التسمّم الغذائي يتفاقم جرّاء إهمال الدولة وغيابها

تالا الحريري

تتوالى مصائب لبنان يوماً بعد يوم، وأصبح سماع الأخبار السيئة طبيعياً، لكن لم يعتد المواطن اللبناني بعد، وما زال يحاول التوجّه إلى الدولة اللبنانية بالعتاب واللوم علّها تستجيب، لكن “فالج لا تعالج”. فحساب الدولة اللبنانية أصبح كبيراً لدى المواطنين، وإهمالها طال المواد الغذائية، وعلى الرغم من ذلك، تبقى المعالجة صعبة في ظل غياب الأدوية وعجز القطاع الصحي.

وبين إلقاء اللوم على الدولة اللبنانية أو على صاحب المطعم، وبين التخوّف من شراء المواد الغذائية أو الأكل من الخارج، يقف اللبناني حائراً وليس باستطاعته سوى الانصياع للواقع المرّ، لأن ما من قضية إلا وأصبحت صفحة مطوية عند الدولة.

بحصلي: نبحث عن حلول ونتائج

يقول نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ”لبنان الكبير”: “لا يمكننا أن نحمّل ارتفاع حالات التسمم الغذائي إلى سبب واحد، هناك عدة عوامل، ولا شك أنّ انقطاع التيار الكهربائي هو من الأسباب، لكن لا أعتبره السبب الرئيسي”.

ويضيف: “لا يمكننا أن ننسى أنه في كل سنة في مثل هذا الوقت ترتفع حالات التسمم الغذائي بسبب الأكل في المطاعم وأكل اللحم النيء في فصل الصيف. أمّا موضوع الانتقال إلى مواد غذائية رخيصة فليس له علاقة، لكن ربّما السبب سوء تخزين الأغذية. فإذا أحضرنا أفخر أنواع الأغذية ولم نضعها في البراد سوف تفسد، واذا أحسنّا تخزين المواد الغذائية ولو كانت رخيصة لن تُفسد”.

ومع الارتفاع الحاد لحالات التسمم الغذائي، لم نشهد حتى الآن إقفالاً واحدا لأي مطعم، ولم يتم الإفصاح عن أسماء المطاعم أو أنواع الأغذية التي تتسبب في مثل هذه الحالات، ما يعكس انعدام الرقابة والمحاسبة.

وفي هذا الخصوص يقول بحصلي: “هنا تأتي مسؤولية الدولة، ولا نعرف إذا كانت الدولة متقاعسة عن واجباتها عمداً أو لعدم قدرتها، الموضوع يجب أن يُعالج من خلال القضاء والوزارات والإدارات. ولكن ماذا ننتظر أكثر من ذلك ونحن في انهيار كامل؟ بغض النظر عما إذا كانت الأمور واضحة ومعروفة، لكن وصلنا إلى مرحلة أبعد من أن نحمّل مسؤوليات، منذ سنة ونصف ونحن نرفع الصوت، يعني إذا حمّلت الدولة اللبنانية المسؤولية، هل يرجع الأمن الغذائي إلى طبيعته؟ اليوم، ليس من المهم أن نحمّل مسؤوليات، المهم أن نصل الى نتيجة ونجد حلولاً”.

وفي بيان لنقابة مستوردي المواد الغذائية، حذرت من أن أمن اللبنانيين الغذائي بات في خطر ضمن نطاق زمني ضيق نتيجة العوامل الداخلية وليس لأسباب خارجية تتعلق بعدم القدرة على الاستيراد…

خطر غياب الادوية

وأفاد طبيب في مستشفى صيدا الحكومي رفض الكشف عن اسمه لـ “لبنان الكبير” بأنّ عدداً كبيراً من حالات التسمم الغذائي تصل إلى المستشفى، وهذه الحالات تكثر في فصل الصيف، ومن الأسباب أيضاً الحالة العامة السائدة في البلد من انقطاع كهرباء وغيره”.

ويضيف: “بعض المرضى ندخلهم إلى المستشفى بسبب توفّر عدّة أصناف من الأدوية وبديل عنها، لكن هناك مشاكل في عدم توفّر بعضها في الصيدليات أو إذا توفّرت تكون غالية الثمن، وبالطبع العوارض تصبح حادة أكثر، وفترة الشفاء تأخذ وقتاً أكثر، وهذا يشكل خطراً كبيراً جدّاً ليس فقط في حالات التسمم بل في مختلف الحالات المرَضية”.

وحول الجدل الذي يثار عما إذا كانت هذه عوارض دلتا أم تسمم، يقول الطبيب: “لاحظنا أنّه من عوارض دلتا، مشاكل في الجهاز الهضمي، لكن نقوم بإجراء فحص PCR للمريض لنتأكد مما إذا كانت كورونا أو تسمماً غذائياً، أمّا عوارض دلتا في الجهاز الهضمي فتبقى لأكثر من أسبوع، ولا تنتهي بيوم ويومين”.

أصبح من الصعب أن نمرض

وتقول سوسن، وهي من المتسممين غذائياً من مطعمين في بيروت: “تسممت مرتين في شهر واحد، كان لدي جميع عوارض التسمم الغذائي، وكانت عملية تأمين الدواء صعبة ومتأخرة، فقد جُلت على أغلب صيدليات بيروت ولم أجد أي دواء لتنظيف المعدة او لتخفيف الألم، وقد تأمّن الدواء بعد 12 ساعة، وهذا ما ساهم في تأخر عملية شفائي، بقيت خمسة أيام أشعر بالوجع الشديد. فمع انقطاع الأدوية وتدهور القطاع الصحي، أصبح من الصعب أن نمرض”.

وختمت: “اليوم صار التخوف كبيراً بخصوص تناول الأكل من الخارج، لكن يبقى الفرد مضطراً أحيانأ. ولا أعتبر أن مشكلة انقطاع الكهرباء هي الأساس، فربّما المواد الأولية في الأساس فاسدة”.

شارك المقال