أصل الحكاية… الباب الموصد

حسناء بو حرفوش

توصد الأبواب عادة لتعلن وقت الراحة ونهاية الاستقبالات اليومية، وهو أمر نسيه السواد الأعظم من اللبنانيين منذ بداية جائحة كورونا. وتوصد الأبواب لطمأنة بعض القلوب، فلبنان ما عاد بلد “ابنة الحارس” حيث تفتح البيوت قلبها على مصراعيه. في بلادنا، يحوم الخوف في القلوب والبطون.. مثلما يحوم في الطرقات.

وتغلق الأبواب والنوافذ خوفاً من سطوة اللصوص، دون آثار لمفاتيح العقاب. الناس أسرى الخوف والتحذيرات تنتشر من إظهار أي شكل للنعم أو حتى التنعم بارتداء المجوهرات.

وخلف أبواب موصدة، تختبئ عائلات “مستورة” تغلي ما تيسر من عظام الدواجن للحصول على المرق، وأخرى تجفف “تفل” البن للظفر بريح قهوة صباح جديد. ومن العائلات من تقتات على نعمها بصمت فتوصد النوافذ كي لا تكسر روائح الطعام بخاطر من نام خائر القوى منكسر النفس وخاوي البطن.

بالنسبة لهؤلاء “المستورين” الذين اعتادوا اقتطاع الجزء الأكبر من المعاش الشهري لتسديد رسوم الدراسة لأبنائهم، الباب مفتوح على مصراعيه للرحيل. العيون مسمرة على واجهات السفارات وأبواب الهجرة، كأنما كتب على اللبناني في كل دورة من دورات الحياة، الرحيل على الرغم من بقاء جذور القلب معلقة بجانب الأرز.

ماذا عن المفاتيح؟

أصل الحكاية هو الباب الموصد أمام الرئيس المكلف سعد الحريري. والباب الموصد أمام حكومة تفتح ولو نافذة صغيرة للثقة بين الدولة والناس وبين الدولة والأسرة العالمية. وذلك لأن الباب الموصد عدو للشفافية ورمز للسعي في الخفاء لأشياء مشبوهة، ربما تنتهك كل القواعد والحقوق. مع إغلاق هذا الباب، يمتد نفق سوداوي مظلم، لا نور فيه ولا أمل.. على أمل أن يفتح باب في آخره.

بالانتظار، يبقى السؤال مطروحاً حول مفاتيح البيوت اللبنانية؟ لقد تعلّم الناس وفي أغلب الأحيان، مكرهين على الابتكار للتأقلم المرّ. فاستبدل الباب المشرّع للضيافة بأبواب مفتوحة بعض الشيء بانتظار حلحلة الأقفال التي قد يتآكلها الصدأ إذا لم يتحرك المستنقع المحلي.

لطالما عرف لبنان في تاريخه الحديث بالباب على الشرق والغرب. ذلك الجسر كثر حراسه وتعددت مداخله، فتحلقت حول الباب معان تضج بالسلبية، فبات باب المخدرات بالنسبة للناظر إلينا من بعيد، وباب الفساد وباب التهريب وباب الفقر وباب الاستجداء. واستبدل الباب العاجي الكبير بأبواب مهترئة لا تضمن إلا دخول بعض الجرذان الطامعة.

ولو أن لدخول هذه الجرذان خيراً لهذه الأرض العالقة بين السلام والحرب، لما كتب أي قلم، لكن هذه الجرذان لن تأتي سوى لتقتات ما بقي للبناني من فتات ولن تتردد حتى بأكل الباب نفسه الذي دخلت منه بعد الانتهاء من الأخضر واليابس.

إقرأ أيضاً: الموت في لبنان حقٌّ مكلف!

وراء الباب المغلق المتهاوي، طوابير أمام بوابات سجون داخلية، تلتف حول اللبناني وينعزل فيها في زنازين انفرادية، بانتظار البنزين وبانتظار الخبز وأمام باب العيادة والصيدلية والمدرسة والجامعة.. وأمام باب البيت الذي يقف عنده كل رب وربة منزل متسائلين: “ماذا إن دخلت وسألني أطفالي عن الحلوى والعصير؟”. أبواب الزمن تتوقف أمام حسرات كبيرة، لا باب الفرج يفتح ولا باب الشقاء يغلق.

إن كل من يوصد بابا أمام الحل في لبنان إنما يوصد أبواباً على أصحاب بيوتها ويأسرهم دونما ذنب. الرجاء الوحيد أن تبقى أبواب التكافل مفتوحة بين الناس في الداخل والخارج.. كي لا يغلق الباب اللبناني بالشمع الأحمر.

شارك المقال