رمضان يغيب عن مدينة الشمس

آية المصري
آية المصري

حلّ شهر رمضان هذا العام، وسط ظروف مختلفة فرضها الواقع المأسوي الذي يعيشه لبنان، فانهيار العملة الوطنية مقابل ارتفاع جنوني لسعر الدولار تسبب في تدهور الأوضاع المعيشية بسرعة كبرى، ومع تغير الأحوال لم يكن بالإمكان الحفاظ على العادات القديمة، في بعلبك ــ الهرمل كان الأهالي ينعمون بأجواء خاصة، سهرات رمضانية حتى ساعات الفجر، حيث تفتح المحال والمقاهي أبوابها إلى وقت متأخر، وتتزين الشوارع بهجة وفرحاً لاستقبال الشهر المبارك. ناهيك عن الإفطارات العائلية التي كانت تجمع الأحباب والأهل والجيران، لكن هذا العام اختلف كل شيء.

أثناء تجوالنا في بعلبك، شاهدنا تغير المشهد بأم العين لتردي الأوضاع، واستكشفنا حقائق ما وصلت إليه من خلال صرخة الناس والتعبير عن وجعهم.

وأول ما لفتنا غياب الزينة في الشوارع، وقلة الازدحام في الأسواق، وغياب الفرح عن الوجوه. وقد أجمع عديدون من مختلف الطبقات الاجتماعية على الاكتفاء بالصيام، مع التحفظ على ما يتطلبه الأمر من مجهود نفسي وجسدي لإتمامه. فكل المقوّمات التي يتطلبها الصيام من غذاء ومأكل ومشرب، لا يتوفر منه سوى القليل القليل عند بعض العائلات، حتى إن هناك من يأكل الصنف عينه على مدار يومين أو ربما ثلاثة. فالغلاء المستشري وضع المواطن، تحت ثقل هذه المحنة، وهو لا يستطيع تأمين حاجياته، ما يجعله يقف على أبواب الجوع والعوز، والبلد على شفير الإنهيار الكلي، ولا من يسأل أو يرحم.

هذا على صعيد المواطن، أما على الصعيد التجاري، فقد وجدنا أن معظم المحال تعاني من العجز المالي الذي لا تستطيع النهوض منه.

في أحد أكبر محلات الحلويات الموجودة في المنطقة، عبّر أصحابها عن استيائهم من الوضع، إذ إن نسبة المبيع انخفضت إلى أكثر من خمسين في المئة، مقارنة مع السنوات الماضية، وذلك بسبب احتكار الدولة وكبار التجار للبضاعة المدعومة. وهذا ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. فالعمل قليل والمدخول شبه معدوم.

والواضح أنه بعد أن كان المواطن يشتري الحلويات بالكيلو، أصبح الآن يشتريها بالقطعة. كما يتم السؤال عن السعر قبل البيع. وبدلاً من أن تسمع صيحات وأصوات الناس بفرح، لا تسمع اليوم سوى التنهيد والصفير. ولمَ لا، وقد أصبحت الحلويات الآن من الكماليات؟ كما بدأ البعلبكي يستبدل كل أصناف الحلويات من كلاج رمضان والتمرية بخبز رمضان الذي يضاف إليه السكر أو التمر، وتكون تكلفته ضئيلة جداً بالمقارنة مع الحلويات الأخرى الفاخرة.

وللإضاءة أكثر على الأوضاع، انتقلنا إلى أصحاب محال اللحوم. وكان الوضع مشابهاً، إن لم يكن أسوأ. فكانت الإحصاءات والتعليقات تدل على أنه لا يوجد مبيع لديهم، رابطين ذلك أيضاً بالجو العام. فسعر الكيلو الواحد من اللحمة البقر يساوي تقريباً أربعين ألف ليرة إذا كان مدعوماً. وكيلو الدجاج الواحد المسحّب سعره ثلاثة وأربعون ألفاً، من دون أن نذكر الخضار والفاكهة والحاجات الأساسية الاخرى لإكمال المائدة”.

أهالي بعلبك عبّروا عن خوفهم من استمرار هذه الأزمة لما لها من تداعيات ستؤثر بشكل أو بآخر على مجتمع المنطقة ككل. فالجوع والعوز ينتشران بشكل كبير وسريع. وهذا الأمر يهدد الأمن الصحي والغذائي والاجتماعي. أما عن الشباب، فهدفهم في الحياة لم يعد بناء مستقبل جيّد، إنما فقط الاستمرارية والقدرة على تأمين البضاعة المدعومة لذويهم.

وعند سؤالنا عن المسلسلات الرمضانية، تبيّن أنهم غير مكترثين، فلا راحة نفسية تمكنهم من المتابعة، حتى إنهم يفضّلون السهر من دون التلفاز لأن الوضع العام من سيئ إلى أسوأ بحسب تعبيرهم.

بناء على ما تقدم، نسأل اليوم: أين الدولة من كل ما يحدث؟ من يحمي حقوق المواطن؟ من يؤمن الدعم والمساعدة لأبناء بعلبك؟ أين تلك الأحزاب التي تدّعي أنها موجودة لخدمة الأهالي ولتوفير كل ما يحتاجون إليه، وتنصحهم تارة بالزراعة وتارة بالصناعة، وتغيب حين يكون الناس في حاجة، وتحضُر عندما تسعى إلى دعم يبقيها على قيد الحياة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً