الأيادي البيضاء مقيدة بالسوق السوداء

جنى غلاييني

… وكأن كل ما في حياة اللبناني انهار فوق رأسه مرّة واحدة، حتى صحته أصبحت في خطر، فهو لم يعد قادراً على دخول المستشفيات بسبب ارتفاع فاتورة الاستشفاء، ولم يعد بإمكانه مواصلة العلاج اللازم في ظل فقدان الأدوية، عدا عن فقدان مستلزمات طبية حيوية وضرورية لأي إجراء طبي، القطاع الصحي مهدد برمته بالانهيار وهو تحذير يتردد يومياً على لسان فاعليات صحية من مدراء مستشفيات وأطباء وعاملين في هذا الحقل الإنساني وفي ظل تردد المعلومات عن إقفال مستشفيات حكومية أبوابها أمام استقبال المرضى أو عدم القدرة على العلاج أو اجراء عمليات جراحية، فالبنج مفقود والحياة على الله.

عراجي: الاستشفاء للأغنياء

بداية، يعيد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي لـــ”لبنان الكبير” أسباب انهيار القطاع الصحي إلى إنهيار الليرة اللبنانية مقابل سعر صرف الدولار، ما أثّر بشكل كبير على أسعار المستلزمات الطبية والأدوية، فالقطاع الصحي يستورد من الأدوية ما نسبته 90%، ويستورد من المستلزمات الطبية بنسبة 95%، الأمر الذي أدّى إلى حصول نقص حاد”، والسبب الثاني اندفاع الأطباء والممرضين الى الهجرة الذي تسبب بأزمة مزعجة، نتيجة تدني رواتبهم التي أصبحت لا قيمة لها”، أما السبب الثالث فيعود الى ارتفاع كلفة الاستشفاء بشكل متواز مع ارتفاع سعر صرف الدولار”.

ويوضح: “إذا تشكلت الحكومة في أسرع وقت ممكن، سيشهد القطاع الصحي تحسناً ملحوظاً، ففي حال تحسّنت الليرة اللبنانية والتي تعتبر علامة جيّدة بالنسبة لهذا القطاع، سنكون قادرين على استيراد الادوية والمستلزمات الطبية وزيادة أجرة العاملين فيه”.

وبرأيه أن “الأزمة المالية التي نعيشها الآن هي السبب الأساسي لانهيار القطاع الصحي، فالمستشفيات الخاصة تستوفي مستحقاتها من فروقات عالية أما المستشفيات الحكومية قانونياً لا يسمح لها الحصول على فروقات”، متخوفاً على وضع المستشفيات الحكومية، إذ يرى أنها “تحتاج الى دعم خارجي وإلا لن تستطيع الصمود أكثر”.

ويؤكد: “هناك حالياً الكثير من المستشفيات التي لا تستقبل المريض الفقير الذي لا يملك كلفة علاجه، بحجّة عدم وجود سرير شاغر أو بسبب عدم توافر مستلزمات طبية كافية”.

ولا يستبعد عراجي أن يصبح الاستشفاء في لبنان للأغنياء فقط “ما نشهده الآن لا يمكن السكوت عنه، فأصبح المواطن يبيع سيارته أو أي شيء يملكه فقط ليتعالج”.

الأبيض: كل يوم يسوء الوضع أكثر

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث يشير مدير مستشفى رفيق الحريري الدكتور فراس الأبيض إلى ظروف صعبة تمر على القطاع الصحي  تعود إلى ما نشهده حالياً من انقطاع كهرباء، نقص في المازوت والفيول، بالإضافة الى نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية”.

ويوضح الأبيض: “الأزمات التي يمر بها القطاع الصحي لا تطال فقط المستشفيات الحكومية بل الخاصة أيضاً، والدليل حينما يتحدث نقيب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون في الفترات الأخيرة عن انهيار القطاع الصحي، وعن احتمال إقفال أبوابهم بوجه المرضى”.

ويتابع: “كل يوم وضع القطاع الصحي يسوء أكثر فأكثر، حتى وصلنا الى أن نطلب من المريض أن يؤمّن لنفسه الأدوية التي سيحتاجها في غرفة العمليات، لأننا لا نملك السيولة الكافية التي نستطيع من خلالها تأمين النواقص”.

ويعتبر أن “الحل يكمن بتعاون جميع الجهات المعنية بالأمر، وبالتواصل مع الجهات الدولية لمد يد العون لنا”.

حيدر: لحل الأمور المالية مع سلامة

وفي سياق متصل، يقول الدكتور محمد حيدر مستشار وزير الصحة “نحن على اتصال دائم مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لحل الأمور المالية بالنسبة للقطاع الاستشفائي، وقد وعدنا سلامة بإعادة الدعم وبتأمين سيولة كافية عبر 50 ملون دولار شهرياً مخّصصة للمستلزمات الطبية والأدوية”.

ويرى ان “المشكلة الحالية التي يشهدها القطاع الصحي تفوق هذا الواقع، فبعض المستشفيات حالياً لديه أسرّة شاغرة ولكن يشتكي من افتقاره إلى عدد كبير من طاقمها الطبي، إذ هناك نقص حاد في أعداد الأطباء والممرضين الذين اختار بعضهم حزم امتعتهم واللجوء الى الهجرة كحل نهائي لإنقاذ مهنتهم”، ويكشف “مع فقدان الممرضات في المستشفيات نضطر إلى إقفال طابق آخر للاستشفاء أو جزء منه، لذا نحن مع تواصل مع نقابة الأطباء ونقابة الممرضين لايجاد حل لهذه المشكلة”.

ويلفت إلى أن وزارة الصحة تحاول قدر المستطاع تشجيع الأطباء والممرضين على البقاء في لبنان وتأمين سبل العمل لهم ، حيث يقول “المشكلات لا تُحل بكبسة زر، وذلك بسبب ارتباطها بعدة عوامل، منها العامل النفسي، العامل الاقتصادي، والعامل السياسي”.

ويضيف: “نتأمّل حصول استقرار في القطاع الصحي مع تشكيل الحكومة الجديدة”.

وبالنسبة للأزمة المالية التي يعاني منها القطاع الطبي ككل، يقول: “نتواصل مع الوزارات المعنية بالأمر، وقد وقّع وزير المالية غازي وزني على تحرير الأموال للقطاع الاستشفائي”.

إقرأ أيضاً: لبنان والمتحور الجديد.. الخوف من “دلتا”

ويشرح حيدر: “المشكلة الأساسية تكمن بالأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، وذلك نتيجة العلاقة مع حاكم مصرف لبنان في عدم دفع مستحقات المستوردين الذين يرفضون الاستمرار باستيراد الأدوية في حال لم يُدفع لهم، ما نتج عنه نقص حاد في الأدوية ومنها التي تستخدم في العمليات الجراحية كالبنج، وفي هذا الخصوص لجأ وزير الصحة حمد حسن الى استيراد الأدوية الجينيريك حتى لو لم تكن هذه الادوية مسجّلة في لبنان، فهو مستعد ان يوقّع عليها في أسرع وقت ممكن لتدخل السوق المحلي”.

من ينقذ القطاع الصحي اليوم؟ سؤال من الصعب الإجابة عنه لانه يتطلب التعاون والاجتهاد واتخاذ قرارات تريح الجميع ويكون الهدف موحداً حول ضرورة حماية صحة الشعب اللبناني الذي يعاني ما يعانيه من غلاء المعيشة والأزمة تضرب عافيته فهل تتخذ قرارات بحجم المسؤولية الملقاة على عاتق المعنيين أم تحور الأمور وتدور في فلك عالم الفساد الذي يبدو أن شبكاته أقوى وأكثر قدرة على إفساد صحة المواطن.

شارك المقال