ثورة دماء الشهداء… ورقة التوت سقطت عن المسؤولين

هيام طوق
هيام طوق

لم يكن أهالي شهداء المرفأ ينتظرون منح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون موافقة استثنائية باعتبار الرابع من آب، يوم حداد وطني، لأن كل حياتهم على مدى 365 يوماً في السنة، تحولت إلى حداد، حيث إن الانفجار شلّع قلوبهم، ووشّح نفوسهم بالسواد الدامي الذي لن ينجلي قبل معرفة الحقيقة في جريمة العصر.

الأهالي الذين يتنقلون في تحركاتهم من منزل مسؤول إلى آخر بعد أن اتضح لهم ولكل اللبنانيين أن المسؤولين محصنون “بقلة ضمير وقلة إنسانية” لأن حصانتهم النيابية سقطت أمام دماء الشهداء، وأمام ما ترتكبه القوى الأمنية من تنكيل بأم شهيد أو أخ أو أب، ذنبهم الوحيد الذي اقترفوه أنهم يريدون معرفة الحقيقة في انفجار أودى بحياة أغلى ما لديهم، فجُوبهوا بالضرب والقمع والقنابل المسيّلة للدموع، من قبل سلطة باتت ” فارة” من وجه العدالة بعدما رفضت المثول أمام القضاء. وهنا يستغرب أهالي الشهداء هذا الموقف، ويعتبرون أن المجرم بريء حتى تثبت إدانته. فلماذا إذا التخوف من المثول أمام القضاء للإدلاء بشهاداتهم؟

ولا يستغرب الأهالي أي موقف من السلطة، فرئيس الجمهورية بعد سنة من الانفجار يعطي الموافقة على اعتبار 4 آب يوم حداد وطني، معلقين على القرار بتهكم “كان يجب أن ينتظر 10 سنوات قبل اتخاذ القرار لأن الجريمة بسيطة ولم ينتج عنها لا خسائر بشرية ولا خسائر مادية. يعني ما في شي يحرز. يا عيب الشوم كم أن ثمن البلد وأهله رخيص بالنسبة للممسكين بالسلطة، لكن نعدهم أننا لن نكلّ ولن نملّ قبل أن نأخذ حق شهدائنا مهما كلفنا الأمر. أرادوها معركة في الشارع، فلتكن. نحن جاهزون، وإلى منازلهم وغرف نومهم ذاهبون. سنحوّل حياتهم إلى جحيم كما جعلونا نحترق بنار الخسارة. وما جرى أمام منزل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي ليس سوى عيّنة بسيطة عما سنقوم به في الآتي من الأيام في حال استمروا بتعنتهم وبمواقفهم السلبية من القضاء”.

وبعد كل ما جرى ويجري، يبدو أن فهمي وبحسب معلومات صحافية ليس بصدد إعادة النظر بقراره رفض استدعاء اللواء عباس ابراهيم أو التراجع عنه “باعتباره أمراً غير قانوني، أضف أنني اتخذت قراري عن قناعة تامة”. وهنا يسأل الأهالي: “نحن الموجوعين، ألا يحق لنا التوجه إلى منزل فهمي بعد أن فشل بإقناعنا بأسباب رفضه التجاوب مع طلبات المحقق العدلي ‏القاضي طارق بيطار؟ نحن نتهمه بالكذب علينا  بعد أن سقطت ورقة التوت عنهم، فكشفوا عن أنيابهم، وهم اليوم ينقضّون على فرائسهم بأبشع الطرق، فقمعونا بالقوة، وسقطت إصابات ‏وحالات اختناق في صفوفنا. وهل ما زلنا ننتظر عدالة تأتينا على طبق من فضة من هكذا مسؤولين؟”.

إهمال السلطة في التعاطي مع انفجار بهذا الحجم، ووضعهم العصي في دواليب العدالة، أكثر ما يحز في قلوب الأهالي الذين يعتبرون أن شهداءهم يموتون كل يوم ألف مرة، لذلك يحملون على أكتافهم نعوش الشهداء البيضاء الذين لن يرقدوا بسلام قبل معرفة الحقيقة كاملة، ولأن دماءهم لن تذهب هدراً بل ستروي الوطن على مساحة 10452 كلم2، حرية وعدالة ومساواة، وازدهار مرفأ أرادوا تحويله إلى محطة منكوبة، وعاصمة ستنبض على وقع حياة مليئة بالحب والفرح والسهر.

الأهالي مصرون اليوم أكثر من أي وقت مضى على الوقوف سداً منيعاً أمام السلطة الحاكمة في أخذ البلد إلى ما بعد جهنم، حيث إن تحركاتهم لم تعد تحركات مطلبية خاصة بأهالي الشهداء، بل ستكون ثورة لدماء الشهداء، وستتجلى هذه الصورة في يوم 4 آب المقبل حيث سينادي ثوار 17 تشرين وكل هيئات المجتمع الأهلي بصوت واحد: الحقيقة والعدالة لقيامة لبنان من بين الركام.

هذه السلطة نفسها التي حاولت جاهدة لتفريق أهالي الشهداء ودق اسفين الخصومة بينهم، لكنها لم تنجح لأن الأهالي اليوم موحدون، أقوياء، سيكملون المسيرة بيد واحدة كما يؤكد الناطق باسم لجنة أهالي شهداء انفجار ​المرفأ ابراهيم حطيط، وويليام نون، شقيق الضحية جو نون “لأننا سنواجههم بالقوة إن أرادوا أو باللين اذا مثلوا أمام القضاء، لكن نحن مصرون على أن لا نسمح لهذه السلطة بالتمادي بتصرفاتها غير المسؤولة التي أوصلت البلد إلى أسوأ حالة. بعد اليوم نقول لهم: كفى لأنه إما نكون أو لا نكون”.

ويتحدث الأهالي بحسرة عن تعامل الطبقة الحاكمة معهم، ويستذكرون كيف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار المرفأ، وحاول أن يقف على خاطر الأهالي، لكن المسؤولين في لبنان لم يكلفوا أنفسهم بكلمة طيبة تجبر خاطر الأهالي الذين يسألون: ما نفع يوم الحداد الوطني، والكل متواطئ في عرقلة العدالة؟ وما نفع تصريحات كل الأطراف التي تطالب بإحقاق الحق وكشف ملابسات التفجير، ومحاسبة المسؤولين، وأن لا غطاء سياسياً لأي مقصر أو مرتكب، وما نراه على أرض الواقع مغاير تماماً للتصريحات والمواقف؟.

واذا كان المسؤولون في واد وأهالي الشهداء وكل اللبنانيين في وادٍ آخر، فيبدو أن فرنسا “الأم الحنون” التي تحضّر لعقد مؤتمر المساعدات الإنسانية الذي سيرأسه ماكرون يوم 4 آب في ذكرى مرور سنة على انفجار مرفأ بيروت بدلاً من 20 تموز الموعد الذي كان مقرراً، مهتمة أكثر من المسؤولين اللبنانيين في محاولة لمساندة الشعب اللبناني في مثل هذا  اليوم بالذات الذي شهد على خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

وتبقى صرخة الأهالي الذين يشعرون أنهم يكافحون في معركتهم التي تحولت إلى معركة ضد من يجب أن يكونوا أول المدافعين عن الحق “اتّقوا الله والبشر لأن مرحلة التحرك السلمي انتهت، وغدا لناظره قريب”.

شارك المقال