سيناريو الحرائق مجدّدًا: شباب عكار يحمون غاباتهم باللحم الحيّ

إسراء ديب
إسراء ديب

يعود هذا العام سيناريو الحرائق من جديد إلى لبنان، وهذه المرّة من غابات عكّار وتحديدًا من القبيات، من دون أن تتمكّن السلطات المعنية من الحدّ من هذه الظاهرة الموسمية التي كانت قد أشعلت مناطق وأحراجاً عديدة العام الماضي وانعكست سلبًا على نسبة المساحات الخضراء التي تقلّصت في السنوات الأخيرة بشكلٍ واضح.

تُظهر هذه الحرائق التي التهمت مساحات كبيرة من أجمل غابات عكّار المعروفة بمناطقها الطبيعية وبسحر جمالها الأخضر، حجم إهمال الدّولة لكلّ مناطق هذه المحافظة منذ سنوات طويلة، وهي التي تُعاني من الفقر والإهمال الكبيرين دون أي مشاريع تنموية تُسهم في دفع اقتصادها إلى الازدهار سياحيًا وإنمائيًا.

المشكلة أن القوى الرسمية التي واجهت أعنف الحرائق وأكثرها قساوة السنة الماضية، ما تزال عاجزة عن حماية مواطنيها وأراضيها، وهي لم تقم في كلّ الأشهر الماضية بأيّ خطوة تُسهم في الحدّ من تعاظم هذه الظاهرة التي تمتدّ سريعًا إلى مناطق أخرى، وأدّت منذ ساعات إلى وفاة المتطوّع أمير ملحم من بلدة كفرتون في جبل أكروم، إضافة إلى إصابة الكثير من الأهالي بحالات اختناق شديدة أدخلت بعضهم إلى المستشفيات، فضلًا عن انتقال الكثير من العائلات لا سيما الأطفال إلى أماكن أخرى في القبيات خوفًا من هذا الحريق الأشرس على الإطلاق، والذي حاول الكثير من شبان عكار الاشتراك والتعاون مع مختلف المؤسسات والجمعيات لإطفاء الحرائق التي اندلعت في غاباتهم.

خطار: لا خطر على المنازل والسكان والوضع تحت السيطرة

يُشير مدير عام الدفاع المدني العميد ريمون خطار في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن الحرائق في منطقتيّ القبيات وأكروم أصبحت تحت السيطرة، ولا يوجد خطر على المنازل والسكان، ولكن يبقى الحريق الذي امتد إلى الهرمل، وقد يحتاج الانتظار حتّى الصباح للسيطرة عليه، حيث ستتوجه 5 طوافات للجيش من الفجر لإطفاء الحريق.

ويؤكد خطار أنّه حتى اللحظة لا حاجة لمساعدة من قبرص أو غيرها، وقد استطاع الدفاع المدني تدبير أمره بمساعدة الجيش والفعاليات المحلية، من بلديات القرى والجمعيات الأهلية، بعدما لبوا مناشدة المديرية التي تعاني كما كل القطاعات من شح المحروقات.

عبدو: نخشى من امتداد النيران ليلًا

يخشى رئيس بلدية القبيات عبده عبدو من امتداد الحرائق إلى المناطق المختلفة، مؤكّدًا أن هذا الحريق الكبير أسهم في امتداده عاملين أساسيين هما: ارتفاع درجة الحرارة، وسرعة الهواء.

ويقول في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”: “ننشغل حاليًا بشكلٍ كبير بموضوع كيفية إهماد الحريق والحدّ من امتداده ونخشى من عودة امتداد الحريق ليلًا، لأنّ الجميع لن يتمكّن من الرؤية مساء بالتأكيد لا سيما وأنّ هذا الحريق قد التهم مساحات شاسعة وما زلنا نطلب مساعدات من القوى الرسمية”، متوجهاً بالشكر للجيش اللبناني الذي أرسل طوافاته لإخماد الحريق، كما البلديات التي ساندت القبيات، الصليب الأحمر اللبناني، فضلًا عن الدفاع المدني الذي “لا بدّ من دعمه كثيرًا لأنّه مؤسسة تتحمّل هذه المسؤوليات والمشقات للسيطرة على الحرائق، فقد تمكّنت بالتعاون مع الصليب الأحمر من نقل العديد من الأطفال من بيوت أهاليهم، وبعد ساعتين تقريبًا تمّ نقل الكبار في السنّ بسبب حالات الاختناق التي حدثت”.

ضاهر: أضخم الكوارث والتحقيق مهم

يُشدّد رئيس مجلس البيئة في القبيات أنطوان ضاهر على أن هذا الحريق من أضخم الكوارث البيئية التي حلّت على عكّار ولبنان، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “انتشرت هذه الحرائق بسرعة فائقة للغاية إذ بدأ هذا الحريق بشكلٍ ضئيل ثمّ تحوّل سريعًا إلى حريق كبير وضخم”.

ويُرجح ضاهر في حديثه وجود يدّ إجرامية في هذا الحدث المأسوي الذي طال عكار، ويُضيف: “أن سرعة امتداد هذا الحريق ليست بريئة، فهناك خط نار ممتد إلى أسفل وادي عودين بالقرب من أكروم وهو خط مشتعل حتّى حدود سوريا على الأرجح وكأنّ هذا الخط مرسوم بشكلٍ مقصود، وتمّ إشعاله بمواد مشتعلة والهواء ساعد على امتداد هذه النيران والخسارة مميتة بيئيًا”.

إقرأ أيضاً: الشرق الأوسط يغرق في الظلام ويحترق بلهيب الحرّ

ويُتابع:” هناك خسائر بالأرواح وخسائر بيئية كبيرة، ولا بدّ من أن يكون هناك تحقيق لكشف الفاعلين، وإذا لم يكن هناك تحقيق شفاف سيقوم المجرمون بأفعالهم المشينة بلا حسيب أو رقيب وسيتجرؤون على القيام بالمزيد”.

وعن عودة المساحات الخضراء من جديد إلى هذه الأراضي المحروقة، يُشير إلى أن هذه المساحات تحتاج إلى 30 عامًا لتعود خضراء، ويقول: “أكثر الخسائر طالت أشجار الصنوبر منها ما هو جديد ومنها أشجار معمّرة، كما طالت أشجار السنديان، فضلًا عن الأشجار المتوسطية المختلفة”.

شارك المقال