مستشفى سبلين مهدد بالإقفال

تالا الحريري

“كل مدخول للمستشفى توقف”، هكذا عبر أحد موظفي مستشفى سبلين الحكومي عن واقع الأزمة التي قد تتسبب في إقفال هذا المستشفى الحكومي الذي يعتبر متنفس أهل الإقليم والجبل، والذي عرف بسمعته الجيدة في مداواة المرضى، وفي إجراء عمليات جراحية ناجحة، وفي إدارة أزمة كورونا بما يحفظ صحة الأهالي وإنقاذ المصابين عبر فريق طبي لم يتأخر في السهر والمتابعة والعطاء رغم قساوة الظروف.

منذ أيام صدر بيان عن  مستخدمي مستشفى سبلين الحكومي، يوضح عجزه المالي وعدم قدرته على تصليح المعدات أو حتى إعطاء رواتب للموظفين، وقد أورد البيان مطالب لإبقاء قدرة المستشفى على الاستمرار، ألا وهي تأمين مساهمة مادية من وزارة الصحة قدرها 3 مليارات ليرة لتغطية الخسائر الناجمة عن مواجهة فيروس كورونا وغلاء الأسعار، وتأمين سلفة غلاء معيشة للعاملين في المستشفى لا تقل عن 50% من الراتب كي يتسنى للمستخدم تأمين أبسط ضرورات الحياة، وتأمين بدل نقل إضافي لجميع العاملين لا يقل عن 24000 ل.ل عن كل يوم عمل، مع استثناء العاملين في المستشفيات الحكومية من الوقوف في طوابير المحطات. كما دعا إلى الإسراع بإقرار مشروع قانون ضم المستخدمين في المستشفيات الحكومية إلى الإدارات العامة.

مستشفى سبلين يشهد اليوم تدهوراً حادّاً، فهو لم يعد باستطاعته توفير الخدمات الطبية، فكان الحل الوحيد أمام طاقم المستشفى التوقف عن استقبال الناس لعلّ وزارة الصحة تستجيب، وإلا لن تتحمل الإدارة مسؤولية المرضى في ظل الشح من كل مستلزماتها.

سيف الدين: هناك استنزاف مالي

ويشرح مدير مستشفى سبلين الحكومي الدكتور ربيع سيف الدين لــ”لبنان الكبير” واقع المعاناة بالقول: “الأزمات بدأت تتراكم، وهناك استنزاف مالي جراء رفع الدولار، وكمستشفى حكومي لا يمكنني رفع الأسعار مثل المستشفيات الخاصة.”

ويعطي مثالاً على ذلك “الفحص مثلاً الذي كان يكلف 5$ يعني 7500، لم يكن يعني لنا هذا المبلغ، أحياناً كنّا نعطي الفحص للمريض مجاناً، اليوم الـــ 5$ تساوي 100 ألف ليرة.”

الدكتور ربيع سيف الدين
الدكتور ربيع سيف الدين مدير مستشفى سبلين

وعن البيان الصادر عن المستشفى، قال سيف الدين: “هذا البيان صادر عن الموظفين، وأنا كأي مدير يجب أن يكون مع حقوق موظفيه، لا علاقة إذا كنت موافقاً أو لا، لكن في النهاية لا يمكنني أن أقف في وجه موظف يطالب بحقوقه.”

أمّا عن قرار التسكير بشكل تام، إذا لم تستجب وزارة الصحة، يجيب: “إن شاء الله هناك استمرار بوجود المعنيين  والداعمين للمستشفى، ولنرَ ماذا سيحصل من وراء وقفة الموظفين”، موضحاً “أحاول أن أجد حلولاً، في النهاية هذا مستشفى، يعني الموظفون لهم حقوقهم، لكن لا يمكننا التسكير في وجه المواطن أيضاً.”

مطابقةً لكلام سيف الدين، الموظفون متضررون لكن المواطن أكثر تضرراً، فمستشفى سبلين يشمل عمله إقليم الخروب والشوف وحتى صيدا وجوارها، وبالتالي فإن توقفه عن العمل يعد كارثة على المواطنين، لا سيما الفقراء منهم الذين يعالجون فيه كونه مستشفى حكومياً زهيد التكاليف.

يونس: عيب وحرام إقفال المستشفى

ولرئيس بلدية سبلين محمد يونس موقف واضح يحذر فيه من الإقفال، إذ يقول: “المستشفى استقبل القريب والبعيد، مستشفى سبلين هو لعامة الناس ويأتي إليه مرضى من كل المناطق، ليس فقط من إقليم الخروب. فمن العيب والحرام أن يقفل، لا يوجد مستشفيات أخرى في الإقليم لديها قدرة وفاعلية مثل مستشفى سبلين الحكومي من حيث المساحة وعدد الأسرّة والطاقم الطبي.”

ويلفت إلى أنه كان هناك مساعدات من وزارة الصحة من قبل، “وزير الصحة حمد حسن كان لديه عدة زيارات مع فريقه من الوزارة يُشكر عليها. وأيضاً رئيس حزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قدّم مساعدة مادية ومعنوية، وساهم في دعم المستشفى في لقاح فايزر، وهناك جهات سياسية ورجال أعمال في إقليم الخروب وقفوا إلى جانب هذا المستشفى. ونحن كبلدية وبلديات الإقليم كافة، ما زلنا وسنبقى إلى جانب هذا المستشفى لأن المنطقة بحاجة ماسة إليه”.

ووجه يونس نداء عبر “لبنان الكبير” إلى كل الجهات المعنية لانتشال المستشفى من هذه الأزمة، متمنياً “من الجهات والمراجع الرسمية وخاصة وزارة الصحة، الذين لديهم كل المعلومات عن مدى أهمية مستشفى سبلين، المساعدة”.

مصادر لــ”لبنان الكبير”: لا بنزين ولا رواتب

وقد أفادت مصادر عديدة لـــ”لبنان الكبير” من داخل مستشفى سبلين الحكومي أنّ المستشفى سيغلق أبوابه اليوم الخميس وسيكون هناك احتجاج للموظفين لتحصيل حقوقهم .

وتشرح هذه المصادر الوضع، فتشير الى إنه “في الوقت الذي فُتح فيه قسم كورونا في ظل أزمة الفيروس، تم استهلاك كل شيء في المستشفى من معدات وأوكسجين وغيره، الوزارة لم تكن تؤمن بديلاً. الآن لم يعد هناك مال لإصلاح المعدات حتى ولم يعد هناك رواتب للموظفين. راتب هذا الشهر ما زال غير كامل وربما لن يكون هناك راتب.”

وحسب بيان العاملين في المستشفى فإن وزارة الصحة مطالبة بتسديد مبلغ الــ 3 مليارات دولار حتى يستطيعوا الوقوف على أقدامهم، والوزارة أصبح عندها علم بالبيان “الأسعار كلها تزداد والعمل يخف كل يوم، فالمستشفى يحتاج إلى 8 ملايين ليرة لشراء المازوت للمولدات يومياً، هذا كلّه أين سيذهب؟”.

أمّا عن كورونا التي استنزفت كل ما في المستشفى وكانت السبب الأكبر في وصوله الى هذه الحالة، تقول المصادر: “حاربنا كورونا بشكل رهيب وكما يُقال حاربنا “باللحم الحي”، وفي النهاية اليوم نحن غير قادرين على الإكمال، كل الأقسام مقفلة. والمستشفيات الحكومية كلّها على نفس خطى مستشفى سبلين”.

وتشير المصادر الى أنّ مستشفى سبلين كان من أكثر المستشفيات الناجحة مالياً حتى سنة 2020. “فعندما بدأت أزمة الدولار، بدأ العد العكسي وأصبحنا نشتري على سعر 3900، الآن لم يعد هناك شيء مدعوماً، أصبحنا ندفع 240 مليون ليرة شهرياً للمازوت فقط وغيره من المصاريف الكثيرة. هذا الواقع أدى إلى استهلاك كل شيء في المستشفى.”

وتتفق هذا المصادر مع قول مدير المستشفى: “التحرك الآن هو تحرك موظفين وليس ادارة”.

واقع الحال غير مبشر

يمكننا القول إنّ الموظفين لم يعد بمقدورهم الاستمرار، “فالموظف يقف 4-5 ساعات على المحطة حتى يذهب إلى عمله مهما كان هذا العمل، بالإضافة إلى سعر البنزين الآن الذي أصبح يكلّف ضعف راتبه. ويتقاضى الموظف في المستشفى مليون و200 ألف ليرة شهرياً، إذا كانت ابنته في الجامعة وتحتاج 50 ألف مواصلات يومياً، فيعني أنّ راتبه طار على مواصلات ابنته فقط”.

وتؤكد مصادر الموظفين: “نحن مستمرون بالإضراب حتى يجدوا لنا حلاً، المستشفى لم يعد فيه أموال، في النهاية الموظف يريد ان يُطعم عائلته وأغلب الموظفين راتبهم تحت مليون و500 ألف ليرة”.

وتحدثت لنا المصادر عن عدم قدرة وصول الموظفين بسبب أزمة البنزين ومشكلة الرواتب، لافتة إلى أن “الموظفين لن يكون عندهم عيد لأنّ راتبهم غير كامل “عيد ما رح يعيدوا أقله يقبضوا”.

وبحسب بيان مستخدمي المستشفى فإنّ “السكانر تعطلت وتكلف 600 مليون ليرة، فعند سؤال هذا المصدر، قال: “هذا المبلغ غير موجود، ثلاثة أرباع الفحوصات والمختبرات غير متوفرة في لبنان كلّه وليس في مستشفى سبلين فقط، وأساساً إذا بكرا انقطع موتور الكهرباء وهناك مرضى من يتحمل المسؤولية؟”.

هناك إجماع شبه تام على أن أزمة البنزين تعيق وصول الموظفين إلى عملهم وباتت تستنفد رواتب الموظفين، بالإضافة إلى أزمة الكهرباء وغلاء المازوت وعدم قدرة المستشفى على تغطية كل ذلك،  والكرة الآن في ملعب وزارة  الصحة لعلّها تستجيب لتنقذ واحدة من أهم المستشفيات الحكومية في لبنان.

شارك المقال