طبيبٌ يُعالج مرضاه على ضوء الهاتف… و”ملاذ الفقراء” في خطر

إسراء ديب
إسراء ديب

تُعاني المستوصفات الطبّية شمالًا من تراجع الخدمات فيها بشكلٍ واضح، فبعد أن كانت هذه المراكز التي تُعالج المرضى بشكلٍ شبه مجانيّ ملاذًا آمنًا للفقراء، باتت اليوم في خطر كبير مع شح مادّة المازوت والانقطاع المستمرّ للتيار الكهربائي الذي بات يُشكّل لعنة على كلّ مرفق وميدان في هذا البلد المثقل بالهموم والأزمات.

وكأنّه كُتب على الفقير في هذه البلاد الحرمان من الطبابة كما من أيّ حقّ من حقوقه المشروعة، فليست خافية القيمة التي تتخذها هذه المراكز الطبية ولا سيما في المناطق الشعبية والأحياء الفقيرة التي تحتاج لمشورة الأطباء والأدوية التي تُقدّم مجانًا في العديد من هذه المستوصفات بشكلٍ عام…

أمّا بعد انقطاع الأدوية ومواجهة المستشفيات الكثير من الأزمات، يبدو أنّ المستوصفات الطبية ستكون غير قادرة على تحمّل أزمة المازوت، ما دفع أحد المستوصفات العكارية إلى محاولة التأقلم مع الوضع السيئ الجديد لمعالجة المرضى، وذلك بقيام الدكتور كفاح الكسّار الطبيب المتخصّص في الأمراض الصدرية، وفي الوقت عينه هو رئيس بلدية ببنين، بمعالجة مرضاه في مستوصف الإيمان في البلدة على ضوء الهاتف “الفلاش”.

قد يستغرب البعض من الأسلوب الذي اتُبع بين الطبيب ومرضاه للعلاج، لكنّها كانت الطريقة الوحيدة التي تمّت من خلالها معالجة أكثر من 70 مريضًا من ببنين، احتاجوا إلى علاج سريع وعاجل لأمراضهم، الأمر الذي دفعهم إلى التمسك بضرورة استمرار العلاج أو الكشف عن أمراضهم حتّى لو كانت عبر ” فلاش” المحمول الخاصّ بهم.

الكسّار: تضحيتنا عملية انتحارية

يُمكن القول إنّ أزمة انقطاع الكهرباء والاشتراك تفاقمت كثيرًا منذ يومين في مستوصف الإيمان في ببنين كما في مستوصفات شمالية أخرى تُواجه المشكلة عينها ولا تجد فعليًا من يُنقذها بشكلٍ نهائيّ منها.

وأظهرت صورة كانت قد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صعوبة الواقع الذي تُواجهه المستوصفات لتُثير غضب الكثير من المواطنين بسبب عدم إيجاد المعنيين لأيّ حلول تحدّ من المهزلة التي وصل إليها لبنان واللبنانيون، ولا سيما الفقراء الذين يتحمّلون أكثر من قدرتهم، وهي صورة تُؤكّد قيام الدكتور الكسّار بمعالجة طفلة مع قيام أحد الأشخاص بإضاءة الهاتف لهما للكشف على حالها الصحية.

ويقول الطبيب الكسّار لـ”لبنان الكبير”: “أعالج في هذا المستوصف أكثر من 100 أو 120 مريضًا في اليوم، لكن بعد انقطاع المازوت واشتداد هذه الأزمة، تبقّى منهم حوالي 78 مريضًا لا بدّ من معالجتهم في المستوصف”، مضيفًا: “كنّا قد أخبرنا هؤلاء أنّ الكهرباء قد انقطعت، لكنّني شعرت حينها بأنّني لن أتمكّن من مغادرة المستوصف وتركهم بلا علاج، فسألتهم عمّا إذا كانوا قادرين على تقبّل العلاج من خلال ضوء الهاتف المحمول الخاصّ بهم، فتقبّلوا الأمر لأنّهم يُريدون تلقّي العلاج سريعًا ومجانًا ويخشون من تركهم لوحدهم من دون متابعة طبّية، وهم يحتاجون إلى كلّ مساعدة بالفعل ولا سيما مؤخرًا لأنّنا في مرحلة صعبة وخطيرة”.

ويُتابع: “كنت قد حاولت تأمين مادّة المازوت للمستوصفات ونجحت في تأمين 3 دفعات للمولّدات الكهربائية بقيت ليومين تقريبًا وذلك بعد تواصلي مع العديد من المستوردين وغيرهم، لكن كنت متأكّدًا أنّنا سنصل إلى مرحلة صعبة كهذه، والأصعب أنّ بعض المرضى يحتاجون إلى أمصال لاستكمال علاجهم، وبلا كهرباء من الصعب جدًا علينا وضعها، أمّا عملي فيبقى أسهل لأنّني أعتمد على السماعة لكن لا خيار آخر أمامنا، وليس من أخلاقي أو من مسؤولياتي مغادرة البلاد حاليًا كما فعل أطباء آخرون بالهجرة وأنا لا ألومهم، لكن لن أسجل هذا العار لأنّني ما زلت رئيسًا لهذه البلدية، والحقيقة أنّ من يعمل اليوم في مهنة الطب في لبنان هو بمثابة انتحاري يُقدّم تضحيات كثيرة على حسابه”.

إنّ أهالي ببنين عمومًا والتي يعتمد أكثر من نصف سكانها على قطاع الصيد وفق ما يُؤكّد الكسّار هم بحاجة ماسة إلى مادّة المازوت اليوم قبل الغد حفاظًا على أرزاقهم المهدّدة، فهم ليس لديهم ما يخسرونه، خاصّة أنّه يعيش أكثر من 50 ألف شخص (عدا عن النازحين) في حوالي 17 ألف وحدة سكنية، ويُواجهون أزمات يرى رئيس بلديتها أنّها تفوق الخيال.

ويختم الكسّار: “يطلبون مساعدات بشكلٍ دائم بسبب الأوضاع التي وصلوا إليها، وأضطر فعليًا إلى أخذ مبالغ من زوجتي التي تعمل في أحد المستشفيات معي لنتمكّن من تأمين هذه المساعدات التي يحتاجها الكثير من الناس”.

شارك المقال