هذا ما يُريده الطرابلسيون من بيروت

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تكن الكارثة التي حلّت على العاصمة بيروت سهلة على اللبنانيين جميعًا، ولم تمرّ مرور الكرام أمام هذا الشعب الذي يعرف ويحفظ الويلات والمصاعب منذ أكثر من 40 عامًا… تفجير مرفأ بيروت ترك آثارًا جمّة لا يُمكن أن تندمل وسيعجز اللبنانيون عن نسيانها أو تخطيها، بل على العكس تمكّن هذا الكابوس من فتح جروح لم تلتئم حتّى مع مرور السنوات، منها جرح مدينة طرابلس التي لم تنس أو تتخطّ تفجير مسجديّ التقوى والسلام عام 2013، ومع كلّ عام تتعمّق جراح أهالي المدينة وتزداد معه الغصّات التي لم تترك أهالي الضحايا يومًا.

إنّها لمفارقة مريرة أن تتزامن الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ العاصمة مع الشهر عينه الذي فُجّر فيه المسجدان في عاصمة الشمال، ويبدو أنّ شهر آب بات من أبرز الشهور القاتمة التي تُعمّق أحزان اللبنانيين الذين تزداد همومهم وتشتدّ يومًا بعد يوم.

في الواقع، لم تنس طرابلس وأهالي الضحايا التفجير الذي أدّى إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا وجرح المئات في بقعة جغرافية أقلّ من تلك التي ضربت في العاصمة، وذاقت حينها طرابلس قساوة ومرارة العيش في تفجير مفاجئ في مدينة لم تعد تنبض بالحياة بعده أبدًا مهما كثرت محاولات إنعاشها، ويبقى الخوف من أيّ ضربة جديدة على مرافق طرابلس المتبقية الأكثر تداولًا، لا سيما بعد انفجار المرفأ يوم 4 آب المشؤوم.

شعور الطرابلسيين بالغصّة

لا يُفارق الدويّان الصاخبان اللذان هزّا طرابلس أذن أهالي المدينة أبدًا، وهم يشعرون بكلّ وجدانهم بمآسي بيروت وما يُرافقها من حزن وكآبة وخوف بسبب الأصوات التي صدرت، كيفية الهروب بعد سماع ورؤية دوي الانفجار ولون السماء التي تحوّلت إلى ألوان موحشة، الغضب والحيرة بين المواطنين والرّغبة في معرفة هويات الضحايا وإلى من تعود الجثث والأشلاء التي قطعت إربًا… كلّها أمور واجهها الطرابلسيون وعاشوا معها أصعب ساعات حياتهم، فضلًا عن الخسائر المادية الكبيرة التي حدثت بسبب التفجير.

ومع تفجير المرفأ، يُجدّد الطرابلسيون جرحهم مع العاصمة ليقفوا إلى جانبها في كلّ مظاهرة أو وقفة احتجاجية أو أيّ مبادرة إنسانية، يقف فيها الطرابلسيون في الصف الأوّل، فهم جرحوا من الدّولة بعد إهمالها المدينة بشكلٍ مقصود لسنوات وتعمّد نسيانها وفق ما يرى معظم الطرابلسيين، وفي الوقت عينه هم يُريدون أمام أهالي بيروت وغيرهم إثبات أنّهم يقفون إلى جانبهم ويُساندونهم في مصابهم الذي مسّ اللبنانيون جميعًا دون استثناء وحتّى غير اللبنانيين، ومن المؤسف فعلًا أن يصل أهالي الفيحاء إلى هذه المرحلة من الحزن التي تدفعهم في كلّ أزمة أو موقف إلى تبرير أنفسهم باستمرار وكأنّهم يعيشون في بقعة جغرافية لا لبنان ولا طرابلس فيها.

العدالة والحقيقة

يُمكن القول إنّ في لبنان، لم تتحقّق العدالة في أيّ ملف يومًا، ولم نصل في أيّ مجال إلى خاتمة تحدّ من شعور اللبنانيين بأنّهم قد طعنوا وقتلوا بلا ذنب وبلا قضية موحدة تُؤدّي إلى استشهادهم في سبيل وطنهم أو قضية.

أمّا الفارق الرئيسي بين تفجير مرفأ بيروت وتفجير المسجدين قبل أعوام، فهو معرفة من الطرف الذي ارتكب هذه المجزرة بحقّ الشعب اللبناني. فمنذ اللحظة الأولى كان يُدرك الطرابلسيون من له مصلحة في هذا التفجير، وكيف ارتكبت بالتفاصيل.

سيارتان مفخختان دخلتا إلى المدينة يوم 23 آب عام 2013، بتخطيط سوري وتنفيذ لبنانيّ، إذ غالبًا ما تدفع المدينة ثمن موقفها المعادي لهذا النظام مثلها مثل أيّ محافظة أو مدينة سورية عارضته منذ عام 2011، لتنقضّ عليه قوات النظام بوحشية تامّة، ويُمكن التأكيد أنّ طرابلس كانت قد سبقت السوريين بمعارضتها لقوات النظام السوري منذ الحرب الأهلية اللبنانية، وهي لا تزال تدفع ثمن هذا الموقف حتّى يومنا هذا، لتتوجه مباشرة أصابع الاتهام بعد لحظات من تنفيذ التفجيرين المتتاليين إلى مخابرات الدولة الشقيقة.

إقرأ ايضاً: ميقاتي مكلّفًا… وطرابلس مشغولة بهمومها القاسية

أمّا بيروت، فلا يزال المجرم أو المجرمون الذين ارتكبوا أفظع الانفجارات تحت صفة ” المجهولين”، حتّى طريقة ارتكاب الجريمة مجهولة ومعالمها غير واضحة بتاتًا، وهذا ما يزيد من حدّة إرهاق وغضب الأهالي على الدّولة من جهة، وخوفهم من هدر دماء ضحاياهم البريئة من جهة ثانية.

ما يُريده الطرابلسيون اليوم هو إحقاق العدالة المهدورة، ومساندتهم كما يسعون دائمًا إلى مساندة الآخرين في كلّ أزمة تُواجههم، فهم لا يُفكّرون بأنفسهم بقدر ما يشغلون بالهم بالآخرين حتّى ولو في الصين، وهم يرغبون اليوم بدفع اللبنانيين جميعًا إلى إعلان ثورتهم ضدّ السلطة الحاكمة الفاسدة التي أوصلتنا إلى أسفل السافلين، وهذا ما يُفسّر غالبًا وجودهم في أغلب الساحات الثورية اللبنانية، واستمرار تحرّكاتهم ميدانيًا وإعلاميًا ليُعلنوا من خلالها عن حجم الأسى الذي تعرّضوا له طيلة هذه السنوات والحزن الذي ينتابهم في كلّ الظروف.

شارك المقال