كارثة الانفجار صدمة عصية على الشفاء

احمد ترو
احمد ترو

انفجار المرفأ في الرابع من آب لم يقتل الأبرياء فقط، بل تسبب بصدمات نفسية حادة للعديد من الأشخاص الذين شهدوا هذه الفاجعة ومازالوا حتى الآن يعانون من آثارها، فهناك من قتل ولده، وهناك من دمر بيته، ومن قتلت خطيبته، ومن سمع نداء الواجب فهرع إلى مكان حدوث الانفجار لكي ينقذ ما تبقى من بشر لكن أصابته الصدمة مما رأته عيناه.

صهيون: الحياة تستمر رغم الخسارات

في حديث للمعالجة النفسية سمر صهيون مع “لبنان الكبير” أفادت أن “الصدمة نتائجها جسدية ونفسية، فهناك أشخاص مازالوا حتى الآن حين يسمعون أي صوت تنهار أعصابهم، ويشعرون بالخوف والقلق. آثار الصدمة تختلف بين شخص وآخر، فالذي كان بعيداً عن مكان حدوث الانفجار حالته النفسية تكون أخف بكثير من الذي كان بالقرب منه. فالأشخاص الذين كانوا قريبين جداً من الانفجار حالتهم النفسية مزمنة، وعلى الأغلب لا يمكن الشفاء منها. ومن خلال الصدمة يفقد الفرد ثقته بنفسه، ويفقد الثقة بأن الأمور سوف تكون آمنة، وخاصة أن لبنان عاد إلى سيناريوات الحوادث الأمنية”.

وتضيف: “كل حالات الصدمة صعبة، لكن حسب كيف يعيشها الفرد، فالأشخاص الذين فقدوا أهلهم وتهجروا، هم أكثر أشخاص تأذوا نفسياً. والناس الذين أقبلوا على العلاج هم ليسوا من المتضررين بالدرجة الأولى، لأن المتضرر بالدرجة الأولى أصبح إنساناً منهاراً والحياة لم تعد تعني له شيئاً، ما يعني أن شخصاً بهذه الحالة لم يقدم على العلاج النفسي إن لم يكن بجانبه من يدعمه ويشجعه لكي يعالج”.

وأكدت وجود “أشخاص لم يتعالجوا لأنهم لا يملكون المال اللازم، وآخرون لا يريدون أن يتذكروا ما حصل. لكن من الضروري وضع هؤلاء الأشخاص في مكان آمن بعيداً عن التوترات، لأن من يرى حادثة كحادثة انفجار المرفأ يتغير شيء داخل دماغه، وتتغير رؤيته للحياة نهائياً”.

ووجهت كلمة أخيرة إلى كل من عانى بسبب تلك الفاجعة بالقول: “الحياة تستمر ولو كان فيها خسارة، لكن بما أننا خلقنا فقد وجب علينا مواجهتها”.

أيامي سوداء كسواد الليل

يقول ع.ب الذي باتت أيامه بعد الرابع من آب سوداء كسواد الليل: “الحمدلله، لم أخسر أحداً من عائلتي، لكنني خسرت مكتبي التجاري، أنا غير حزين على ما خسرته بل أنني حزين على ما رأته عيناي من مشاهد مبكية، وأقدام مبتورة، ورؤوس مفتوحة. لا أستطيع أن أعبر عن حجم الوجع والصدمة اللذين يرافقاني منذ حدوث هذه الكارثة حتى الآن. وبالرغم من أنني كنت طوال حياتي أرفض اللجوء إلى معالج نفسي، إلا أنني خرجت من ذلك الصندوق وسمحت لنفسي بأن أذهب إلى معالج نفسي لأن نفسيتي دمرت تماماً بعد الانفجار”.

ويضيف: “مازلت إلى الآن كلما رأيت دماء أو سمعت أي صوت يصيبني الهلع والخوف ويتعكر مزاجي طوال النهار. لكن بفضل معالجي النفسي أصبحت الأمور أخف بقليل من السابق، فالدواء الذي أتناوله، والعلاج السلوكي يساعدانني قليلاً على التقدم إلى الأمام. لكنني صراحة لا أدري إن كانت هذه الحالة سوف ترافقني طوال حياتي أم أنها سوف تدفن في أحد الأيام”.

إقرأ أيضاً: ذكرى 4 آب وسط صمت الدولة واهتمام المجتمع الدولي

هذا لم يكن نقلاً سوى لحالة واحدة من آلاف الحالات التي أصيبت بالصدمة ومازالت حتى الآن تحت تأثيرها.

مرت سنة على انفجار فتك بالأمة اللبنانية، انفجار خلف وراءه جروحاً لا تلتئم بسهولة، فهناك أكثر من 200 شهيد غادروا هذه الحياة من دون استئذان، لكن صورهم خلدت في ذاكرة كل لبناني شريف، وهناك من دُمّر بيته وهجر، وهناك من فقد أعز الناس على قلبه، كما أن هناك من وعد بكشف الحقيقة خلال خمسة أيام، لكن الخمسة أيام أصبحت سنة، فالكلام غير مدفوع الثمن، وربما من وعد بذلك لا يدرك أن الشرف كلمة.

أرواح الشهداء لم ولن ترتاح إلا بتحقيق العدالة، فهل من الممكن أن تظهر في بلد كلبنان عدالة الأرض قبل عدالة السماء؟

شارك المقال