لقاحات كورونا: ما اجتمع اثنان إلا.. والتحذير ثالثهما

حسناء بو حرفوش

حالة من عدم اليقين تسود حول اللقاحات المعتمدة ضد فيروس كورونا مع تحذير منظمة الصحة العالمية، الاثنين، من “الاتجاه الخطير” الذي يمثله الجمع بين لقاحات مختلفة، خصوصاً وأن البيانات أو الأدلة المتاحة حول هذه العملية قليلة. وأعقب ذلك تحذير من المزيد من الفوضى في حال “بدأ المواطنون بتقرير متى ومن سيتناول جرعة ثانية وثالثة ورابعة”. وحاز هذا الجدل على اهتمام مواقع الصحافة الأجنبية ومنها “نيويورك تايمز” (nytimes) الأميركي و”تورونتو نيوز” (toronto.ctvnews) الكندي. وبينما سلط الأول الضوء على التأثيرات الجانبية التي شعر بها بعض من أخذوا جرعات لقاحات مختلفة، ركز الثاني على التباين في ردود الفعل إزاء توصية منظمة الصحة.

بين الحيرة وفرصة الحسم

ووفقاً لمقال “نيويورك تايمز”، “المثير للدهشة أن علامات الاستفهام تمحورت في بداية الجائحة حول إمكانية التوصل للقاح فعال ضد الفيروس، أما اليوم فالمعضلة تأتي من توفر لقاحات متعددة. ونظراً لعدم القدرة على التنبؤ بإمكانية توفير اللقاحات وبعض المخاوف حول خطر التخثر الخطير ولكن النادر للغاية لدى متلقي “أسترازينيكا”( AstraZeneca) ، أصدر مسؤولو الصحة العامة إرشادات جديدة حول خلط ومطابقة لقاحات كورونا المختلفة .

فقامت، على سبيل المثال، “اللجنة الاستشارية الوطنية للتحصين” بكندا في الآونة الأخيرة، بتحديث إرشاداتها معتبرة أن متلقي  لقاح “أسترازينيكا” ( AstraZeneca ) كجرعة أولى بامكانهم تلقي اللقاح نفسه كجرعة ثانية أو الحصول على جرعة متابعة من “فايزر” ( Pfizer-BioNTech) أو “موديرنا” ( Moderna ) بدلاً منه. كما أوصت اللجنة بإمكانية االحصول على لقاح Pfizer-BioNTech و Moderna بالتبادل كجرعتين أولى وثانية. ويأتي موقف منظمة الصحة بعدما حددت دول مثل فرنسا  وفنلندا والصين والبحرين السيناريوات المحتملة للجمع بين اللقاحات المختلفة. حتى إن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تمتلك إرشادات مؤقتة تعتبر فيها هذا الخلط من “المواقف الاستثنائية” المقبولة، مثل في حالة عدم توفر اللقاح نفسه. وفي حين أن هذا التوجيه قد يبدو محيرًا، خصوصاً وأن إرشادات اللقاح الأولية طلبت من الناس الحصول على نفس اللقاح لكلتا الجرعتين، فإنه يوفر فرصة لفهم سلامة استخدام اللقاحات غير المتطابقة، وقياس أي ميزة للخلط بين اللقاحات غير المتطابقة.

تجارب صغيرة: حمى وقشعريرة وصداع

واقترحت إحدى الدراسات الحديثة الصغيرة التي لم تتم مراجعتها بعد والتي أجريت على 26 شخصًا تلقوا جرعة AstraZeneca  تليها واحدة منPfizer-BioNTech ، بناءً على اختبارات الدم، أن أولئك الذين حصلوا على لقاحات غير متطابقة أظهروا على الأقل استجابة مناعية قوية تماماً على غرار الأشخاص الذين حصلوا على جرعتين متماثلتين من لقاح فايزر. كما استهلت المعاهد الوطنية للصحة مؤخرًا تجربة سريرية ستفحص آثار التركيبات المختلفة من لقاحات كورونا.

وفي بريطانيا، تجري بالفعل تجربة من هذا النوع، تشمل لقاحي AstraZeneca وPfizer-BioNTech، وقد أصدر العلماء الذين يقفون وراءها بيانات مبكرة عن الآثار الجانبية. وتوصلوا للمزيد من التقارير حول الحمى والقشعريرة والتعب والصداع بين الأشخاص الذين تلقوا جرعة مختلفة عن الجرعة الأصلية مقارنة بالأشخاص الذين تلقوا جرعات متطابقة. ويريد العلماء معرفة ما إذا كان ذلك يشير إلى أن الجهاز المناعي تعرض لتحفيز بشكل أكبر بواسطة اللقاح المختلف، ويمكنه تطوير حماية إضافية. ولا يزال من السابق لأوانه قول ذلك، ولكن من المتوقع المزيد من النتائج من التجربة هذا الشهر.

تقنية غير جديدة ولا داعي للخوف

وليست هذه هي المرة الأولى التي يحقق فيها العلماء في طريقة تبدو غير تقليدية لجرعات اللقاح، وهي ليست بالضرورة مدعاة للخوف (…) ويعرف هذا النهج بين العلماء باسم “التعزيز الأولي غير المتجانس”، ويعود اكتشافه إلى التجارب على القوارض لتطوير لقاحات ضد إيبولا (…) والسل وحتى السرطانات المرتبطة بفيروس إبشتاين بار. اختبر هذا النهج في التجارب على الفئران بحثاً عن فيروسات كورونا الأخرى في الماضي، مثل فيروس السارس الأصلي وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

(…) لماذا الخلط والمطابقة أصلاً؟ جزء من تفكير العلماء هو أن الجسم يتدرب، من خلال إعطاء لقاحات مختلفة تعرض الجهاز المناعي لأجزاء مختلفة من العامل الممرض بالتدريج، على التعرف إلى أجزاء مختلفة من الفيروس ويصبح أكثر فاعلية في الدفاع. ويتمثل خط منطقي بالقول إن استخدام أنواع مختلفة من اللقاحات يحفز عناصر مختلفة من جهاز المناعة (…) كل استجابات الجهاز المناعي مفيدة، وتنص نظرية العلماء على أن الجمع بينها قد يقدم فعالية أكبر من أي منهما على حدة. ومن ضمن المجالات التي يثير فيها نهج المزج والمطابقة أكبر قدر من الأمل هو مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، الذي يبحث فيه باحثو اللقاحات منذ عقود (…).

ومن الواضح أن العديد من لقاحات كورونا فعالة بشكل كبير من تلقاء نفسها ولا تحتاج إلى إقرانها بأنواع أخرى. لكن يجب على العلماء مراقبة نتائج تجارب المزج والمطابقة الجارية عن كثب لمعرفة ما إذا كانت الدراسات الكبيرة والمضبوطة جيداً تظهر أي إشارة لحماية أفضل. ومن شأن النتائج أن تساعد في تطوير لقاح لمسببات الأمراض الأخرى. وهذا ينطبق بشكل خاص على الفيروسات التي تتحور بسرعة أكبر من كورونا مثل فيروس نقص المناعة”.

جدل حول قرار الصحة العالمية

هذا وسلطت مواقع إعلامية أجنبية ردود فعل متباينة تعكس الجدل حول توصيات منظمة الصحة العالمية. ففي كندا مثلاً، نقل موقع “تورونتو” (toronto.ctvnews) عن بيان لوزارة الصحة الكندية أن “أونتاريو ستواصل خلط جرعات اللقاح (…) وتبقى صحة وسلامة سكان أونتاريو على رأس الأولويات” (…) وتقوم أونتاريو بخلط لقاحات كورونا لعدة أسابيع، بشكل يسمح بإعطاء لقاحات الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) بالتناوب. كما تسمح لأولئك الذين تلقوا AstraZeneca كجرعة أولى بالحصول على لقاح mRNA كجرعة ثانية. كما تعتبر “اللجنة الاستشارية الوطنية للتحصين” (NACI) أن الخلط في جرعات اللقاحات المعتمدة آمن وفعال.

المصادر:

NYTimes
CTV News

شارك المقال