إيجارات السكن في بيروت تعطّل فرص الشباب

راما الجراح

إلى أزمتي المحروقات والكهرباء، تُضاف أزمة إيجارات الشقق في بيروت وتتصدر القائمة، إذ أصبحنا أمام معضلة تتّسم بتحويل الدفع من اللبناني إلى الدولار، فزمن الـ ١٥١٥ ولّى، ودخلنا مرحلة “أهلا بالفريش”!

كما هو معلوم للجميع فإن رواتب الموظفين لا تزال على سعر صرف الـ ١٥١٥ ل.ل، مقابل سعر صرف المنصة البالغ ٣٩٠٠ ل.ل، من دون أن ننسى أو نتجاهل سعر صرف السوق السوداء الذي يتحكم بالمال والعباد والذي يدور اليوم حول الـ ٢٠ ألف ل. ل، وهذا الأمر إن دلّ على شيء فهو تجسيد لمدى تخبط الوضع اللبناني وتحكم التُجار والسماسرة بالناس تحت مُسمى “حارة كل مين إيدو إلو” ولا من حسيب ولا من رقيب.

أزمة إيجارات السكن وخصوصاً في بيروت ليست “وليدة” اللحظة، فمنذ فترات طويلة كانت الأسعار تقف سداً منيعاً أمام فرص عمل القادمين من أغلب المناطق خارج نطاق بيروت وبالأخص من منطقتي البقاع وعكار، ولا تزال تشكل عائقاً كبيراً أمام تطوير خبراتهم واكتساب مهارات في شركات ومؤسسات ومراكز خاصة في العاصمة، والسبب الرئيسي هو الإيجارات المرتفعة خاصة بعد شحّ مادة المازوت في السوق وارتفاع سعرها بالإضافة إلى ارتفاع كلفة فواتير الكهرباء مقابل ساعات التقنين القاسية.

في خضم كل هذه المعضلات، تقول السيدة نهى صاحبة شقق للإيجار في منطقة الطريق الجديدة: “لا أستطيع تأمين خدمات للموظفين أو الطلاب في الشقة من ضمن المبلغ الذي أطلبه منهم، فإيجار السرير فقط ٥٠٠ ألف ل.ل وفي حال كان خيار المستأجرين أن أقوم أنا بتأمين الخدمات الأساسية عندها لن يقل المبلغ عن مليون و٥٠٠ ألف ل.ل للشخص الواحد، وإلا يمكنهم دفع ٥٠٠ ألف ويتكفلون هم بالخدمات”.

بدورها السيدة هدى من الجنوب ومن سكان بيروت، تملك بناية للإيجار للطلاب والموظفين/ات في منطقة رأس بيروت وتقول لـ”لبنان الكبير”: “هناك شروط يجب التقيد بها في حال الموافقة على السكن في بنايتي، منها منع الخروج والدخول إلى البناية بعد الساعة ٩ مساءً، إلى الدفع شهرين “مسبقاً”، وهناك خدمة اشتراك بالانترنت فقط ٢٤/٢٤، وهي غير مسؤولة عن أي تصليحات في الشقة وكلفة إيجار الشقة لشخصين تبلغ مليونين و٨٠٠ ألف ل.ل”.

وكأن مالكي الشقق السكنية يضعون العصي بدواليب الفرص الاستثنائية التي تأتي لإبن البقاع أو الجنوب أو عكار، ويقول محمد (٢٣ عاماً) من عكار: “أعمل محاسباً في معرض سيارات في بيروت، وراتبي لا يتعدى الـ 2,5 مليوني ليرة، ولديّ اشتراك كهرباء ٥ أمبير بـ٧٠٠ ألف شهرياً، وانترنت ٧٥ ألفاً، عدا مصاريف البنزين والطعام والشراب، وأغلب الأحيان أخرج “مكسوراً” نهاية الشهر، الأمر الذي دفعني لترك عملي والجلوس على شرفة منزلي من دون “شَغلة ولا عَملة!”

في السياق عينه، تشير سهير إبنة كفرزبد في البقاع: “بسبب غلاء إيجارات السكن وتحويل الدفع إلى الدولار مقابل استمرار الرواتب بالليرة اللبنانية، لن أستطيع تحقيق طموحي في المدى القريب، فبعد مرور عام كامل على تخرجي من كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية شاء القدر أن تتسنى لي فرصة عمل في العاصمة، لكن إيجارات الـ”فواييه” التي ارتفعت بشكل جنوني وقفت حائلاً دون تحقيق أهدافي واكتساب مهارات وخبرات لطالما حلمت بها”.

الحال عينه ينسحب على حنين بنت برالياس في البقاع (٢٥ عاماً) والتي تعمل في مرفأ بيروت براتب مليون و٥٠٠ ألف ل.ل فقط فيما يبلغ إيجار شقتها ٧٣٠ ألفاً فصرخت بيأس وحزن “عم يدفنوا شبابنا!”

الموضوع ليس مزحة، فهذه الصعوبات يواجهها الموظفون والطلاب من خارج بيروت في العاصمة، والمصاريف تساوي الرواتب وتزيد عنها في الكثير من الأحيان، ولا حل قريباً يلوح في الأفق، فهل سنشهد هجرة اليد العاملة “الضيعجية” الكفوءة من بيروت قريباً؟.

شارك المقال