من تداعيات الأزمة… زواج من دون ذهب

إسراء ديب
إسراء ديب

إنعكست الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة على مظاهر الزواج في لبنان، وبات استبدال الذهب بأيّ معدن آخر بقيمة أقل، من أبرز الخطوات المتاحة التي تُخفّف من الأعباء التي تفرضها طقوس وأساليب الارتباط الرسمي المعروفة في مجتمعاتنا العربية بشكلٍ عام.

ويشهد سوق الذهب والصاغة في طرابلس كذلك في مناطق لبنانية مختلفة، تراجعًا في الإقبال والشراء بسبب الأرقام الاقتصادية الكارثية والضخمة والتي تشهد على تراجع كلّ القطاعات وانهيارها بعد سنوات من العطاء، كما يُواجه هذا السوق ظاهرة جديدة ازدادت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي ألقت بثقلها على الشباب، وهي عزوف عدد كبير منهم عن شراء الذهب لاستبداله بمعادن أخرى.

وقد يكون استبدال الذهب باللجوء إلى الفضة، أو الذهب البرازيلي… من الخطوات المرفوضة عند الكثير من العائلات التي ترى أنّه يُهين الفتاة ويُخفّف من قيمتها أمام زوجها المستقبلي وأهله، بينما تُعدّ عند عائلات أو ثنائيات أخرى من الخطوات التي تُسهل الزواج وتُخفّف من الضغوط الاقتصادية التي يُواجهها حاليًا معظم الشباب في مرحلة ما قبل الزواج، وما بعده أيضًا.

زواج بلا ذهب

يتخذ أمجد (32 عامًا) وهو من الزاهرية- طرابلس قرارًا مشتركًا مع خطيبته بضرورة شراء ذهب برازيلي، بدلًا من الذهب الأصلي بمناسبة قرب حلول زواجهما الذي يفترض أن يكون الشهر المقبل.

وحاول أمجد كثيرًا شراء الذهب للفتاة التي يحبّ من خلال عمله في أحد المتاجر التي أقفلت بعد ثورة 17 تشرين، ومحاولة منه للبحث عن عمل مناسب، انتقل أمجد من مكان إلى آخر سعيًا لتأمين مستلزمات الزواج الرئيسة، وبعد عجزه عن شراء الذهب نتيجة عدم الاستقرار المهني وتراجع قيمة الأجور، لم يكن بوسعه القيام إلّا بشراء الذهب البرازيلي “الفالصو”.

اللجوء إلى الفضة

وبسبب ارتفاع سعر الذهب، قرّر أحمد شراء الفضة بدلًا من الذهب تحضيرًا لخطبته قريبًا، ويقول: “لقد واجهت مشكلات كثيرة مع أهل الفتاة التي أريد بسبب خشيتهم من نظرة المجتمع لهم ولابنتهم، ولكنّهم كانوا يشعرون بي وبمعاناتي، فبدلًا من شراء الذهب سيكون من الأفضل وضع هذه المبالغ الطائلة في أهداف مفيدة لنا كثنائي مقبل على الزواج في وقتٍ قريب بلا سند أو معين لي”، مضيفًا: “صحيح أنّها تعمل أيضًا، ولكن أجورنا تكاد لا تكفي بسبب الغلاء المعيشي الذي نعيش فيه، وبعد اتخاذنا هذا القرار لم نشعر بالندم على الإطلاق أو بالنقص، فما قمنا به خطوة جديدة وإيجابية للتأكيد على أنّ الحياة ستُكمل رغم الصعوبات كما للتشديد على أنّ الحبّ لا يتوقف أو تختل موازينه بعد هذه الأزمات”.

المغتربون غائبون

في جولة لـ”لبنان الكبير” على سوق الذهب في طرابلس، لرصد الحركة في هذا السوق الذي كان يشهد في سنوات سابقة إقبالًا كبيرًا لا سيما في فصل الصيف بسبب كثرة المناسبات الاجتماعية من جهة، وحضور المغتربين إلى هذه الساحة من جهة ثانية، وجدنا تراجعًا في الإقبال بشكلٍ واضح.

ويقول رئيس نقابة صائغي وجوهريي طرابلس والشمال خالد النمل لـ”لبنان الكبير”: “مع اندلاع الثورة وظهور وباء كورونا وانتشاره، تراجعت حركة السوق وباتت ضعيفة للغاية، وجاءت أزمة الدولار وارتفاعه مع تراجع القدرة الشرائية لتزيد من تراجع هذه الحركة التي بات من الواضح تأثيرها على الناس وإقبالهم على شراء الذهب بشكلٍ عام”.

ويُبدي النمل خشيته من الانتشار السريع لوباء كورونا، معتبرًا أنّ “السوق كان قد أقفل حين فرضت القوى الرسمية والصحية الإقفال العام للمرافق المختلفة في البلاد”، ومشدّدًا على “التزام السوق من جديد بالإقفال المرتقب عند إقراره بسبب الخوف من التعامل مع الزبائن في ظلّ انتشار هذا الوباء، ما يؤثر أيضًا بشكلٍ مباشر على إقبال الزبائن على السوق”.

أمّا عن المغتربين الذين كانوا يشترون كمّيات كبيرة من المجوهرات من هذا السوق، لا سيما أولئك القادمين من أستراليا، فيُشدّد على أنّ “هذا الموسم كان متراجعًا للغاية وأنّه لم يشهد على وجود المغتربين الذين كانوا ينعشون السوق الذي يحتاج مثله مثل أيّ مرفق أو ميدان اقتصادي إلى مساعدة المغتربين”.

ومع لجوء بعض الزبائن إلى الإكسسوارات “الفوبيجو”، يُضيف النمل: “يقوم بعض الشبان بشرائها بسبب الأزمة الاقتصادية، ولكن ليس خافيًا أنّ لا قيمة جوهرية لهذه المعادن أيًا تكن، فحين نشتري الذهب ندرك تمامًا أنّنا سنربح عند الشراء والمبيع على حدّ سواء، أمّا المعادن الأخرى فلا قيمة لها عند البيع”.

ولا يُخفي إقبال بعض الثنائيات لشراء الذهب، ويقول: “يقومون باختيار أرخص أنواع الذهب كالمحبس الذي يُكلّفهم حوالي 100 دولار أميركي، أمّا بعض الزبائن فيقوم 70 بالمائة منهم ببيع مقتنياتهم من الذهب مؤخرًا للربح بالليرة اللبنانية”.

شارك المقال