الكارثة التعليمية: تأمين الطعام أو دفع أقساط المدارس؟

راما الجراح

يتوقع أن يشهد العام الدراسي المقبل صعوبات كبيرة ومعارك جدلية بين الأهالي والمدارس الخاصة تحديداً، في حال عدم تدخل الدولة لإيجاد حلول بديلة لو تطلب الأمر التعليم حضورياً.

تؤكد جميع المعطيات أن الكارثة ستكون كبيرة على المدارس ما سيضطرهم إلى رفع الأقساط، وهنا يكمن الانفجار الكبير، فصرخات أهل البقاع ومدارسه الخاصة علت و”الحبل على الجرار”، فهل سينضم القطاع التعليمي إلى القطاعات التي فشلت خطط تنظيمها للحفاظ عليها في لبنان؟

ترفع أم قاسم الصوت لتناشد جميع المعنيين ووزارة التربية بضرورة التدخل لإيجاد حل لأقساط المدارس “أولادي الثلاثة في مدرسة خاصة لأن لديهم وضعاً خاصاً يُحتّم عليّ تسجيلهم بها. صحيح أن المدرسة لم ترفع أقساطها بعد، ولكن راتب زوجي لم يعد كافياً لدفع ما يترتب علينا للمدرسة في ظل الغلاء الفاحش للمواد الغذائية، بتنا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تعليم الأولاد أو تأمين الطعام!”.

الوضع لا يختلف كثيراً لدى عائلة محمد، حيث تقول والدته “أصررت على تعليم ولدي الوحيد في مدرسة خاصة بعيدة عن البلدة التي نقطن فيها، بهدف إبعاده عن جو اللهو واللعب، وللتركيز فقط على درسه. ولكن اليوم واقع الحال أن ليس في إمكاننا تسجيله في المدرسة الخاصة، بعدما اعتاد عليها منذ خمس سنوات، وهذا ينعكس سلباً على نفسيته وعلى مستواه العلمي”.

لا قرارات حاسمة للأقساط

يرى مدير مركز الأبرار التربوي وليد سروجي أن “موضوع القطاع التعليمي في لبنان مُعقد جداً هذا العام، ونحن في المركز نقوم كل فترة بالعديد من الأبحاث والدراسات والإحصائيات ولا نصل إلى نتيجة، وأي مدرسة أو مركز تُصدر اليوم أرقاماً معينة للأقساط والتكاليف تكون أرقامها مبينة على فراغ ووهم، فنحن لا نريد ظلم الناس ولا أنفسنا، لذلك حتى الآن لم نصدر أي قرارات حاسمة بالموضوع”.

ويقول لـ”لبنان الكبير” إن “المصاريف التشغيلية من كلفة التدفئة والكهرباء وغيرها أصبحت أعلى بكثير من رواتب الأساتذة والموظفين. وهذا الأمر خطير جداً ولم نشهد مثله منذ التأسيس، والأخطر من ذلك تكلفة بدل النقل، فنسبة ٧٥٪ من بدل النقل في مركزنا هو نقل خاص بناءً على طلب أولياء الأمور، وإذا أردنا حسابه بحسب الأسعار اليوم تصبح الكلفة أعلى من القسط نفسه وهذا الأمر خارج حدود العقل”.

رفع الأقساط ليس حلاً

فيما يخص رفع الأقساط، يعتبر وليد سروجي أنه “مهما حاولنا رفع الأقساط نبقى في حالة العجز، فرواتب الموظفين تراجعت قيمتها بمعدل ١٢ ضعفاً، وإذا قمنا برفعها بحسب المصاريف التشغيلية ولزيادة رواتب الموظفين حينها تصبح الأقساط خيالية، لذا يجب أن نتعامل بواقعية مع هذا الوضع الصعب فرواتب الموظفين حتى اليوم على سعر صرف ١٥٠٠ ليرة ولا يمكن أن تتناسب هذه الرواتب مع أقساط المدارس في حال اتخاذ قرار بزيادة الأقساط”!.

حلول بديلة

ويقترح سروجي حلولاً بديلة: “نحن اليوم في حالة ترقب لما يحدث وسيحدث في الأيام المقبلة، وفي الدرجة الأولى نلتزم بقرارات وزارة التربية وخياراتها، ثانياً يجب أن نرى الجو العام بحيث يجب أن يكون هناك توافق مجتمعي لحلول بديلة، على سبيل المثال ثلاثة أيام عطلة أسبوعية بدل يومين، أو الاستمرار في التعليم أونلاين، كما يرى كثيرون أنه الحل الأوفر لضمان استمرار القطاع التعليمي في لبنان”.

التعليم أونلاين لم يعد مُجدياً

وعن مخاطر التعليم عن بعد هذا العام يوضح سروجي: “التعليم عن بعد لا شك أنه راحة كبيرة من المصاريف التشغيلية، ولكن هل يجدي أن نُدخل الطلب في السنة الثالثة على التوالي على الأونلاين؟! فهذا الأمر يدمّر التعليم ولا بد من حلول كالدمج بين التعليم الحضوري والأونلاين على الصعيد الداخلي، والطريق الأصح أن يكون هناك تبنٍّ للمؤسسات، بمعنى أن تأتي الدولة بقروض للقطاع التعليمي كما أتت بقروض لاستيراد اللقاحات مثلاً، أو أن تتكفل الدولة بالوقود أو يالمصاريف التشغيلية، وأن تكون هناك مساهمات من المتمولين والمغتربين لحماية هذا القطاع الذي يُعتبر من أهم القطاعات التي حافظت على مستواها في لبنان، برغم كل الصعوبات التي مرت عليه من قيام دولة لبنان الكبير إلى اليوم”.

خسائر في الكادر التعليمي

ولا يمكننا غض النظر عن معاناة الأساتذة مع صعوبة الأوضاع، وفي هذا الإطار يشير إلى أن “الأستاذ اليوم أصبح راتبه لا يُشبه معنى الراتب أبداً، وهنا نطرح العديد من الأسئلة في ظل هذه الصعوبات، كم سيصمد الطاقم التعليمي، ومهما حاولنا زيادة راتبه لن يساوي أكثر من ١٠٠ دولار، فإذا أراد أي أستاذ في المركز عندنا السفر إلى الخارج لا أستطيع الوقوف بوجهه، وفي حال ترك أي أستاذ العمل لأنه وجد فرصة ثانية أفضل لا يمكنني لومه أو فعل أي شيء، هذا كله يعني أننا على مشارف فقدان كوادر تعليمية من ذوي الخبرة والكفاءة، وهكذا مؤشرات خطيرة جدا تنعكس سلباً بالدرجة الأولى على الطلاب وتنعكس على الوطن أجمع بهجرة الادمغة، وهذا ما يقال عنه التدمير الممنهج للمسيرة التعليمية”.

العام الدراسي القادم كارثي

بدوره، يؤكد مدير مدرسة المقاصد في بلدة الصويرة أن “الأقساط ستبقى كما هي في مدرستنا، ٨٨٠ ألف ليرة لبنانية لمرحلة الابتدائي، والروضات ٩٩٠ ألفاً، ولكن هناك مشكلة كبيرة تنتظرنا في العام الدراسي القادم في حال كان التعليم حضورياً، لأن التكلفة ستصبح كبيرة جداً على المدارس بشكل عام، فلا يمكننا غض النظر عن فاتورة الكهرباء ولا كلفة الوقود في حال وُجد لتأمين التدفئة للتلاميذ والأساتذة وغيرها”.

إقرأ أيضاً: الجشع السياسي يهدد قلاع التعليم بالسقوط

ويتمنى على جمعية المقاصد والدولة بشكل عام المساعدة قدر المستطاع ودعمهم في حال قررت وزارة التربية التعليم حضورياً ليستمروا وإلا سيصلوا إلى حائط مسدود. ويشير إلى أن “الموضوع صعب ومعقد جداً ولا تُلام المدارس في حال رفعت أقساطها ضمن التعليم الحضوري، في الوقت نفسه هناك معضلة رواتب الأهل التي لا تتحمل أي ارتفاع في الأقساط، بالإضافة إلى أن أسعار الكُتب أصبحت ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في السابق، وأقول لا غنى عن التعليم الحضوري للطلاب ولكن الأونلاين اليوم هو الحل الوحيد بأقل أضرار ممكنة في حال عدم وجود إمكانية عند الدولة لدعم القطاع التعليمي، فاستعدوا نحن أمام كارثة تعليمية”…

شارك المقال