“هذا ليس لبناننا”…آمال معلّقة بحقائب المسافرين

نسرين قمورية

من تركيا وكندا وفرنسا ودول الخليج الى لبنان، حقائب محمّلة بآمال اللبنانيين الذين وقعوا ضحيّة اختفاء الادويّة من على رفوف الصيدليات. حقائب السفر لعام 2021 ليست كغيرها، تطلّ هذه السنة بحلّتها الجديدة، مودّعة الهدايا على اشكالها، ومرحبة بأعداد هائلة من عبوات الدواء لتنقذ آلاف الارواح التي أضعفها الوضع المأساوي في لبنان وأهلكها المماطلة في تأمين الدواء والاستشفاء.

“يا ريت جبت أكثر!”، هذا ما قاله ياسر الذي وصل الى بيروت من الامارات العربيّة المتّحدة محمّلًا بعبوات الادوية وحليب للاطفال تخطّت كلفتها الالف دولار، ليوزعها على أهله وأصدقائه الذين لم يجدوا لمرضهم أيّ دواء. استقبله الاقارب ورحّب به الاصدقاء وهلّل الحاضرون للكنوز المفقودة ” حملت معي ما استطعت تأمينه من أدوية للضغط والسكري والاعصاب والسرطان، وعمدت على ايصال عبوات الحليب لاطفال حرموا من أبسط حقوقهم في لبنان!”. يكمل بغصّة :” هذا ليس لبناننا…أعيدوه لنا”.

استقبل اللبنانيون عام 2021 برحابة صدر، علّها تكون سنة التصدي للازمات والتغلّب على الصعوبات، إلاّ انّها بيّنت العكس. يحاول اللبنانييون عبثا البحث عن أدويتهم في صيدليات أصبحت رفوفها شبه فارغة.

ليس ياسر وحده على هذا الدرب، فصديقه أحمد حمل معه من تركيا “تشكيلة” واسعة من الادوية، وزّعها على أربعة ركّاب مسافرين، تقدّر قيمتها بألفين دولار وعددها يقارب المئة علبة! ” الوضع في لبنان غير طبيعي، وهذا واجبنا أن نقف الى جانب أهلنا”. موضحا :” تلقيت اتصالات عدّة من لبنان لتأمين أدوية أمراض القلب والجهاز التنفسي والسرطان، فما هذا الاذلال المخيف؟”.

تروي ميرا قصّتها في البحث الذي دام أيّام عدّة لتأمين دواء لوالدها الذي يعاني من مرض السرطان “غير مقبول ما يحصل، مستعدّة لدفع ما يطلبه الناس لاحصل على الدواء! والدي في خطر، وهو بحاجة ملحّة له”. استنجدت ميرا بأخيها في فرنسا، طالبة من أصدقائها ان يمدّوها بأسماء الادوية التي يحتاجونها لتأمينها، مضيفة ” أفكّر بجميع اللبنانيين لاننا جميعنا على هذا الحال.”

حالة من الغضب تعمّ اللبنانيين

“الله لا يسامح كل حدا وصلنا لهون”، تعالت صرخات روّاد مواقع التواصل الاجتماعي عن الازمة الخانقة التي يعاني منها لبنان خصوصا في قضيّة اختفاء الادويّة، أطلقوا هاشتاغ “#ثورة_الدواء” لتتصدر “الترندات”. راح كلّ يفجّرغضبه على دولة عليها السلام، والبعض الاخر يطلب تأمين ما تيسّر من عبوات دواء لانقاذ روحا أبت الاستسلام.

وعلى مقلب آخر، تناقل بعض المسافرين خبر سرقة الادوية من حقائبهم في مطار رفيق الحريري الدولي، والبعض الاخر يقول أن أمتعتهم جاءت جميعها “سليمة”. وردّا على كل ما يتم تداوله، أفاد رئيس المطار المهندس فادي الحسن “لبنان الكبير” أنّ حقائب السفر تنقل من ساحة الطائرات عبر جرارات الحقائب لاماكنها المخصصة وجميعها مجهزّة “بكاميرات المراقبة”، مؤكّدا في حديثه أنّ كلّ مطارات العالم معرّضة لهذه التجاوزات ” ما في ولا مطار ما بصير فيه هيك”. ختم برسالة لمطلقي الشائعات عبر منبر “لبنان الكبير”:” أي مسافر يتعرّض لهذه الحوادث، فليتقدّم الى المطار ويبلّغ عن ما فقده، ونحن مستعدون مع ادارة المطار والاجهزة الامنية لفتح الكاميرات ومراقبة العملية والتأكّد من صحّة الاختفاء، وما بفل من عنا حدا زعلان”.

بين الحقيقة والشائعات، مواطنون يعانون يوميّا وصرخة الاهالي تبكي الحجر والدولة لا تحرّك ساكنا.

“نفس بيروت” مبادرات اللبنانيين

“كلّنا مسؤول، كلّنا شركاء في هذه الازمة”، انطلقت مبادرات فردية وجماعيّة للبنانيين وجدوا أنّ من واجبهم التحرّك في محاولة للتخفيف عن بعضهم. نشرت السيّدة محسن عبر صفحتها على “فايسبوك”منشورا تقدّم فيه المساعدة في توفير الادوية من تركيا ” يتصل بي يوميا ما يقارب ال40 شخصا، وأعمل على تأمين حاجاتهم”. تتنوع الادوية التي يتم طلبها وليست جميعها متاحة ” لكننا نحاول قدر المستطاع”. كلفة الخدمة من تركيا الى بيروت تتراوح بين 1$ و3$ لايّ دواء بحسب وزنه على الطائرة. والامرعينه تقوم به دوللي، التي تعمل بمكتب للسفريات، تحاول الاتصال بالقادمين من كندا وفرنسا لتوفير ما تيسّر من أدوية القلب والمسكنات ” والملاحظ الطلب الكثيف لمضادات الاكتئاب”.

لا تفرٌق أزمة الدواء في لبنان بين فقير وغني، ولا طفل وعجوز، تصيب الجميع وتهدد حياتهم. مبادرة فرديّة لشابة لبنانيّة تدعى مارينا خوند رفضت الواقع اللبناني الاليم، انضم اليها 6 طالبات جامعيات يعملن لجمع التبرعات من الادوية في لبنان والخارج لتصل الى مستحقيها تحت اسم “Medonations”. تقول خوند ل “لبنان الكبير”:” بدأنا مباشرة بعد انفجار بيروت، إلاّ اننا اليوم في أزمة غير مسبوقة في البلاد، وهذه رسالة الهيّة لنا لمتابعة عملنا والوصول الى من لا صوت له !”.

الدولة اللبنانيّة غائبة عن مواطنيها واللبنانيّيون سند بعضهم، مضيفة ” استهدفنا ما يقارب 2000 عائلة حتى الآن والاعداد مازالت هائلة، نحن بحاجة لأي دعم محلّي وخارجي لاكمال رسالتنا”. من حملة ” دواء بيروت” و ” نفس بيروت”، تسقبل الطالبات يوميا ما يقارب 50 طلبا، يتم الكشف عن الوصفة الطبيّة للمستفيدين وتوزيع ما توفر من الادوية عليهم في أسرع وقت ممكن، ” هناك طاقة صادمة ايجابية من قبل المغتربين اللبنانيين الذين يعملون بكل جهد لمساندة أهلهم”. ختمت قائلة:” عم نخفف عن بعضنا كثير، بس بعد بدنا كثير لنحلّ الازمة بلبنان”.

فهل الدولة اللبنانيّة على علم بمعاناة شعبها؟ والى متى والمماطلة في تأمين الادوية وحلّ الازمة؟

شارك المقال