بلدية طرابلس: خلافات في مغارة علي بابا

إسراء ديب
إسراء ديب

يبدو مستحيلاً أن تنعم العاصمة الثانية في لبنان ببلدية تُسهم في إعادة إنمائها، بعد سنوات شهدت فيها أكثر من 20 جولة عنف دفعت بالمدنية إلى الغرق في المزيد من الويلات، بل يبدو أنّه كُتب عليها الغرق في الأزمات والدخول في نفق “الـقال والقيل” الطويل حتّى في إداراتها إلى ما لا نهاية.

لا تلوح في الأفق أي بوادر لحلحة الخلافات المستمرّة في بلدية طرابلس منذ أكثر من 10 سنوات، وهي خلافات متشعبة لم تجلب على أهالي المدينة سوى المزيد من الانقسامات غير المجدية. وتتمحور هذه الخلافات عمومًا حول التفرّد في الأداء ومحاولة الاستحواذ على المزيد من النفوذ والسلطة، كما تصل هذه الخلافات إلى فتح ملفات واتهامات متبادلة بين رئيس البلدية وأعضاء المجلس الذين غالبًا ما ينقسمون بين مؤيّد للرئيس وممارساته أو معارض له.

يرأس الدكتور رياض يمق البلدية حاليًا منذ عام 2019، ومنذ استلامه زمام الأمور في البلدية لم تهدأ الخلافات حول الملفات الإدارية والقانونية.

الأيوبي يفنّد مخالفات الرئيس

ويُذكّر عضو المجلس البلدي، ورئيس لجنة البيئة والطاقة في بلدية طرابلس المهندس نور الأيّوبي في حديث إلى موقع “لبنان الكبير”، بقانون البلديات وبنوده (المرسوم الاشتراعي رقم 118 تاريخ 30/6-1977 وتعديلاته)، للتمييز بين سلطة رئيس البلدية وأعضاء المجلس البلدي، ويُؤكّد أن القانون كما الممارسة المهنية تُشير إلى أن رئيس البلدية لا يعمل بمفرده، فهناك مجلس بلديّ مسؤول معه عن المقرّرات التي تخصّ المدينة، وعلى كلّ فرد يعمل في البلدية معرفة حدود صلاحياته واحترام صلاحيات الآخرين.

ويوضح: “ما من يوم يمرّ على طرابلس إلّا وتُسجل مخالفة بلدية من قبل يمق، وهناك حوالي 37 مخالفة منها ما يُدخله إلى السجن”.

وفند الأيّوبي عدداً من المخالفات البارزة في عهد يمق، التي أثيرت في الإعلام ومنها قضية “الرمال المفقودة”، محملاً رئيس البلدية المسؤولية بسبب إعطائه الموافقة لمقاولين ومتعهدين لشق طرقات في منطقة أبي سمراء الطرابلسية، من دون علم المجلس أو متابعته، وتغيير بنود الاتفاق من دون الرجوع إلى المجلس البلدي، فضلًا عن عدم وضع شروط وكفالات للتثبّت من عمل هؤلاء المقاولين بحسب الأصول”، مؤكّدًا أن “هذه الرمال تعود ملكيتها إلى المدينة وبلديتها”، وموضحاً: “حين سألته عن الرمال لم يُجاوبني”.

وعن موضوع شاحنات النفايات، شرح أنه “بعد دخول 22 شاحنة محمّلة بالنفايات إلى طرابلس، طُلب من يمق الاهتمام بهذه القضية بعدما وصل الخبر إلى محافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا كما التحرّي والمخفر. فقام بطمرها في حديقة البلدية وأخبرهم أنّه تصرّف بها وأنّ الأمور تسير على ما يُرام”.

تجارة باسم الفقراء

وكشف الأيوبي عن أن “يمق كان قد استلم حصصًا غذائية من تركيا، والإمارات العربية المتحدة، كما من المغتربين الطرابلسيين في الخارج. وبعد استلامه الحصص وزعها من دون أخذ موافقتنا. كما استلم يمق 3 مليارات ليرة (بقرار من المجلس البلدي) لتوزيع حصص على أهالي المدينة، ويقول: أخذها وحوّلها إلى قسائم ووزعها على الناس، وكلّ قسيمة تتضمّن 75 ألف ليرة، واستفاد منها سوريون وفلسطينيون من خارج طرابلس”.

وأشار الأيوبي إلى “قيام يمق بإعطاء أحد أعضاء المجلس البلدي حديقة عامة وسمح له بزرعها من دون الأخذ بالاعتبار رأي المجلس أو علمه”.

ويرفض الأيوبي العمل بعشوائية في ملفات تخصّ الطرابلسيين، ويقول:” لزّم يمق دراسة لبساتين طرابلس بـ 200 مليون ليرة، وهي لها علاقة بالتنظيم المدني وهي إيجابية للمدينة عمومًا، ولكن في هذه الحال يجب أن يدعو لمناقصة قبل اتخاذ أي قرار أو إجراء، وهذا ما لم يحصل. ولهذا السبب رفضتها هيئة التفتيش وأحالت يمق إلى التحقيق وهيئة التأديب بهذا الموضوع، فكيف يلزّم من دون مناقصة؟”.

وعن التعديات على الأملاك العامة كالبسطات مثلًا، أكد أن يمق “يغض النظر عنها ولا يتخذ أي قرارات تحدّ من وجودها بشكلٍ غير شرعي، وعندما اعتدى أحد المجهولين على أحد عناصر شرطة البلدية أعطوه مالًا كيّ يُسكتوه”، لافتا إلى رعاية يمق حفل الزفاف مخالفاً إجراءات كورونا وقرار التعبئة العامّة”.

وعن اقفال ساحة النور منذ ثورة 17 تشرين لأشهر، قال الأيوبي:” طلبنا منه المعالجة والحدّ من التعدّيات ولكنّه لا يمس المتظاهرين، ولكن بعد كتاب قدّمته إلى رئيس فرع المخابرات بالشمال العميد كرم مراد، فتحت الساحة بعد أسبوع فقط”، معلنا استعداده للاستقالة “إذا استقال نصف أعضاء المجلس، فاستقالتي لا تُقدّم أو تُؤخر إلّا باستقالة 10 أعضاء”.

وأوضح أن “يمق يدّعي أن الأعضاء لا يُساعدونه، بماذا سنُساعده في المخالفات مثلًا؟، كما يدّعي أنّنا نعرقل مساعدته للفقراء”، معتبرًا أن “هذا الكلام غير منطقيّ ولا يمتّ للحقيقة بصلة، ولكن يجب أن نساعد الناس بطريقة شرعية لا ليتمّ استغلال النّاس للبقاء في السلطة”. ويقول:” نحن نتحدّث عن مخالفات إدارية ولا نمانع في المساعدة ضمن القانون والأصول”.

….. ويمق يرد

من جهته، ردّ رئيس البلدية على المخالفات، ونفى كلّ ما ورد أعلاه على لسان الأيوبي، ففيما يخصّ المساعدات أكّد أنّه “تمّ توزيع الحصص الغذائية بعدل بين الناس “وكلّه مسجّل”. أمّا المساعدات التركية، فأكّد أن “لجنة كوارث تركية” هي من قدّمت المساعدات، وقال يمق لـ”لبنان الكبير”: “سألتهم لمن هذه المساعدات؟ قالوا بتصرف “رئيس البلدية”، فلو كانت هبة مثلًا لكانت بحاجة إلى المجلس البلدي ولكنّهم أعطوني إياها لمساعدة المدينة، كما أن شرطة البلدية تُراقب وتواكب الجمعيات التي تُوزع. وقد وزعتها فعليًا بالطريقة التي أراها مناسبة وصحيحة من دون محسوبيات”، لافتًا إلى أن “عمّال البلدية لم يأخذوا منها فكان فقراء المدينة هم أولى بها”.

وأعترف بوجود أخطاء وهي أخطاء إدارية واردة، “ولكن بعض أعضاء المجلس البلدي يُحاول إفشال البلدية وهم لا يتعاونون معي. كما أعترف بأنّ لدينا تقصيراً، لكن لا إهمال وهم ضدّي لأنّني أساعد فقراء المدينة”.

وعن موضوع الرمال، أوضح أنّه “حين قرّر أحد الأعضاء وهو نور الأيوبي إجراء تقرير إعلامي وتحدّث فيه عن سرقة الرمال أخذت الملف على عاتقي، وقلنا إن الضم والفرز أقيم عام 2013 أي قبل استلامي رئاسة البلدية عام 2019. والشركات تطلب من البلدية شق الطريق على أن تُقدّم الرمال والأشجار للبلدية ومنها من التزم ومنها من لا يلتزم، ورفعنا دعاوى كما أردت تحقيقًا يبدأ منذ عام 2013، فلا يجب أن “يُلبسني” أحد هذه القضية وأنا مستعدّ لأيّ مساءلة”.

وعن موضوع شاحنة النفايات، فيُؤكّد أن “لا مصلحة لديه في هذا الملف من الأساس”، ويقول: “فتحنا تحقيقًا بالموضوع وجاءت الإطفائية فالنفايات أشعلت، ولكن ليست البلدية التي طمرتها. ففي الواقع، طلب منّا المساعدة لإطفاء الحريق بالتراب وهذا ما حصل وأنا أعطي رئيس لجنة البيئة الصلاحيات لحلّ هذه المشكلات”.

وتحدّث يمق عن مشكلة البسطات، معتبراً أن “نسبة الفقر في طرابلس مرتفعة وتُعاني المدينة الأمرّين، لا سيما بسبب كورونا والوضع الاقتصادي المتردّي بشكلٍ مخيف، ولكن أودّ أن أشير إلى أنّه ممنوع بشكلٍ تام أن نعطي رخصة للبسطات، ولم أعطِ أبدًا أي رخصة، ولكن بالتأكيد قمنا بغض النظر بسبب الوضع الاقتصادي كذلك الأمنيّ أيضًا، وغض النظر قد يكون أفضل من رؤيته وهو يسرق، وإذا تمّ منعهم عن العمل على البسطات، يجب أن يتمّ التعويض عليهم”، مضيفًا: “نقدّر حجم الكارثة التي يُواجهها فقراء المدينة، فأبناء المدينة بحاجة إلى المساعدة والدعم، وندرك أنّه قد يُخالَف القانون بهذا الدعم ولكن للناس أولوية في هذه الظروف”.

ورد يمق على موضوع الحديقة العامّة وإعطائها لأحد أعضاء المجلس، ويُؤكّد أنّها “أرض بور ووفقًا لكتاب من وزير الداخلية وضمن شروط” ساعدنا بتمديدات من مياه وغيرها وقمنا بزرعها لتوزيع المزروعات على فقراء”. ويُضيف: “نحن لم نحدث الأرض، بل أصلحناها وعضو المجلس محمّد تامر لم يتسلّط عليها”.

ويُشدّد على أن “الكلام كلّه محض افتراء ويُؤدّي إلى فقد ثقة المانحين بالمدينة”، موضحًا أنّه “لو كان لدى وزير الداخلية أي إثباتات يُمكنه إيقافي ولا ننسى التفتيش المركزي الذي دائمًا ما يقوم بتفقد البلدية ومراجعة الملفات”.

وختم بالقول: “لا أعتبر أن البلدية حمل ثقيل عليّ، ولكن هناك 4 أو 5 أعضاء تسبّبوا بمشكلات كثيرة، حتّى خلال انعقاد الجلسات التي يحمل كلّ منها عنوانًا موحدًا يأتي أحد الأعضاء ببند تفجيري يُؤدّي إلى حصول خلافات، وهم يقومون بهذه التصرّفات لأنّني” ما بمرّق يلّي بدهم إياه” من توظيفات عشوائية وأراضٍ خاصّة”.

يُمكن القول، إن بلدية طرابلس ليست بخير، فبين مؤيّد ومعارض تضيع حقوق المواطن، وبدلًا من الغوص في الخلافات، كان من الأجدر بكلّ المسؤولين معرفة مهامهم وتحمّل مسؤولياتهم منذ البداية، مع إمكانية المراقبة والمحاسبة. فبلدية أكبر ثاني مدينة في لبنان، لا يجب أن تُشبه مغارة “علي بابا”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً