أهل البقاع يترحّمون على “مونة” أيام زمان

راما الجراح

المونة اللبنانية حاجة أساسية وتقليد في منطقة البقاع اعتادت عليه العائلات سنوياً. فلا يحل الشتاء في هذه المنطقة من دون الكشك والكبيس والمربيات على أنواعها، فيتم تحضيرها وتخزينها في كل موسم، وبالرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، إلا أن هذه العادات لا يمكن تجاهلها اليوم ولو بكميات أقل.

“شغل البيت” لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصاً في هذه الأيام، حيث أصبح التاجر فيه فاسداً أكثر من السياسي”، تقول ربة المنزل آمنة من منطقة البقاع الغربي وتتساءل “كيف لنا أن نثق بأي مأكولات أو مونة جاهزة، وكل يوم نسمع عن حالات تسمم، بالإضافة إلى المواد الغذائية التي تنتهي صلاحيتها ويجددون تاريخها بهدف بيعها فقط، الوضع خطير جداً ولو أصبح كيلو الملوخية ٣ أضعاف سعره ولكنني أضمن أنني أتناول وعائلتي طعاماً صحياً بغنى عن شراء أكياس الملوخية الجاهزة من المحال التجارية وما شابه”.

قيمة الغذاء في مونة المنزل

القيمة الغذائية الموجودة في أصناف المونة المعدة في المنازل عالية جداً وخالية من أي مواد حافظة وتعتبر البديل لكل المعلبات وما تحمله من مواد ضارة بالصحة، من المربيات المالحة والحلوة، إلى العدس والبرغل والملوخية والفاصوليا وشراب البندورة والمخللات وغيرها من الوصفات والمأكولات التي يمكننا حفظها لمدة من الزمن دون أن نفقد نكهتها.

وتقول إخصائية التغذية نبيلة الميس لــ”لبنان الكبير”: “من حيث التكلفة، مونة البيت اليوم لم تعد تعتبر أرخص بكثير من أي مواد أو مأكولات جاهزة، فاللبن والحليب أصبحا بأسعار عالية، مثلا إذا أرادت ربة المنزل تحضير الكشك في المنزل. ولكن من الناحية الصحية، لا شك أن مونة المنزل أضمن من حيث النظافة والجودة، بالإضافة إلى أن المكونات تستطيع ربة المنزل أن تتحكم بها، فالمعلبات أو مرطبان الكبيس الجاهز أو المربيات جميعها تحتوي على مادة الصوديوم بنسب عالية، وتحتوي على نسبة دهون عالية حتى تصبح مدة صلاحيتها أطول وهذه المواد بالطبع تؤثر سلباً على صحة الإنسان وبالأخص الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري وغيرهما”.

وتشرح: “اللبن الجاهز الموجود في الأسواق يحتوي على نسبة قليلة جداً من البكتيريا الصحية التي تدعى “probiotic” مقارنة مع اللبن صنع المنزل، فعندما نقوم بصنع المونة في المنزل نكون قد حافظنا على قيمتها الغذائية وعلى فوائدها ونكون قد ابتعدنا عن جميع الإضافات غير الصحية الموجودة في المواد الجاهزة التي تفقد بالأساس قيمتها من الفيتامينات والمعادن على مر الوقت”.

“النملية” موجودة

منزل السيدة أم محمد في البقاع الأوسط يحتوي على “نملية” وهي عبارة عن خزانة تحفظ فيها مونة الشتاء، تقوم بتحضير مربيات وكشك ومكدوس وبيعها بأسعار مقبولة للناس، وفي الوقت نفسه تقدم استشارات مجانية للنساء عن أي نوع مونة تود إحداهن تحضيره في منزلها، تقول لنا: “العديد من النسوة في منطقة البقاع لا يستطعن الاستغناء عن تحضير أصناف من المونة، إن كان من ناحية الطعام الصحي أو من ناحية العادات التي اعتدناها أو من ناحية التوفير المادي، فأغلب العائلات في البقاع تتألف أفرادها من ٦ أشخاص وما فوق، لذلك تهتم النساء بتحضير المونة في منطقتنا لما فيها من وفرة وصحة”.

الغلاء حاجز أمام مونة هذا العام

أما الحاجة زهراء من الهرمل فتقول: “هذه الأيام هي لتحضير مونة الكشك، ولكن في ظل الظروف الاقتصادية التي تحكمنا لن نستطيع هذا العام تحضير كمية كبيرة منه، فـ”رطل الكشك” (أي ما يساوي ٢ كيلو ونصف) كان سعره ٧٥ ألف ل. ل بينما كيلو الكشك اليوم تخطى الـ ٢٠٠ ألف في أسوأ الأحوال. وهذا الفرق كبير وعبئه أكبر علينا في ظل الارتفاع الجنوني للدولار”.

بدوره يؤكد صاحب محل للخضار والفواكه في بلدة المرج البقاعية أن “نسبة النساء اللواتي اعتدت على طلباتهن الكبيرة من خيار للمكدوس وملوخية وبامية ولوبية لتيبيسها لفصل الشتاء والاستفادة من نكهتها اللذيذة تراجعت بشكل كبير جداً، فكيلو الخيار الذي كان سعره  ألفي ل.ل أصبح اليوم يساوي ٩ آلاف ل.ل وكيلو الملوخية الذي لم يكن يتخطى سعره الـ ٥ آلاف ل.ل أصبح اليوم يساوي 30 ألف ل.ل، بمعنى أن الأرقام أصبحت خيالية مقارنة بالسابق وازدادت حوالي ٣ أضعاف السعر الأصلي”.

مصدر غذائي صحي خالٍ من المواد الحافظة، وعادات متوراثة، هل سيتخلى عنها البقاعيون في ظل ظروف البلاد الصعبة؟ وهل ستفرض هذه الظروف عادات جديدة على اللبنانيين لم يعتادوها من قبل؟

شارك المقال