صبرا: بيع كثير… ربح قليل

احمد ترو
احمد ترو

وضع البلد منهار، وحاكم البلد جبار… وأسعار السلع فيه تحلق، ومعاينة الأطباء فيه أصبحت مكلفة جداً. هذا الوضع دفع باللبنانيين إلى التوجه نحو الأسواق الشعبية حيث الأسعار أقل ومناسبة لجيبة الفقراء، ومن هذه الأسواق سوق صبرا  الذي يكثر عدد مرتاديه هرباً من فجع أغلبية التجار اللبنانيين وجشعهم الذي فاق كل الحدود.

منطقة صبرا حي لبناني، سكنه الفلسطينيون منذ فترة النزوح، احتضن المقاومة الفلسطينية المسلحة، وكان من الصعب التمييز بين لهجة أهل المنطقة بين فلسطيني ولبناني. ومع رحيل المقاومة الفلسطينية إثر الاجتياح الإسرائيلي ووقوع المجزرة التي هزت العالم في مخيمي صبرا وشاتيلا في أيلول 1982، ولاحقاً حصار المخيمات، تضاءلت أعداد الفلسطينيين في المنطقة، ومع مرور الزمن تحولت صبرا إلى سوق تجاري تتواجد فيه متاجر وبسطات لبيع مختلف أنواع السلع والمأكولات، واشتهرت بسوق الخضار المعروف بأنه الارخص والذي يديره اليوم تجار من مختلف الجنسيات، فهناك التاجر اللبناني والفلسطيني والسوري والمصري والبنغالي والسوداني.

تغطي النفايات شوارع المنطقة، التي تحتضن الطبقات الدنيا حيث تظهر على وجوه ساكنيها معالم الفقر وترسم على الوجوه معاناتهم، وتحولت في السنوات الأخيرة نتيجة الإهمال المزمن ووضعها الأمني إلى ملجأ للفارين من العدالة والقضاء حيث لا سلطة للدولة داخلها وأمنها شبه ذاتي بالرغم من أنها تابعة إداريا إلى بلدية الغبيري التي لا تعنى في شؤونها منذ سنوات طوال.

صبرا: أسعار تناسب جيب الفقير

في جولة لـــ”لبنان الكبير” في شارعها الرئيسي التقينا أحد بائعي الخضار الذي وصف لنا واقع الحال قائلاً: “العالم تقطع مسافة 35 كيلومتراً لكي توفر بكل كيلو خضار تشتريه حوالي الــ 5000 ليرة، التجار خارج صبرا يشترون بضائعهم بالسعر نفسه، لكنهم يبيعونها للزبون بأسعار سياحية ونحن هنا مجبورون  على أن نبيع بالقليل لأنه في حال رفعنا أسعارنا لا نبيع شيئاً،  ففاكهة الإجاص داخل صبرا  بــ2000 ليرة وخارج صبرا بــ12000 ليرة، وكيلو الخيار بـ6000 ليرة وخارج صبرا بـ12000 ليرة، وكيلو الثوم بـ25000 ليرة وخارج صبرا بـ35000 ليرة، وقِس على ذلك في كل أنواع الخضار”.

وفي السياق نفسه، يشير أحد بائعي الحلوى: “نحن نستخدم نفس المواد التي يستخدمها أصحاب المحلات الفخمة، ونبيع كيلو البقلاوة بـ 40000 ليرة، في الوقت الذي يصل فيه خارج صبرا إلى 300 ألف ليرة، وهذا كفر والخالق لا يرضى بهذا الشيء. نحن الفقراء فقط من نشعر بأمثالنا”.

ويقول أحد الزبائن في السوق: “كل أسبوع آتي إلى صبرا لكي ابتاع حاجاتي، وبقدومي إلى هنا أوفر أكثر من 200 ألف ليرة، فهنا الأسعار رخيصة جدا مقارنة بالسوق الموازي، صحيح لا وجود للدولة هنا والمنطقة غير آمنة بشكل كاف، لكن تجارها يشعرون بالمواطن، عكس تجار الخارج الذين يمصون دمك إذا دخلت لتشتري سلعهم”.

هنا مخيم لا وجود للدولة

وأثناء جولتنا صادفنا العديد من المراكز الطبية لمعالجة الأسنان، جميعها يديرها لاجئون سوريون وطبعاً المواطن السوري لا يحق له أن يدير مركزاً طبياً في لبنان، وهذا ما دفعنا إلى زيارة أحد المراكز لكي نعرف ماذا يحصل بالضبط. فأفاد أحد أطباء المركز “لبنان الكبير” أن “المراكز الطبية داخل صبرا ومخيم شاتيلا كلفتها أرخص بكثير من المراكز الموجودة في الخارج، حيث خلع (الضرس) يكلف 100 ألف ليرة فقط، ونحن نرخص لأننا نشعر بالمواطن والطب عمل إنساني قبل أن يكون عملاً مادياً”.

وعن طبيعة ممارسته مجال الطب في الوقت الذي تمنع فيه الدولة أي مواطن غير لبناني من ممارسة الطب داخل الأراضي اللبنانية، رد موضحاً: “هنا مخيم ولا وجود فيه للدولة، ولا أحد يسألك ماذا تفعل”.

هذه هي صبرا، ملونة بجنسيات عديدة، حاضنة للفقراء، جنة للفارين من العدالة، وعنوان لتدني الأسعار.

شارك المقال