شواطئ لبنان: تلوث ورقابة غائبة… والسياحة لم تتأثر؟!

تالا الحريري

كارثة الشاطئ اللبناني حديث كل سنة، فالتلوث ما عاد يقتصر على النفايات فقط. اليوم، توزّع التلوّث بين الشاطئ والأعماق ليشكّل خطراً على الناس والغطّاسين والصيادين وطال البحر من داخله وخارجه.

شهد الشاطئ اللبناني كوارث عديدة في السابق جعلته ملوثاً، ففي حرب تموز 2006، جرى تسرّب للمواد النفطية إلى البحر وتلوث الشاطئ اللبناني، نتيجة القصف الإسرائيلي لمعمل الكهرباء في الجية. لكن الآن، يشهد الشاطئ اللبناني تلوثاً من صياديه ومن السكان الذين يعتبرونه مكبّاً يلتهم النفايات. ومع ذلك ما زال بمقدور خبراء البيئة ومراكز البحوث العلمية تدارك تلوّث الشاطئ، وتكثيف دعواتهم من أجل حماية هذه الثروة، والوعي لكيفية التصرّف حفاظاً على البيئة.

وهنا يبقى السؤال، ما تداعيات هذا التلوّث على البيئة المائية وعلى واقع السياحة؟

تلوث مياه البحر

فخري: لا خسارة للثروة المائية

أفاد مدير مركز علوم البحار ميلاد فخري لـــ “لبنان الكبير”، أنّه “طالما نحن على هذا المنوال، أي عدم وجود موازنات أو أي شيء آخر، فإنّ واقع البيئة في المستقبل سيكون أسوأ. فكل شيء يحتاج إلى تنظيم حتى نحصل على بيئة سليمة للشاطئ اللبناني. مع العلم أن الشاطئ ما زال جيّداً إلى حد ما وهناك تحسّن في أماكن معينة وهذا بمجهود بعض البلديات”، موضحاً: “لدينا مشكلات كبيرة أخرى، مثل انتشار البلاستيك بشكل رهيب على الشواطئ. وما يثير القلق أن يصبح هناك إهمال مع الوقت وأن لا يعود أحد ينظر إلى الشاطئ اللبناني”.

أمّا عند سؤاله عن امكانية خسارة الثروة المائية والسمكية في الوقت القريب، قال: “بإذن الله لا، بمجهودنا وطالما نحن قادرون على التواجد على الارض، نراقب ونتكلّم ونرشد المسؤولين أين يوجد تلوث وأين يمكنهم التحرّك، فلا يوجد خسارة”.

وبرأيه “كل البلديات حتّى ولو لم تمتلك الإمكانيات الكافية، يمكنها التجربة قدر الإمكان لتحسين شاطئ منطقتهم. فالشاطئ رغم أنّه مصدر غذائي للناس والصيادين خاصةً، هو مصدر سياحيّ أيضاً، وهناك العديد من الناس تعمل على الشواطئ ولديها مصالح”.

وعما إذا كانت الرقابة كافية أم لا، ذكر فخري أنه “لا يمكن أن تكون الرقابة مئة في المئة، لذلك ربما تكون الرقابة غير كافية على الشواطئ. فليس لدينا القدرة على الوصول إلى كل الشواطئ اللبنانية، فهناك منتجعات سياحية كثيرة تضع يدها على الشواطئ، ولا يمكن القول غن شاطئها خاص، لأنّ الشاطئ ليس خاصاً بل عام وللجميع”.

وشرح أنّهم “يأخذون مواقع معينة تمثل الشاطئ الموجود في هذا الموقع، وكلّما كنا قادرين على إحضار مواقع يكون أفضل حتى يكون هناك رقابة، ولكن طبعاً كل هذا يتطلب إمكانيات مادية وبشرية. فنحن نطلع كل شهر مرة على الساحل اللبناني كلّه، وهذا العمل يستغرق تقريباً أسبوعاً، فكل موقع يقومون بإجراء التحاليل فيه، وهذا يكلّفهم، خصوصاً أن كل شيء يُحسب بالدولار والدولة لا تملك الدولار، ولكن هناك مؤسسات صديقة أو مؤسسات دولية يمكنها المساعدة حتى نتمكن من الاستمرار بهذا العمل، لتحسّين الوضع، والتمكن من الوصول إلى رقابة كافية حتى يمكن معرفة ما يحدث على الشاطئ اللبناني”.

ولفت إلى وجود “شواطئ ممكن أن تسبب حالات مرضية، وهذا يرجع إلى الناس الذين يسبحون فيها رغم معرفتهم بأنّها ملوثة، واحتمال التقاطهم بكتيريا. لذلك دائماً هناك توعية للناس ونصيحة بعدم السباحة في الشواطئ التي ينزل فيها المجارير بشكل كثيف، ولكن في النهاية لا يمكننا إجبار أحد”.

تلوث مياه البحر
خلال حملة لتنظيف الشاطئ اللبناني

انفجار المرفأ ومياه البحر

وقد ذكر فخري مثالاً، ففي منطقة الضبية، هناك خليج تنزل فيه المجارير بشكل كثيف، ومازالت أعداد الناس الذين يتوافدون عليه هائلة، خاصّةً يومي السبت والأحد. لذلك عليهم أن يتحمّلوا مسؤولية أنفسهم، فعلى الرغم من رؤيتهم لذلك، ما زالوا يسبحون. ولكن شدّد فخري، أن “على البلدية في هذه الحالة وضع أن هذا الشاطئ ملوّث بالاستناد إلى تقرير بيئي، أو منع الناس من النزول”.

أمّا أكثر الشواطئ النظيفة والآمنة، فهي في الشمال وعكار وطرابلس، وبعض المناطق مثل انفه ــــ البترون ــــ جبيل ــــ شاطئ عين المريسة ــــ الدامور ــــ الجية ـــ صورـــ عدلون، ومن أكثر الشواطئ التي تصبّ فيها المجارير هو المسبح الشعبي.

وذكر فخري أن “المياه لم تتأثر بانفجار مرفأ بيروت وأنّه لا يوجد فيها شيء، فالانفجار كان داخلياً في البور، والمواد أي النيترات تتحلل في المياه، وتصبح مع الوقت نوعاً من الغذاء للسمك.

فقد أقاموا التحاليل على السمك وأرسلوها إلى الخارج وستصدر النتائج في وقت قريب، ولكن بحسب معلوماتهم لن يكون هناك أي تأثير على السمك. هذا يعود أيضاً إلى عام ٢٠١٩، حيث أجروا فحوصات على السمك الموجود في شواطئ ملوثة وكانت نتيجة السمك سليمة.

وكانت نصيحته أن يتم تشغيل معامل التكرير الموجودة بطريقة شفافة وعلمية، حتى تُنظف قدر الإمكان قبل أن ترمي في البحر. وأن تساهم البلديات مع الجمعيات في تنظيف الشاطئ من وقت لآخر.

ويجب أن يكون هناك وعي عند الناس، فمثلما يحافظون على نظافة بيوتهم، يجب أن يحافظوا على نظافة الشاطئ.

وزاد: “أريد أن أقول للناس، عندما تنزلون إلى الشاطئ، اعتبروا البحر بيتكم، فالبحر هو بيئتكم ومصدر رزقكم، لذلك لا ترموا مخلفاتكم وتتركوها على الشواطئ”.

تلوث مياه البحر
خلال حملة لتنظيف الشاطئ اللبناني

حداد: الرقابة على الشواطئ غير كافية

الجميع يربط تلوّث الشاطئ اللبناني بالنفايات فقط، وحتّى يشكون منها باستمرار ويطالبون بحصولهم على شواطئ نظيفة، وهم ينزلون اليها، يرمون أطناناً من النفايات، هذا غير النفط والزيت الذي يتسرّب إلى العمق.

“أثناء الغطس، فجأة نرى ديناميت فوق رؤوسنا”، هكذا صرّح ايلي حداد وهو غطّاس يملك نادي غطس وعامل في الانقاذ البحري، لـــ”لبنان الكبير”. فبرأي حداد، الرقابة لا تكون كافية على الشواطئ، وهناك الكثير من الصيادين يرمون الديناميت لتجميع السمك.

اجمالاً هناك أشياء كثيرة تهدف إلى خسارة الثروة السمكية، ليس فقط التلوّث. التلوّث واحد من هذه الأشياء، لكن يوجد أيضاً الصيد العشوائي الذي لا يوجد له حدود، بحيث لا يوجد لا أمن ولا مراقبة بحرية.

مع ذلك، هناك أوساخ كثيرة حتى في عمق البحر ابتداءً من 10 أمتار إلى 50 متراً، فالبحر مليء بالنفايات والدواليب والبلاستيك، وكل الأشياء التي تغرق تنزل إلى قعر البحر، والتي لا تغرق تقذفها الأمواج إلى الشاطئ.

وقال: “لا يمكنني أن أجزم أن البحر ملوّث بوجود قنينة أو غالون بلاستيك، ليس كل البحر ملوّث. فبحرنا جميل جداً ولونه أجمل، لكن الشواطئ القريبة من المسابح حيث تصب المجارير، هناك يكون التلوّث الأكبر”.

وذكر “هناك أماكن ملوثة مثل الكرنتينا حيث تُرمى فيها النفايات والمجارير، وفي ضبية حيث توجد مجارير كثيرة ولا توجد تصفية للمجارير قبل رميها. أمّا بعض المناطق النظيفة التي يغطس فيها هي من جونية وطبرجا وصولاً إلى البترون”.

أمّا بالنسبة لحملات التنظيف، فهي لا تقتصر فقط على البلديات والجمعيات، فالغطاسون أيضاً يقومون بهذه الحملات بالتضامن مع منظمة غرين بيس. هم يتبرعون قدر الإمكان لتنظيف الشاطئ اللبناني وأعماق البحر، لكن الآن لم يعودوا قادرين على التبرع، فأزمة البنزين تعيقهم من الوصول إلى مناطق عديدة ربّما تكون بعيدة، “ولم يعد هناك كفيل يدفع لهم لتنظيف منطقة ملوثة في مهلة معينة. والذين يطالبون به الآن، هو أحد يدعمهم لأنّ التكلفة كبيرة ما بين أدوات الغطس والغطاسين وأوقات غطسهم”.

بوضرغم: لا تأثير على السياحة

لا يمكن نسيان تأثير هذه الكارثة البيئية على القطاع السياحي الذي يعاني في الأساس ركوداً بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية والصحية التي يمر بها لبنان.

بالعودة إلى تاريخ القطاع السياحي في لبنان حسب مستشار وزير السياحة مازن بو ضرغم، كان مدخول السياحة سنة 2010، 10 مليارات دولار وصولاً إلى سنة 2019 حيث سجّل مدخولها 7 مليارات دولار. 2019 تعتبر آخر مرتكز قبل نقطة التحول في السياحة، فسنة 2020 تأذت فيها السياحة بشكل عام في كل الكرة الأرضية بسبب الإقفال العام لكل المناطق والمراكز السياحية جراء فيروس كورونا، ولكن اليوم في سنة 2021، تُعتبر هذه السنة ناشطة سياحيّاً مقارنة بالسنة الماضية وليس مقارنة ب2019. ففي عام 2021 أصبح في لبنان تشغيل أكثر للمطار، بحيث زادت أعداد الوافدين إلى لبنان من 2000 شخص إلى 13 ألف شخص في النهار الواحد، وهذا شيء ايجابي جداً. فاليوم هناك نسبة كبيرة من السياح منتشرة في كل لبنان.

إقرأ أيضاً: رحلة صيّادي السمك في البحث عن لقمة العيش

الشاطئ اللبناني مرتكز لاستقطاب السياح خصوصاً في فصل الصيف، بحيث يتوافد المغتربون على شاليهات لبنان من شماله إلى جنوبه. وقد قال بو ضرغم لـــ “لبنان الكبير”: “لا شك أن هناك آثاراً سلبية لأي تلوث يتشكّل في البحر، وهذا شيء نحن لا نوافق عليه، بالعكس نحن يهمنا الشاطئ البحري. لكن نلاحظ أن التلوث لم يؤثّر على السياحة بشكل مباشر، فأغلبية الناس يسبحون في برك السباحة المعقمة، ووزارة السياحة تتابع مع مصلحة الضابطة السياحية ودائرة الجودة الذين يذهبون إلى كافة المراكز السياحية، ويتم إصدار مقياس لنسبة الالتزام بالصحة والسلامة”.

وأشار إلى أن “النسبة التشغيلية للمؤسسات السياحية البحرية كالشاليهات والفنادق على البحر، 90% اليوم وهذا شيء ايجابي. وبالنظر إلى بلدان أخرى، نرى أن السياحة هي المنقذ الاساسي في الكثير من الدول مثل اليونان ودبي. فاليوم في لبنان الاتكال الرئيسي على السياحة، وكوزارة سياحة، توجهت إلى السعودية وشاركت في منظمة السياحة العالمية، وتم الاتفاق مع العراق من اجل التبادل السياحي. ولوزير السياحة رمزي مشرفية ثلاث سفرات سيقوم بها على رأس وفد، وهي سفرات سياحية واقتصادية من خلال السفر إلى مصر والأردن والعراق في الأسابيع المقبلة للقاء المؤسسات السياحية في هذه البلدان وإنشاء خطط مشتركة للتبادل السياحي. وفي أيلول هناك لقاء يجمع بين اليونان وقبرص ولبنان لمبادرة وتعاون سياحي”.

شارك المقال