تُظهر الاعتداءات التي تقع شمالاً خلال الفترة الأخيرة، عدم اقتصارها على الميادين الأمنية، العسكرية أو الاقتصادية فحسب، بل وصلت هذه المرّة إلى الميدان التربوي بشقّه الرقّابي، بحيث عمد بعض “الممتعضين”، إلى الاعتداء على المفتّشة التربوية في طرابلس مهى الخيّال، عبر تكسير زجاج سيّارتها وحرقها أمام منزلها في أبي سمراء، ما أدّى إلى تمدّد النيران لتحرق معها سيّارة أخرى، وذلك في حادثة مثيرة للجدل أبدت وجوه سياسية وتربوية في طرابلس ومختلف المحافظات رفضها القاطع لها.
وفي وقتٍ كان من المفترض أن تقوم الخيّال (التي تسلمت مهامها الرقابية منذ أربعة أعوام في مدينة فيها أربعة مفتشين من 10 شمالاً)، بتمثيل المفتشة فاتن جمعة في مهرجان “الثقافات” الذي تُشارك فيه مختلف الثانويات الطرابلسية على مسرح “ثانوية عدنان الجسر الرسمية”، تعرّضت لهذا الاعتداء الذي وصفه معظم المعترضين بأنّه “همجيّ وبربريّ”، ما دفع القائمين على العمل التربويّ إلى حثّ الأجهزة المعنية أمنياً وقضائياً، وكذلك تلك المرتبطة برئاسة التفتيش المركزي، على البحث في تفاصيل الاعتداء، والكشف عن المعتدين، وحماية القطاع التربويّ الذي بات “مكشوفاً” أمام كلّ من يرغب في رمي سهام تهديداته أو غلّه.
المعطيات تُشير إلى أنّ المعتدين أو “المحرّضين” يعملون في القطاع التربوي وأنّهم اختاروا هذه الطريقة لتوجيه رسالة إلى المعتدى عليها لتتوقّف عن تناول ملفات توصف بأنّها “شديدة الحساسية”، لكنّ هذه المعلومات لا تزال غير معلنة ولا يُمكن الحكم عليها بصورة حاسمة إلّا بعد انتهاء التحقيقات السرّية.
الخيّال تُؤكّد في حديثٍ لـ “لبنان الكبير” أنّ كاميرات المراقبة في المنطقة أثبتت أنّ شخصين غريبين عن المنطقة، غير ملثمين، ولا يعلمان بوجود كاميرات ترصدهما، كانا على متن دراجة نارية، دخلا إلى المنطقة قبيل الحادثة بيوم، وكانا “يحومان” حول السيارة ليتأكّدا ربما من رقمها ولونها، ليعودا عند الساعة الثانية والنصف صباح يوم السبت لتنفيذ الجريمة، لكن لم يُلقَ القبض عليهما (إلى الآن).
وعن تفاصيل هذه الحادثة التي خُيّل لزملاء الخيّال أنّها حدثت على الحدود الجنوبية بسبب شناعة “الانفجار” الذي افتعلته قنابل المولوتوف بالسيّارة، تقول الخيّال: “يُمكن أنْ نتعرّض بسبب طبيعة عملنا الرقابيّة لتهديدات مباشرة والعكس، قد تُؤدّي إلى تنفيس إطارات أو تكسير زجاج، لكنّني لم أتعرّض للتهديد المباشر من الجهّة المنفذة التي أشعر بحسي الرقابي بها، لكنّني لا أستبق التحقيقات ولا أفترض أحكاماً مسبقة، كما لا أتبنى بعض ما نُشر عبر مواقع التواصل، وبما أنّ عملنا يتسّم بالسرّية ولا يُمكن البوح بتفاصيله، إلا أنّني أمتلك ملفات حساسة جداً مرتبطة بالفساد الماليّ وأحدها كان سبباً يضع كلّ مسؤول عند مسؤولياته”. وتعتبر أن “الانفجار كان رسالة مباشرة، ومن تمكّن من الوصول إلى سيارتي أمام المبنى، يصل إلى باب المنزل، مع العلم أنّ هذه الأعمال لا تمتّ الى الشخصية التربوية الواعية بصلة”.
واشتعلت السيّارة (التي ركنتها الخيّال عند الساعة الخامسة والنصف مساءً أمام المبنى عقب انتهائها من عملها وعشية الحريق)، عند الساعة الثانية والنصف بعد منتصف ليل السبت وصدر صوت انفجار اتضح أنّه ناتج عن الاطارات. ولم تستيقظ الخيّال إلّا عند الساعة الثالثة على صوت الجيران الذين ناشدوا الدفاع المدني وأصحاب السيّارات المركونة إزاحة سياراتهم، لكنّها كانت غفلت عن مكان سيّارتها التي قام والدها الراحل بإهدائها إياها منذ خمسة أعوام يوم زفافها، فاحترقت بالكامل. وعند الساعة السادسة صباحاً أطفئت النيران التي كان يُمكنها أن تمتدّ الى الأشجار المحيطة والمبنى لتُحدث كارثة ضخمة، وفكّرت الخيّال في سيارتها.
وتُتابع الخيّال: “تحدّث شخص مع زوجي صباحاً ليُعلمه أنّ سيارتي عُرفت من رقمها، فنزلنا إلى أسفل المبنى، وعرفتها من جنوط الاطارات التي فجّرت بعمل إجرامي لم يمنعني عن عودتي إلى عملي، لذلك أناشد الأجهزة الأمنية التي أثق بها نظراً الى كفاءتها الكشف عن الفاعل، المخطّط، المحرّض، والمموّل ليلقى حسابه وليكون عبرة لغيره كيّ لا يتجرأ أحد على المس بجهاز رقابي”.
الخيّال التي تعيش في حالة ذهول من الفعل، لم تشعر بالخوف ممّا حدث أو ممّا هو قادم، وتؤكد “سأكمل مسيرتي على الرّغم من الغلّ الواضح في التهديد وعدم شعوري بالأمان، إلا أنّني لا أخشى شيئاً، فروحي لن تكون أغلى من أرواح شهداء الجنوب، وبالتالي إنّ الدعم الرسمي ومن الهيئات والروابط كان دافعاً لاستمراري وتعزيزي أكثر، وبالتالي إنّ العمل الاجرامي الذي ارتكبه مجرم جبان لن يُثنينا عن متابعة عملنا، لأنّنا لسنا مكسر عصا لأحد، فنحن دعامة وجدار التربية والتعليم، وأيّ تعدٍ علينا مرفوض، ولن نغيّر موافقنا أو نهجنا الذي ننفذه بعد القسم الذي التزمنا به منذ اليوم الأوّل الذي انتمينا فيه إلى هذه المؤسسة، فهذا العمل غير موجّه ضدّي شخصياً، بل ليمنعنا عن الرقابة، لكن لو ذهب أحدنا ضحية، فسيُكمل الآخر مسيرته بشفافية”.