المازوت يخنق الشماليين… ويتسبّب بالفوضى

إسراء ديب
إسراء ديب

لا تزال قضية فقدان مادّة المازوت من أبرز الأزمات التي تتفاعل في شمال لبنان، وتزداد خطورتها مع الفوضى الأمنية الكبيرة التي تحدث في أحياء طرابلس، وهي فوضى لم تعد تقتصر على ساعات الليل فحسب أو ببقعة جغرافية معيّنة، بل باتت موجودة وناشطة على مدى ساعات النهار وفي كلّ الأحياء العاجزة عن تحمّل هذه الأزمة التي ضربت الشعب اللبناني بكلّ قوّتها.

وتشهد مناطق شمالية مختلفة وخصوصاً عكار انقطاعًا مستمرًا في التيار الكهربائي، الاشتراك، الماء، فضلًا عن انقطاع الاتصالات وغياب شبكة الإنترنت، ما أحدث حالة من الامتعاض والغضب وكأنّه لا يكفي هذه المحافظة التفجير الكبير الذي أحزنها وأرهق أهلها، ليأتي غياب المازوت عنها ليزيد الطين بلّة.

ولم تتوقف مصادرة الصهاريج منذ أيّام، وفي كلّ مرّة يتمّ العثور فيها على أحد الصهاريج متوجهًا إلى أيّ منطقة، يتمّ توقيفه مباشرة من قبل المواطنين. ويقول صاحب إحدى محطات المحروقات لـ”لبنان الكبير”: “يسأل البعض عن سبب غياب مادّة المازوت وتراجع كمّية البنزين، فصحيح أنّ التهريب ما زال قائمًا وهو أكبر مصائبنا وهمومنا وهو ما أوصلنا إلى هذه المرحلة من التراجع والحاجة، لكن لا يجب أن ننسى أنّ مصادرة الصهاريج عملية غير صائبة ولا سيما تلك التي تتوجه إلى الكورة أو إلى طرابلس أو أيّ محطة لم تحتكر هذه المادّة، فيجب التمييز بين الصهاريج المتوجهة إلى سوريا بغية التهريب، وتلك المتوجهة إلى المحطات أو المولّدات وغيرها…”.

ويضيف: “إنّ المواطنين يشعرون بالغبن وهم على حقّ، لكن من الأفضل الحدّ من الاحتكار الذي تُمارسه السوق السوداء بدلًا من توقيف الصهاريج التي لا يُدركون ما إذا كانت متوجهة إلى سوريا أم لا”.

من المؤكّد أنّ أزمة المازوت الخانقة، تدفع الكثير من المواطنين الذين يعيشون بلا كهرباء وبلا الحد الأدنى من حقوقهم إلى القيام برصد الصهاريج أو محاولة الدخول إلى معمل دير عمار الكهربائي تعبيرًا عن غضبهم، ليحصل تضارب بينهم وبين قوّة من الجيش التي أطلقت الرصاص المطاطي، ما أدّى إلى وقوع إصابات عدّة… لكنّها في الوقت عينه، تسمح للكثير منهم بالدخول في عالم “السوق السوداء”، معتبرين أنّه تجارة مربحة، ولا يرون أنّهم بهذا الأسلوب يُغرقون البلد الغارق أصلًا بملفات التهريب الكارثية.

يا قاتل… يا مقتول

يُمكن القول أنّ كلّ محطة وقود باتت مستهدفة في مدينة طرابلس، كذلك الطرابلسيين الذين يُقتلون أو يتهافتون من أجل البنزين أو المازوت و”يا قاتل يا مقتول”. وفي الفترة الأخيرة، باتت بعض المحطّات معرّضة للرصاص العشوائي أو القنابل وغيرها من الأجواء المسلّحة المريبة التي باتت تُثبت أنّ الوضع بات خارجًا عن السيطرة، وهذا ما يُؤكّده متابعون لأوضاع المدينة الذين يُشيرون لـ “لبنان الكبير” إلى أنّ التأخير في تشكيل حكومة ووضع حدّ للتجاوزات التي تحدث ولا سيما في ما يتعلّق بموضوع المحروقات، سيُساهمان في زيادة مستوى الفوضى واستغلال البعض لضعف الناس لزيادة معدّل التسليح والجريمة، مؤكّدين أنّ اعتماد الهرج والمرج المسلّح في المدينة أصبح هدفًا لتدمير البلاد أكثر فأكثر، وأنّ هذا المشهد لن يقتصر على طرابلس فحسب، بل سيمتدّ إلى مناطق ومحافظات أخرى من لبنان.

التهريب وجمال عثمان

منذ أيّام تعرّضت محطّتا وقود تابعتان لمدير شركة محروقات “OJM” جمال عثمان لهجومين، الأوّل في منطقة باب التبانة والثاني في البحصاص، ما دفع الشركة إلى اتخاذ قرار بإقفال هاتين المحطتين.

ليس خافيًا أنّ اسم جمال عثمان، اسم مستفز لدى الكثير من الشماليين ولا سيما العكاريين، الذين يرون أنّه حرمهم من مادّة المازوت بعدما اتخذت شركته قرارًا بعدم توجه الصهاريج إليها إلّا في الحالات الطارئة أو ليعود الأمن إليها، مع توجيه اتهامات عدّة له تربطه بعمليات التهريب إلى سوريا، ما جعل من شركته وصهاريجه عرضة للهجوم من قبل الكثير من أهالي الشمال الذين يرونه جزءًا لا يتجزأ من الأزمة.

ويلفت صاحب إحدى المحطات لـ “لبنان كبير” إلى أنّ عثمان مدعوم من جهتين سياسيتين متناقضتين معروفتين، وأنّه كان قد توارى عن الأنظار منذ فترة ليُسافر إلى خارج البلاد بعد تورطه في التهريب (وفق ما يقول).

تدمري: نواجه تهديدات وهجمات

يردّ مدير العمليات في شركة عثمان للمحروقات هاني تدمري عبر “لبنان الكبير” ليُؤكّد أنّ عثمان ليس متواريًا عن الأنظار وفق ما يتم تداوله، بل هو خارج البلاد، وأنّ لا علاقة له بالتهريب وما شابه، وذلك لأنّ القوى الأمنية باشرت التحقيقات التي لم يتمّ فيها رصد ملف واحد يورّطه بهذه العمليات، لافتًا إلى أنّ عثمان كان يُرسل بيانات وتقارير أسبوعية إلى وزارة الاقتصاد تتضمّن كلّ نشاط شركته بالتفصيل.

وعن الصهاريج وتوزيع المحروقات شمالًا، يقول: “تتعرّض غالبًا الصهاريج التابعة لشركتنا إلى الهجوم والتهديدات من قبل مجهولين ونحن لا نأخذها بالاعتبار، ففي عكّار تعرّضنا للضرب كثيرًا فاتخذنا قرارًا بوقف الإمداد لأسبوع، ولكن فيما بعد لم تكن هناك أيّ حماية أو مواكبة أمنية لصهاريجنا ما دفعنا إلى وقف هذه الصهاريج، واقتصارها على الحالات العاجلة كالمستشفيات وغيرها مثلًا… فضلًا عن تفكيك بعض المحطات نظرًا للكثير من المشاكل التي تحدث، مشدّدًا على أهمّية المواكبة الأمنية للحماية التي أكّد أنّها تقتصر على التوزيع بين المؤسسات والإدارات الحكومية فحسب، وأنّها أحيانًا وعند وقوع أيّ إشكال لا تتدخل سريعًا للحدّ من تداعياته”.

وإذ يُؤكّد تدمري وجود مشكلة في تأمين مادة المازوت مؤخرًا، فهو يعتبر أنّهم حاولوا تغطية زبائنهم شمالًا، ويقول: “نغطي ما يتراوح بين 70 و80 في المئة من المازوت للشمال، كما نقوم بتوزيع المحروقات لشركة الاتصالات “أوجيرو”، “ألفا”، “تاتش” وشركة المياه أيّ لكلّ لبنان أيضًا، وبالتالي إنّ هذه الأزمة تبقى حادّة في انعكاساتها الآن لكن بعد فترة زمنية وجيزة ستنتهي، ونحن لدينا 350 موظفًا ومهما اشتدّت الظروف لن نتخلّى عنهم أيّ أنّنا سنستمر بعملنا، لأنّ هذه الأزمة سيكون مصيرها الانفراج من دون أدنى شكّ”.

شارك المقال