكن تجاهل وجهة النظر هذه، إلا أنه في الوقت نفسه لا بد من استخدام لغة العقل في هذه الظروف الصعبة، فالتصعيد سيحرم الطلاب من الامتحانات، وقد يخسرون عامهم الدراسي، وعامهم المقبل أيضاً سيواجه صعوبات. ونحن لن نستطيع كاسأتذة الاستمرار في الوضعية نفسها دون تحسين الأوضاع”.

وأوضح أن “المندوبين المعترضين معظمهم من اللائحة المنافسة التي خاضت انتخابات الرابطة ولم تحقق الفوز”.

وشدد حلواني على أن “الانتخابات المقبلة بعد سنتين، ومن أراد التغيير يمكنه أن يحدث ذلك الأمر حينها، ولا يمكن حسب النظام الداخلي إجراء انتخابات مبكرة نتيجة استقالات أو ما شابه. طبعاً وضع الأساتذة سيئ، والرواتب صارت مسخرة لا تكفي لإعالة عائلة، والهجرة على قدم وساق من قبل الأساتذة المتعاقدين ويجب الحد منها”.

سليمان: اعتراض على مقاربة الرابطة

وتقول لنا الدكتورة عزة سليمان أن هناك نوعين من الاعتراض حصلا داخل الرابطة، هناك استقالتان من الهيئة التنفيذية للرابطة للدكتورة نائلة أبي نادر والدكتورة ندى كلاس، لأنهما وجدتا أن المقاربة التي تريانها لدور الرابطة وتعاملها مع المرحلة تختلف عن النهج الذي يجب أن تنتهجه الرابطة في هذه الظروف. وهناك تعليق العضوية التي حصلت باعتراض 37 عضواً من مجلس المندوبين، وقد جرت مفاوضات معهم، وتبين أنهم معترضون على البيان الذي أصدرته الرابطة وطريقة أدائها، وطبيعة تعاملها مع المرحلة. وهم يعتبرون أن دور الرابطة حالياً لا يجب أن يكون النق، والوضع لا يمكن حله بشوية مصاري من هنا أو إعطاء درجتين، هناك أزمة كبيرة، ودور الرابطة يجب أن يكون مختلفاً، ومقارباتها يجب أن تشمل طرق إنقاذ الجامعة اللبنانية، والرابطة ليس لديها خطة واضحة في هذا المجال. هناك نق وكأنهم ليسوا في الرابطة ممثلين لأحزاب السلطة المسؤولة عملياً عن الأزمة في البلاد”.

ولا تعرف الدكتورة سليمان ما الذي سيجري لاحقاً، “فرئيس الرابطة رفض الاستقالات، ولكن الدكتورتين أصرتا. ولا بد من مراجعة النظام الداخلي حول طريقة ملء المركزين الشاغرين في الهيئة التنفيذية، والتصريح الأولي للرابطة كان إيضاح أنه لا يوجد استقالة في النظام الداخلي وهذا غير منطقي. أن هناك غضباً وسخطاً وقلقاً لدى الأساتذة، لأن الوضع يجعلهم يشعرون إضافة للأزمة بأن دور الجامعة يتآكل وهي في خطر”.

لغط حول حركة المندوبين

في المقابل، أوضحت مندوبة في الرابطة، لـــ”لبنان الكبير” أن “هناك لغطاً حول الحركة التي قام بها الزملاء في مجلس المندوبين، والحقيقة هي ليست استقالة بل صرخة للتعبير عن رفضهم للأسلوب المتبع من قبل الهيئة والمطالبة بالتصعيد، وأن الأغلبية الساحقة للمندوبين تطالب باتخاذ خطوات سريعة، وكلٌ يعبّر عن مطالباته بطريقته. حالياً مجلس المندوبين يضم جميع الزملاء، وعاد جميع الزملاء تحت سقف الرابطة، مؤكدين على وحدة الصف الداخلي”.

“جامعيون مستقلون”: رابطة تمسك بزمامها السلطة

أحد أعضاء مجموعة “جامعيون مستقلون” شرح لـــ “لبنان الكبير” أن “أبي نادر وكلاس أوضحتا في رسالتهما أسباب استقالتهما من الهيئة التنفيذية، وأعادتا الأمر الأساسي إلى اختلال قيم العمل النقابي وركائزه. وهما تريان ونحن معهما أن التمسك بهذه القيم والركائز يكتسب أهمية خاصة وإضافية في الوقت الحاضر الصعب على كل اللبنانيين”.

وأشار إلى أن “وجود الدكتورتين في الهيئة التنفيذية ليس بسبب موازين قوى، ونحن ندرك أن الاختراق الذي كنا نتوخاه لخرق لائحة السلطة لم يحصل. رغم ذلك شاركت الزميلتان في أعمال الرابطة، ضد أصوات اعترضت بأن لا حاجة لأن نغطي بحضورنا الرمزي رابطة تمسك بزمامها السلطة. ولم يقتصر الأمر على المشاركة، أي حضور الاجتماع الأسبوعي للرابطة وحضور لقاء المسؤولين حين لا تستبعدان. وحرصتا على مناقبية عالية في العمل النقابي وتقديم الاقتراحات. رغم إدراكهما أنهما أقلية. ولكنهما عكستا داخل الرابطة غضب الأساتذة وهيئة المندوبين”.

وبرأيه أنه “رغم مد اليد وطرح الأفكار والتعاون الإيجابي وتوسيع دائرة التشاور للأفضل، والعمل لرفعة الرابطة وزيادة تكريسها ممثلة لصوت الأساتذة، استمرت عملية الاستبعاد عن القرار المعلب والمعد سلفاً أو بعد الاجتماع، دون الأخذ بالاعتبار ما اتفق عليه. عدا أمور أخرى في التنظيم الإداري الضروري لم تُراعَ، كعدم تدوين محاضر للاجتماعات الرسمية”.

إضافة إلى كل ذلك، يقول إنه “مع تجاهل مواقف الزميلتين لم يطرح الطرف الآخر أي شكل للتخفيف أو المواجهة أو التصدي للانهيار الذي يحصل في الجامعة. بل بالعكس ما يسود هو ليس المبادرة وإعطاء المثل للآخرين، حتى اقتباس مواقف النقابات الأخرى والتشبه بها في حفظ بعض حقوقها استداروا عنه. وفي الحقيقة إذا كان بيان الزميلتين يشير إلى استشارة من تثقان بهما. من الضروري التأكيد أن الاستشارة لم ولن تكون مع أي حزب أو حزبي، إنما مع مندوبين منتفضين”.

وأوضح انه في ما خص مجلس المندوبين “لم تحصل استقالات باستثناء واحدة تم رفضها، إنما كان غضباً تجلى على صفحة “الواتس اب” عبر تجميد النشاط في مجلس المندوبين، وربما انسحاب البعض من الصفحة. ولا يمكن السؤال عن سبب الغضب. لكن هل يمكن سؤال من لا يملك طعاماً لماذا أنت جائع؟ وربما هذا ما جعل كثيراً من المندوبين المقربين من أحزاب الرابطة يوقعون عريضة تجميد العضوية. لم ننف حق كل فئة متضررة في الاعتراض. للأسف لا رابط تنظيمياً يجمع الجميع. والمصالح فئوية بشدة”. ومع ذلك أكد أنه “لا انتخابات جديدة نتيجة الاستقالات ربما تستبدل الزميلتان بحزبيين والرابطة تستمر ولكن بنفس الأداء. في حالة واحدة يمكن أن تكون انتخابات، وهي استقالة 6 أعضاء إضافيين، ولكن لا يبدو ذلك في الأفق. فالرابطة على أفضل انسجام فيما بين أعضائها الباقين ومع الرئاسة في الجامعة”.

وشدد على أن “لا خلاف حزبي، الزميلتان غير حزبيتين، وكانتا متعاونتين بكل شفافية وصدق. لكنهما وصلتا إلى الحائط المسدود. الكل مدرك لإفلاس الدولة للسطو على أموال الناس، والذراع الطائفي الطيع الاستخدام لصالح السلطة في كل حين. ولكن الموجوع سيقول آخ. ربما صراخ الوجع لا يشفي العليل. لكنه يضغط على الطبيب ليسرع علاجه أو العائلة لتستبدل الطبيب”.

حطيط: هدفنا ليس ضرب الرابطة

من جهتها، تقول الدكتورة فدا حطيط التي وقعت بيان المندوبين المعترضين، أنه “من الضرورة الاعتراف بأن الجامعة اللبنانية تعيش حالة انهيار، ما حدث لم يكن يستهدف ضرب الرابطة أو إحداث تشرذم فيها. بل إن اهتمامنا، بصفتنا مجموعة من الأساتذة، هي لفت نظر الرابطة أن تعمل بجد وفق أهدافها الأساسية كأداة نقابية وكرابطة تعنى بحقوق وكرامة الأستاذ الجامعي”، موضحة “الأستاذ الجامعي معروف أن لديه مطالب كثيرة وواضحة من سنوات وأعوام، كما أن هناك عدة اتفاقيات موقعة مع النواب، منها اتفاقية سبعة بنود التي وقعها عشرة نواب. وأعلن إضراب دام خمسة أشهر، للأسف لم يتحقق من ورائه شيء”.

وأشارت إلى تناقص ميزانية الجامعة سنة بعد أخرى، وعدد “أساتذة الساعة” أصبح أكثر من عدد أساتذة التفرغ و”الملاك”. علماً أنه من أجل الحصول على ميزة الاعتماد العالمية يلزم أن يكون لدينا 80% من الكادر التعليمي ثابتاً، و20% من الأساتذة أصحاب العقود غير الدائمة. لكن ما يحصل عندنا هو العكس.

هناك مشكلات عديدة كنا ننتظر إيجاد حلول لها، وكانت هناك توصيات بشأنها من الرابطة. لكننا صدمنا عندما صدر البيان المتعلق بها، لأنه لم يكن في مستوى المطالب المرفوعة والتي نسعى من أجل تحقيقها. وجزء كبير منا كان يطالب بإيجاد حل من أجل نيل الأستاذ حقوقه من قلب الجامعة، مثل ما يحصل في الجيش والأمن العام، وفي مؤسسات عامة أخرى”.

وقالت: “إننا نواجه ضغطاً أكبر منذ سنتين، مثل قصة التعليم أونلاين الذي يكلفنا مجهوداً مضاعفاً، ويتطلب منا التوفر على أدوات مكلفة، لم نكن نستخدمها من قبل. فنحن مطالبون بامتلاك كمبيوترات، وما يستتبعها من إصلاح عند تعطلها… أليس على إدارة الجامعة مسؤولية إصلاحها؟ ومن يعمل بالساعات الإضافية يجب أن ينال تعويضاته المادية، ومن يعمل في ساعات المراقبة أن يدفع له بشكل كامل، وما إلى ذلك”.

وتابعت: “مفروض أن نضحي كأساتذة. لكن، كما نربي أولاد الناس مفروض أن نهتم أيضاً بأولادنا. كمسؤولين عن أسر، كيف يمكن بمعاش لا يزيد عن 300 دولار؟ خاصة لما يتعطل الكمبيوتر أو الهاتف يجد الأستاذ نفسه من أجل إصلاحه أن يدفع مبلغا بـ5 أو 6 أضعاف معاش”.

وقالت: “يبدو أن هناك قراراً ضمنياً في الدولة برفض إدخال أساتذة على “الملاك” وفق قرارات مهيأة مع البنك الدولي”.

وعددت الكثير من المطالب منها: “تعيين مجلس عمداء والمتفرغين بأساتذة “ملاك”، حالياً مائة من عائلات أساتذة وصلوا سن التقاعد من عامين ولم يتم توقيع مرسومهم، هناك بين 1500 إلى 2000 أستاذ حالياً تعاقد بالساعة وفق “عقد مصالحة”، بنوده غير قانونية. هناك 100 أستاذ بلغوا 64 سنة من دون معاش تقاعدي بعد عمل  استمر 20 سنة و25 سنة. إنه وضع صعب جداً هذا الذي يوضع فيه الأستاذ الجامعي، وما يستشف من هذا الواقع هو أن هناك خطة مبيتة لضرب الجامعة اللبنانية”.

وأشارت في الختام إلى تردي خدمات صندوق التعاضد، “تلك الأداة التي كنا نحس بها بالأمان، في المستشفيات العامة لم يعودوا يقبلون ببطاقة صندوق التعاضد. هناك زميل وجد نفسه مطالباً من مستشفى بدفع 8 ملايين ليرة مقابل صور إشعاعية لقدمه. والواقع أنه بعد 40 سنة يصل المعاش الأعلى للأستاذ الجامعي إلى سبعة ملايين وتسعمائة ألف فقط”.

شارك المقال