بعيدًا عن أعين السلطات… صناعة المعسّل يدويًا

إسراء ديب
إسراء ديب

بعد غلاء أسعار التبغ والتنباك في لبنان، يسعى الكثير من عشاق النرجيلة (الشيشة) إلى صناعتها يدويًا أو اللجوء إلى مصانع متخصّصة في صناعة هذه المنتجات التي تُعدّ بالنسبة إلى الكثير من الناس من الأساسيات التي لا غنى عنها ولا بديل عن وجودها في حياتهم.

وفي طرابلس، ارتفع عدد الزبائن الذين باتوا يلجؤون إلى هذه المصانع التي قد لا تروق منتجاتها للبعض بسبب اختلاف نكهتها عن نكهة التبغ الإداري، ولكنّها ما تزال صناعة جاذبة لفئات عديدة من المجتمع التي تتمسّك بتعلّقها بالتدخين ولكن بأسعار مناسبة.

صناعة غير رسمية

تُعدّ صناعة التبغ والتنباك في لبنان من اختصاص إدارة أعمال حصر التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) رسميًا والتي تنحصر لديها عملية استيراد التبغ والتنباك المصنّع (العلامات التجارية)، نظرًا لكونها “الوكيل الحصري لجميع أصناف المصنوعات التبغية المستوردة”، كما أنّها تقوم بمنح رخص لبيع المصنوعات التبغية محلّيًا.

ومع ارتفاع الأسعار بشكلٍ ملحوظ بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، أثرت هذه الأزمة على سوق التبغ وعلى الأسعار المعتمدة لدى الإدارة التي تُعلّل سبب ارتفاع الأثمان بأنّ ” نسبة كبيرة من المواد الأوّليّة التي تدخل في تصنيع المنتج الوطني هي مستوردة من الخارج، وكذلك بالنسبة للمنتجات الأجنبية بحيث تدفع قيمة الشراء بالدولار”، كما انعكست الأزمة أيضًا على الكثير من الزبائن الذين اعتادوا شراءها من المراكز التجارية المتخصّصة، ما دفع بعضهم إلى اللجوء إلى مصانع تنتج التبغ لا سيما المعسل (التفاحتين تحديدًا) وهي مصانع غير مرخصة ولا تتبع رقابة الدولة التي لا سلطة لها عليها، ولا يتحكّم بها سوى المسؤول المباشر عن تسيير الأعمال فيها مع عددٍ من الموظفين.

وغالبًا ما تكون هذه المصانع أو المعامل بعيدة عن أعين السلطات الرسمية، ومن هذا المنطلق فإنّ هذه المصانع تتخذ من بعض المناطق وأحيانًا بعض المخيّمات حيث يقطن اللاجئون مركزًا لها، ولا يُمكن معرفتها أو تحديد موقعها إلّا من خلال الزبائن أو الأشخاص القريبين من هذه المناطق.

ويُمكن القول، إنّها ليست المرّة الأولى التي ينشأ فيها هذا النوع من المصانع، ولكنّها عادت إلى الواجهة من جديد وباتت معروفة أكثر بعد ارتفاع الأسعار بشكلٍ كبير.

الأسعار مرتفعة

تقوم إدارة أعمال حصر التبغ والتنباك اللبنانية بإصدار الأسعار الرسمية عبر موقعها الإلكتروني للمنتجات التبغية، وهي أسعار تُركّز فيها على عدد معيّن من المنتجات بين المعسل والسجائر، محدّدة مع كلّ صنف أو علامة تجارية معيّنة سعرًا محدّدًا، وقد يتجاوز بعضها الـ 200 ألف ليرة لبنانية، إذ تُؤثر العلامة التجارية فضلًا عن نوع وجودة المنتج على سعره.

أمّا عن المراكز المتخصّصة ببيع هذه المنتجات وهي مراكز مرخصة، فهي لا تبيع بسعر واحد أبدًا، فقد تجد مركزًا يبيع (كرز تنبك النكهة مثلًا) بـ 70 ألف ليرة، بينما آخر يبيعه

بـ69 ألفاً، ومركز آخر أيضًا قد يتجاوز سعره فيه الـ80 ألف ليرة، مع العلم أنّ الأسعار يجب أن تكون واضحة أمام الزبائن بشكلٍ رسميّ أينما وجدوا في لبنان.

بين مؤيّد ومعارض

يُحاول عبد الله (53 عامًا) إيجاد نوع من المعسل (التفاحتين) ولكن بسعر مقبول وغير مكلف، وبعد تجوّله بين مناطق عديدة في طرابلس، تمكّن من التعرّف إلى أحد المواطنين الذين يعملون في مصنع لصناعة المعسل في أحد المخيّمات شمالًا، وبعد تجربة مذاق المعسل من المعمل، لم يُكرّر عبد الله هذه التجربة على الإطلاق، مؤكّدًا عدم قدرته على الاعتياد عليه، نظرًا لمذاقه السيئ.

أمّا محمّد (29 عامًا) فيُؤكّد أنّ مذاق هذا النوع من المعسل لن يكون كذلك الذي يُشترى من المراكز المتخصّصة، ويقول: “لا يُمكن مقارنة هذا الصنف بذاك وبالتالي إنّ الأسعار تفرض نفسها، فهذه المصانع تُقدّم المنتج بجودة أقل وبسعر أقل وهذه مسألة عادلة للغاية، ولكن مذاقه ليس سيئًا بل مقبول وسنضطر حاليًا لشراء كمّيات منه بسبب اعتيادنا عمومًا على التدخين”.

صناعة جاذبة

يعتبر صاحب أحد المعامل في طرابلس أنّ إنتاج المعسل مهنة جاذبة لا تطرد الزبائن أو تُخيفهم، بل تبقى تجارة رابحة نظرًا لارتباط الناس الوثيق بالتدخين.

وكان يملك صاحب هذا المعمل وهو طرابلسيّ محلًا لبيع الأحذية، ومع شدّة الضغط الاقتصادي الذي تعرّض له، أقفل هذا المحل واتجه إلى صناعة المعسل وتحديدًا التفاحتين، لافتًا إلى أنّ المصانع المخصّصة للمعسل حاليًا هي الأكثر تداولًا بين الناس وتُسهم أكثر في مساعدة موظفيه الذين يبلغ عددهم حوالي 20 موظفًا.

ويقول: “وجدت أنّ الكثير من الناس بدأوا العمل بهذا الصنف، وجربت العمل في العديد من المجالات ولكنّ وجدت أنّ هذا المجال تحديدًا يجذب الناس الذين يطلبون منتجاته كثيرًا، وبالتالي تختلف الأسعار وفق نظافة وجودة المعسل الذي نقدّمه”.

إقرأ أيضاً: ملايين صندوق النقد… وعدٌ أم حقيقة؟

ويُضيف:” لدينا العشرات من الزبائن الذي يشترون المعسل الذي نستخدم لصناعته التنبك الفرنسي، السكر، وملح الليمون كما نشتري من الإدارة ونقوم بخلطه مع هذه المنتجات، وهي طريقة تعلّمتها من خلال التجربة التي منحتني القدرة على هذه الصناعة…”.

ويرى أنّ الأسعار عند الإدارة مرتفعة للغاية، ويُتابع: “سعر الكرز لديهم حوالي 200 ألف ليرة، بينما نبيعه بـ 120 ليرة تقريبًا وتتوفر منتجات بأسعار أقل وذلك وفق رغبة الزبون، فقد يشتري مثلًا بـ 40 ألفاً معسل تفاحتين أو أقلّ من ذلك ولكن ستختلف إمّا الجودة أو الكمّية بحسب السعر”.

شارك المقال