مستقبل التعليم في زمن الانهيار

حسن علي فحص

في ظل الأزمات المتتالية التي تنهال على لبنان، وبعدما نهشت جثة الوطن أزمتا الكورونا وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، بدأت معالم أزمة جديدة تلوح في الأفق القريب. أزمة، لم يسلّط الإعلام الضوء عليها في العامين الماضيين جراء الإقفال التام والتزام المنازل لاسيما التلامذة وأساتذتهم. فبعد عامين من التعليم عن بعد، بدأت أصداء العودة الى التعليم الحضوري تلوح في الأجواء لا سيما بعد تمنيع عدد كبير من الأساتذة والجسم الإداري من المدارس خلال فصل الصيف المنصرم وصولاً إلى أيلول – شهر العودة إلى الصدمة.

فمع انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار، توجهت الأنظار إلى كيفية تأمين الدواء والبنزين والمواد الغذائية الأساسية. لكن ماذا عن التعليم؟ ماذا عن الأجيال الصاعدة التي من المفترض أن تكون البنية التحتية لنهضة لبنان في الأعوام المقبلة؟ فالقطاع التعليمي هو من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمة. فمن جهة بات من الصعب جداً، وإن ليس من المستحيل، تأمين الطلاب كتبهم التعليمية التي، وفي معظم الأحوال، تكون مستوردة من الخارج، وبالتالي تتطلب دفع نفقاتها بالدولار الفريش أي حسب سعر السوق السوداء. وإذا كانت أسعار الكتب المدرسية خلال فترة ما قبل الانهيار تتراوح ما بين ٣٠٠ و ٥٠٠ دولار أميركي للتلميذ الواحد، فعلينا فقط تخيل المصيبة إذا أراد الأهل تأمين هذا المبلغ حسب سعر الصرف ٢٠ ألف للدولار الواحد. ناهيك عن ذلك، فإن أسعار القرطاسية واللوازم المدرسية قد تأثرت أيضاً بسبب انهيار قيمة العملة المحلية.

أما إذا استطاع التلميذ أن يؤمّن حاجياته المدرسية، فكيف سيستطيع تأمين مادة البنزين أو غيرها للتنقل من وإلى المدرسة، وبشكل يومي، في وطن تنعدم فيه وسائل النقل العامة؟

ولنفترض استطاع التلميذ الوصول إلى المدرسة، فكيف ستستطيع الأخيرة تأمين الكهرباء للإنارة والإنترنت والتدفئة لاحقاً في فصل الصيف؟

أما إذا افترضنا أن التعليم سيستمر على حاله كما في العامين الماضيين، أي عبر الأونلاين، فكيف سيستطيع التلميذ والأساتذة تأمين الكهرباء في منازلهم بما أن مؤسسة كهرباء لبنان لا تمدّ المنازل بأكثر من ساعتين من التغذية وفي المقابل أسعار الاشتراكات الخاصة باتت تتخطى الحد الأدنى للأجور؟

إقرأ أيضاً: التعليم من بعد في طرابلس: تحدّيات وشيكة والأطفال ضحايا

وفي المقلب الآخر، ومع التدني الكبير لسعر الصرف، باتت رواتب الأساتذة التي تسدد بالليرة اللبنانية بلا قيمة، ما دفع عدداً كبيراً منهم إمّا للبحث عن العمل خارج لبنان، أو حتّى للتوقف عن العمل لأن الراتب لا يوازي الجهد النفسي والجسدي الذين يقومون به خلال التعليم.

كل هذا يضع القطاع التعليمي والجيل القادم الذي يركز عليه نهوض الوطن في المستقبل، بخطر كبير لا سيّما أن تأثيره لن يظهر اليوم بل بعد ١٥ عاماً حين يصل هذا الجيل إلى سوق العمل مع خلفية تعليمية ركيكة لن تسمح له المساعدة في نهضة المجتمع.

شارك المقال