المولدات في لبنان على خطى الكهرباء والمازوت غائب

تالا الحريري

كل الوعود منذ ثلاثين سنة حتى اليوم بتأمين الكهرباء، باءت بالفشل. كل سنة تتكرر نفس الوعود بتأمين الكهرباء 24 ساعة، وفي الآخر نرى أصحاب المولدات يركضون لتأمين المازوت وتشغيل المولدات لأنّ كهرباء الدولة لا تتوفر سوى لساعة واحدة. يستنزف القطاع الكهربائي حوالي ملياري دولار، ومع ذلك تبقى الدولة عاجزة عن تأمين الكهرباء، بينما يتوجه المواطنون دائماً إلى اتهام المسؤولين الذين يستغلون موارد الدولة لتحقيق مكاسبهم الشخصية.

هذه ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان انقطاعاً كهربائياً بشكل تام، لكن اليوم حتى المولدات الكهربائية التي دائماً كانت بديلاً عن الكهرباء لم تعد متوفرة. لقد أصبحت تكلفة الاشتراك بالمولد الكهربائي تحتاج راتباً كاملاً.

سعادة: هذا دمار.. هذا انتحار!

“عالجوا الموضوع ما بصير هيك، هذا دمار” هذه كانت صرخة رئيس تجمّع أصحاب المولدات عبدو سعادة على موضوع المولدات الكهربائية وارتفاع سعر الاشتراك. ويقول سعادة لـ”لبنان الكبير”: “طالما رُفع الدعم عن المازوت، فنحن نحذّر أن 5 أمبير ستصبح بمليون ليرة، في السابق رفضنا أن يرتفع المازوت إلى 30 ألف ليرة لأن الفاتورة ستصبح 500 ألف ليرة، ما حدا صدقنا وما حدا رد حتى وصلنا لهذا الوضع الشهر الماضي.”

ويشرح سعادة عن سبب هذا الارتفاع بسعر المازوت:

“المازوت أصبح على سعر صرف 3900، إذا على الـ30 ألفاً أصبح الاشتراك 500 ألف ليرة، فعلى 60 ألفاً سيصبح مليون ليرة، ما عم نلاقي مازوت عم نركض من هون ومن هون لحتى نعبّي مازوت.”

وردّاً على ما يقوله الناس شدّد سعادة على أن اتهام أصحاب المولدات وتحميلهم المسؤولية باطل “أصحاب المولدات ليس لهم علاقة بالتسعيرة، وزارة الطاقة هي من تضع التسعيرة، نحن من أشهر عديدة نطلق الصرخة ولا أحد يسمع، بتحكي مع وزارة الطاقة بصيروا يرموا الاتهامات على بعضهم، فلم نعد نعرف من المتهم.”

أمّا عن سياسة التقنين التي صارت تُعتمد لـ6 و10 ساعات في النهار، للمحافظة على المازوت والمولدات الكهربائية، يقول سعادة: “التقنين يتم تطبيقه تقريباً في أغلب مناطق لبنان، وهناك جزء بسيط ما زال قادراً على تأمين المازوت، التقنين رحمة للناس لأن حتى إذا كان المازوت متوفراً، تعبئة التنكة إذا أصبحت بـ60 ألفاً، ستكون تسعيرة الاشتراك عالية.”

ويضيف:”نحن طالبنا سابقاً أن يستلم الجهاز الأمني المازوت، ويقوم بتوزيعه بشكل عادل على كافة أصحاب المولدات والناس والمستشفيات وغيره.”

وقد توجّه سابقاً للمسؤولين بالطلب إليهم إيجاد حلّ، لأنّ هذا القطاع ذاهب نحو الفشل، إذا لم تتم معالجة هذه الأمور، فهم غير قادرين على تعبئة المازوت ولا يقبضون. أمّا اليوم فيتوجّه إلى الناس بالقول: “نحن عم نطلع ندافع عنا وعنكم ونقوم بتحذير المسؤولين من أن الفاتورة ستصل إلى مليون ليرة إذا لم يعالجوا الموضوع، نحن غير فرحين بإعلان هذا الخبر، ونحن لا نسعّر ومهما ارتفعت التسعيرة، نحن لا نستفيد منها لأنّ أرباحنا محدودة من وزارة الطاقة.”

المواطنون وصلوا إلى آخر مراحل الذل

وبالحديث مع أحد السكان في منطقة طريق الجديدة، أفاد الشاب مصطفى “لبنان الكبير”: نحن كنّا مشتركين 5 أمبير، ولكن في ظل هذا الوضع والغلاء، لم نعد قادرين على دفع اشتراك 5 أمبير لأنّه أصبح غالياً جداً، وفي الوقت نفسه لا يمكننا أن نوقف اشتراكنا بالمولدات، فلا يمكننا العيش على العتمة خاصّةً أن كهرباء الدولة تأتي لمدة ساعة كحد أقصى. اضطررنا أن نشترك الآن 3 أمبير، فقد كانت الـ5 أمبير ب120 ألف ليرة، اليوم أصبح الأمبير الواحد بـ120 ألفاً”.

وتأكيداً على كلام مصطفى، نرى أن أصحاب المولدات يحاولون تشغيل المولّد قدر المستطاع، فمثلاً قد يشغلهونه 6 ساعات ويطفئونه ثلاث ساعات حتى يرتاح.

“يريدون أن يحرمونا النور أيضاً، لم يبق لنا سوى الهواء، وهذا قريباً سوف يحرموننا منه أيضاً”. هكذا عبّرت إيمان وهي مطلقة وأم لولدين لـ”لبنان الكبير” عن حسرتها. وضع إيمان لا يسمح لها أن تدفع 360 ألف ليرة مقابل 3 أمبير للمولد الكهربائي، فهي تفضّل أن تُطعم أولادها بهذا المبلغ بدلاً من صرفه على مولدات لا تغطّي غياب الكهرباء أساساً.

تقول إيمان: “نحن نعيش في العصر الحجري هنا في لبنان، وليس هذا فقط، نحن نعيش في ذلّ. أنا أركض النهار كلّه وأعمل 10 ساعات حتى أتقاضى مبلغ مليون ليرة. هذه المليون أحتار أين أصرفها بين تأمين طعام ولباس لأولادي، وأحاول قدر الإمكان أن لا أحرمهم من شيء.”

“ليس لهم ذنب أن يُذلوا مثلنا لأنّهم ولدوا في لبنان، أنا اليوم لا أستطيع أن أدفع 360 ألف للموتور، والكهرباء لا تأتي أبداً. أحياناً أنزل أنا وأولادي إلى الحديقة في قصقص كي يتنفسوا قليلاً بدلاً من الغم والحر في البيت الذي لا يزيد عدد غرفه عن غرفتين.”

قد تستغربون وجع هذه الإمرأة التي تتكلم عن مولد كهربائي لا يمكنها العيش بدونه، لكن الناس رغم وضعها المعيشي المعدوم، تُذل كل يوم أكثر دون أن تحرّك الدولة ساكناً، ولا متضرر هنا سوى الفقير .

مافيا المولدات

تأتي مشكلة مافيا المولدات الكهربائية، لتعطينا الدليل الأكبر على غياب دور الدولة كلياً، وللتأكيد على الفساد المستشري والمحسوبية السياسية في البلد. مافيا المولدات هي شبكة غير شرعية لإنتاج الطاقة والتي انتشرت بعد الحرب الأهلية وما زالت حتى اليوم.

يقول أحد أصحاب المولدات لـ”لبنان الكبير” إن “هذه المافيات تجني أموالاً طائلة، وطبعاً بالتواطؤ مع الأطراف السياسية. لا يمكن لأحد أن يشكّل مافيا هنا، إذا لم يكن له صلة بسياسي، هذا هو لبنان.”

ويضيف:” أنصح الناس أن ينتبهوا إلى المبالغ التي يدفعونها مقابل 3 أو 5 أمبير، مقارنةً بسعر المازوت الحقيقي للمولدات، فهذا ليس سوى تمويل للأحزاب”.

شارك المقال