الأسواق الشعبية في الجنوب صامدة رغم الأزمة

نور فياض
نور فياض

تغزو المراكز التجارية الكبرى السوق اللبنانية كما هو حال كل الأسواق في العالم، فمعظم المجتمعات صارت مجتمعات استهلاكية، إلا أن ذلك لم يلغِ الأسواق الشعبية، حيث يمكن تلمس تقاليد الأجداد بنكهة حديثة والتي يرتادها العديد من المواطنين لأنهم يجدون احتياجاتهم بأسعار زهيدة.

تعدد الأسواق في القرى

تتعدد الأسواق الشعبية جنوباً، فهي نشأت منذ عشرات السنين لتلبية حاجات الأهالي في المنطقة الذين يجدون صعوبة في الذهاب الى المدينة للتبضع. لذلك كانت كل بلدة تخصص يوماً لسوقها ويكون الحجز مختلفاً عن حجوزات المناطق المجاورة لاستقطاب عدد أكبر من الجيران، وهكذا يتعرف الجنوبي على كل أسواق محيطه.

فنهار الثلاثاء مخصص لسوق الخان في حاصبيا، وسوق الأربعاء يكون في الطيبة، والخميس في الخيام، والجمعة في أنصار والعديسة، والسبت في كفركلا والأحد في قانا.

بسبب جائحة كورونا، البعض منها أقفل نهائياً والبعض الآخر كسوق الجمعة في أنصار أقفل جزئياً، حيث منعت البلدية انتشار البسطات على الشارع العام، وسمحت فقط لمن يريد استئجار محل في سوق تراثي في أحد أزقة البلدة على أن يكون الدفع بكلفة بسيطة، والتواجد فيه لا يقتصر على يوم واحد بل طيلة أيام الأسبوع. وقد اتخذت هذه الإجراءات حفاظاً على سلامة المواطنين والتجار أولاً وثانياً لتدشين السوق الجديد وزيادة حركة الارتياد عليه.

بالمقابل لا زال سوق الاثنين في مدينة النبطية صامداً بالرغم من توقفه قسرا في آذار 2020، إلا أنه عاد إلى الحياة مجدداً بعد سماح الدولة بفتح الأسواق اي بعد أربعة أشهر من الإقفال التام. وهو يشكل ملاذاً للعديد من المواطنين من سكان البلدة أو حتى من القرى المجاورة. ويعتبر ركيزة مهمة وتقليداً قديماً عرفته المدينة لأنه يحمل تراثا شعبيا وأصبح من العادات التي تشتهر به.

سوق النبطية… وعجقة الاثنين

“عجقة الاثنين” هي الجملة المحببة عند الباعة الذين يتوافدون إلى أرصفة النبطية ليفترشوها ببضائعهم المختلفة التي تجذب الشاري من النظرة الأولى. فلكل منها حكاية يرويها صاحبها للزبائن الذين لا يملون من سماعها.

يتميز هذا السوق بتنوع البضائع المعروضة حيث نجد المنتوجات والحرفيات، الملابس، الأحذية وحتى الخضروات وكذلك بالحركة الكثيفة للمواطنين الذين يمارسون متعة التسوق والسير في أرجائه، فبعضهم يشتري كل ما يعجبه والبعض الآخر يمتّع نظره دون أن يضع يده في جيبه إلا لما هو ضروري.

وبين حين وآخر تصدح الأغاني بأصوات متنوعة، فهي طبعاً ليست لأم كلثوم ولا لعبد الحليم حافظ، بل هي أغنية أم علي وعبدالله أصحاب البسطات الذين يدعون الزوار بأغانٍ خاصة، فيضيفون رونقاً مميزاً على السوق القديم ويزرعون البهجة في وجوه المارة، رغم الشحّ في البيع كما يقولون.

يؤكد أحد أعضاء البلدية أن “حركة البيع خفّت رغم الإجراءات المتخذة للوقاية من كورونا، كلبس الكمامة ووضع المعقم داخل البسطة، إلا أن الناس لا زالوا خائفين خاصة في الأيام الأخيرة حيث ازدادت حدة الفيروس جنوباً، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المزري وارتفاع الدولار، ولم يعد بإمكان الناس شراء سوى ما هو ضروري، أما الكماليات فهي محصورة بالمغتربين”.

قديماً من البابوج إلى الطربوش

وأشار أحد رواد السوق، إلى أن “الحركة التجارية كانت أكثر ازدهاراً، وهو كان يشتري كل ما يحتاجه من “البابوج الى الطربوش” أما اليوم فيقتصر مصروفه على الأكثر ضرورة”.

ويشرح آخر: “صحيح أن هذا السوق شعبي، لكنه لا يختلف كثيراً عن أسعار المحلات التجارية إلا بنسبة ٣% ، فالمواطن يذهب الى ما هو أرخص ولو كان بـ ١٠٠٠ ليرة”. أما صاحب بسطة “البالة” الذي يتواجد في معظم أسواق الجنوب، فيعتبر نفسه الأوفر حظًا في البيع لأنه يبيع بأسعار زهيدة، البالة أصبحت ملجأ للفقراء وخاصة الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية وتآكل معاشهم ليصل الى ٦٠$ تقريباً. فهذه البضاعة ليست ذات جودة عالية، إنما تقضي حاجات جميع الأعمار أي أنها أحسن من بلاش”.

من جهة ثانية، اعتبر أحد الرواد أن “الأسواق الشعبية يغلب عليها الطابع الأجنبي، من سوريين وفلسطينيين يتواجدون أكثر من اللبنانيين ويشترون أكثر منهم وذلك بسبب المساعدات التي تقدّم لهم من قبل المنظمات العالمية. ومن ناحية أخرى ينعشون الحركة التجارية الاقتصادية، وصاحب البسطة يخفّض لهم الأسعار لتتناسب مع وضعهم المعيشي. أما المشتري اللبناني وخاصة النساء فيفاوض على السعر بقوة، فإما يقنعون البائع أو يخذلهم”.

في ختام الرحلة التسوّقية، قد تناديك رائحة اللحمة الزكية التي لا تقاوم، فتجد نفسك جالساً في المطعم المتواجد في سوق اللحمة بالقرب من السوق الشعبي دون أن تدري، ولا تستطيع العودة إلى المنزل من دون تذوق هذه النكهة السحرية.

لسوق الاثنين رونق خاص، ومحطة أسبوعية للعديدين وملتقى للأحبة، لا تستطيع تجاهله. لم يستطع عصر الحداثة إلغاء الأسواق الشعبية حتى الآن، الأزمة الاقتصادية الخانقة لم تقضِ كلياً عليها. فهي كانت ولا زالت المتنفس الوحيد للطبقة الفقيرة. وبسبب أزمة الدولار وإغلاق العديد من المحلات التجارية الكبرى أصبحت الطبقة المتوسطة من رواد الأسواق الشعبية.

فهل الطبقة الغنية ستعتبر هذه الأسواق ملجأً لها في حال أقفلت الأسواق التجارية بشكل كلي؟ وإلى متى ستبقى الأسواق الشعبية صامدة في وجه الأوضاع التعيسة؟.

شارك المقال