أزمة إخراجات القيد إلى الواجهة من جديد

إسراء ديب
إسراء ديب

فوجئ المئات من المواطنين في مدينة طرابلس بعدم قدرتهم على إصدار إخراجات قيد جديدة، فردية وعائلية من دوائر النفوس، وذلك بعد فقدان الأوراق الخاصة بإصدار إخراجات القيد التي يبدو أنّها ستكون قريبًا كأي ملف في البلاد، عملة نادرة الوجود ولا يمكن إيجادها بسهولة.

بعد أزمة البنزين والمازوت، تقنين الكهرباء القاسي والاشتراكات، فقدان الأدوية، صرخة المستشفيات، مشكلات الضمان الاجتماعي وغيرها، تُطلّ دوائر النفوس مؤخرًا بأزمة جديدة لتزيد “الطين بلّة” ولتجعل المواطنين في حالة قلق مستمرّة بسبب ما تحمله هذه الأوراق من أهمّية كبيرة، فكثير من المواطنين بحاجة ماسة إليها لإنجاز معاملات رسمية دقيقة تُطلب في كلّ المرافق والميادين، بخاصّة جوازات السفر، تسجيل المدارس، الولادات الجديدة، فرص العمل، تجديد الإقامات… وغيرها من الأمور التي دفعت بالمواطنين إلى رفع الصوت لمعالجة الأزمة المستجدة.

لا تُعدّ أزمة فقدان إخراجات القيد جديدة في لبنان، ولكنّها تعود إلى الواجهة من جديد لتضرب طرابلس وهي لا تقتصر على المدينة فحسب، فمنذ أيّام أيضًا اشتكت مناطق من صور من هذه الأزمة، وسبق أن واجهت بلديات لبنانية مختلفة مثل هذه الأزمة التي تتفاقم يوماً بعد يوم.

في طرابلس ارتفع صوت المواطنين لإنهاء الأزمة بأسرع وقت ممكن، كونها عرقلت الكثير من الخطوات الحياتية الأساسية، نظرًا للكثافة السكانية الكبيرة في المدينة وفق ما يُشير أحد المتابعين، وكأنّه لا يكفيهم كلّ همومهم لتدخل أزمة جديدة على الخط اللبناني المستعصي.

ومنذ ثلاثة أسابيع، والمواطنون في المدينة لا يجدون هذه الأوراق، ليتنقلوا من منطقة إلى أخرى، ومن مختار إلى آخر سعيًا لإيجادها، كما أن بعض المواطنين لم يُصدّق أياً منهم المختارين في المدينة، معتقدين أنّهم يكذبون عليهم لتحصيل المزيد من الأموال والمكاسب.

أزمة مالية وتقصير رسمي

يقول رئيس رابطة مختاري طرابلس والشمال المختار فتحي حمزة: “يوجد حوالي 48 دائرة نفوس في لبنان، للأسف كلّ الدوائر تعمل إلّا دائرة طرابلس، فدائرة المنية تعمل كذلك البترون، شكا، عكار وغيرها من المناطق الشمالية…”، مشدّدًا على أن “المدن أو المحافظات الأخرى لديها من يفرض إصدار هذه الأوراق وإرسالها إليهم كي لا يُواجهوا هذه الضغوط التي نواجهها في طرابلس التي لا تجد من يُنقذها ولا تُطالب بحقوقها”، مؤكّدًا تواصله مع أحد المسؤولين في المدينة للدعم.

وعن الهويات واحتمال استخدامها كبديل عن إخراجات القيد مؤقتًا، يعتبر حمزة أن “الهويات التي صدرت بين عاميّ 2019 و2021 يُمكن استخدامها فقط ولكن يحظى إخراج القيد بأهمّية خاصّة وهناك احتمال تجديد إخراجات القيد المطبوعة سعيًا لتخفيف الضغط”، لافتًا إلى “إطلاق وعود من الرسميين بإرسال 200 ورقة جديدة من بيروت وهي صالحة لـ 200 إخراج قيد ولكن تبقى غير كافية على الإطلاق، فعائلة واحدة تحتاج إلى عددٍ أكبر بكثير، فضلًا عن أزمة الطوابع المالية أيضًا التي تركت أثرًا كبيرًا وباتت تُعرقل الكثير من الملفات”.

ويُضيف: “هناك حاجة ملحة لإصدار أكثر من 3000 إخراج قيد بين عائلي وفردي، ويبقى الفردي الورقة الأكثر أهمّية لا سيما وأنّ موسم المدارس قد اقترب”.

وتتحمّل وزارة الداخلية هذه المسؤولية والمديرية العامّة للأحوال الشخصية التي تعمل تحت سلطة وزير الداخلية في الدولة، ووفق حمزة أن المديرية العامّة كانت قد طلبت طبع أوراق جديدة، ولكن الأزمة المالية تُعرقل هذه العملية، وبحسب مختار آخر فإن أزمة الدولار وارتفاعه بشكلٍ كبير انعكست بشكلٍ كبير على هذا المرفق، متسائلًا عن سبب غياب التمويل لهذه الأوراق الأساسية في الدولة.

الأوراق الرسمية إلى الفقدان قريبًا؟

ويخشى أحد الأوساط الطرابلسية من تحويل هذا الملف إلى أزمة جديدة مضافة إلى أزمات متراكمة قد يتأخر حلّها، وقد تتوسع دائرة الفقدان لتصل إلى أوراق رسمية مختلفة وقد تصل هذه الأزمة إلى الهويات أيضًا.

ويقول لـ”لبنان الكبير”: “السوق السوداء تأكل البلاد وتتحكّم بأبرز مرافقه، والخوف فعليًا هو جعل هذه الملفات المفقودة بين يديّ المسؤولين عن هذه السوق الذي لا نعرف من يقف وراءها حتّى هذه اللحظة”.

وإذ يُؤكّد أن الحلّ يبقى بيدّ المعنيين والمسؤولين عن هذا الملف في لبنان، يُشدّد على وجود أزمة فعلية تُواجهها وزارة الداخلية، وهي أزمة مرتبطة بالأوراق المتخصّصة بالطباعة والتمويل.

شكاوى المواطنين

تشعر (عبير خ.) من أبي سمراء بالقلق وخيبة الأمل بعد رسالة وجهتها إحدى المهنيات في المنطقة طالبت فيها بضرورة إرفاق إخراج القيد الفردي مع سجلات ابنتها التي تدرس فيها منذ عامين، وتقول لـ “لبنان الكبير”: “التسجيل سيبدأ بعد أيّام، وأنا خائفة من الإدارة في المهنية ألا تقبل مثلًا بتسجيلها للعام المقبل”، لافتة إلى أن هوية ابنتها الجديدة لم تصدر بعد وأنّ إخراج القيد هو الأكثر تداولًا في هذه المسائل”.

في الواقع، شهر أيلول المقبل سيكون حافلًا في حال لم يتمّ إيجاد حلّ لهذه الأزمة الخطيرة، بسبب توجه المدارس والمعاهد والجامعات إلى بدء مراسم التسجيل في مراكزها المختلفة، وإن لم يتمكّن الأهالي من ذلك فسنكون في مواجهة أزمة إضافية لا يُمكن تفاديها وتخطيها، بخاصّة وأنّ العامين السابقين كانا من أسوأ الأعوام الدراسية التي مرّت على لبنان مؤخرًا، والتي يرغب الأهالي في الحدّ من سلبياتها التي انعكست على مستقبل ومستوى الطلاب والتلاميذ بشكلٍ واضح.

بدوره، ينتظر (أحمد ع.) من الزاهرية إصدار إخراج قيده الفردي لتجهيز أوراقه المخصّصة لسفره إلى المملكة العربية السعودية، ويقول: “لو كنت أعلم منذ شهر أن هناك أزمة في الأوراق الرسمية بهذه الطريقة، لما كنت أضعت لحظة للحصول على هذه الورقة التي تحدّد مصيرنا”.

أحمد، كأي شاب أو شابة ينتظرون بفارغ الصبر إصدار أوراقهم الرسمية والتي تحتاج إلى ساعات معدودات فحسب لإصدارها، وبدونها لن يكون الوضع على ما يُرام، فإلى متى سيبقى اللبناني تحت رحمة الأزمات؟

شارك المقال