فرق الدفاع المدني والإطفاء في عين الأزمة… فهل تتوقف عن القيام بدورها؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

تعود ظاهرة الحرائق في لبنان إلى ما قبل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إذ إن الناس تعوّدت مع كل فصل صيف حار أن تندلع الحرائق في الغابات والأحراج في المناطق اللبنانية كافة. ومع ذلك، لم تُقدم الدولة على تطوير الأجهزة المنوط بها مكافحة هذه الحرائق. حتى إن طائرات الهيليكوبتر التي حصل عليها لبنان منذ أكثر من عقد من الزمن أُهملت والبعض تذرّع بأنّ الأموال التي يجب أن تُخصّص لهذه الطائرات لم تتحقق إلى أن تم بيعها.

وعلى الرّغم من أن الحرائق التي تندلع اليوم لا تقتصر على الأضرار البيئية فقط، بل تُهدد صحّة الناس وأملاكهم الخاصة، إلا أن الأجهزة التي لا تزال تقوم بعمليّات الإطفاء والإسعاف من الدفاع المدني مُهملة، إذ إن الدولة لا تؤمن لها الأموال والمعدّات الحديثة لتؤدي بواجبها كما يجب.

الواقع “المأسوي”

في هذا السّياق، يكشف الملازم الأول في فوج إطفاء بيروت محمد هدبا لموقع “لبنان الكبير”، الواقع المأسوي الذي يعيشه فوج الإطفاء في ظل الانهيار والتدهور المالي والاقتصادي الحاصل. ويعتبر أن “الانفجار الأخير في التليل في عكار كشف المستور. ففي حين هبّ فريق من فوج إطفاء بيروت لنجدة الأهالي في الشمال بأمر من محافظ بيروت مروان عبود، إلا أن عدة عقبات واجهناها من ناحية الآليات القديمة وغير الصالحة خصوصاً من ناحية البطارية، إذ اضطررنا لنقلها من آلية إلى أخرى”، مشيراً إلى أن “الفوج مسؤول عن تقديم كافة أنواع المساعدات خصوصاً تلك التي تتعلّق بالإسعافات كتقديم الممرضات والممرضين ومساعدة المستشفيات بالمعدات والمعالجات الطبية”.

ويوضح: “لكن على الرغم من كل ذلك، إلا أن وضعنا تدهور مثلما تأثرت جميع القطاعات جراء الأزمة، إذ بتنا نفتقد إلى المواد الأساسية كـ”الشاش” الذي نتحمل أعباء تكاليفه من مصروفنا الخاص ولا يساعدنا أحد من البلدية. كما أن العنصر البشري بات إما يقدم استقالته بحثاً عن عمل آخر جراء الرواتب المتدنية، أو يهاجر. فراتب مليون ليرة لبنانية لم يعد باستطاعته أن يجلب له ٥ أمبير من الكهرباء”.

تأثير الأزمة الاقتصادية

وعن مدى تأثر الدفاع المدني بالأزمة، يشير المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار إلى أن “الجاهزية مؤمنة لكن وفق الإمكانات المتوفرة لكون العتاد قديم العهد كما بات معلوماً لدى الجميع ويحتاج إلى صيانة دورية. كما أن أزمة المحروقات ما زالت معلقة منذ سنة ونيف إلى أن يتم تأمين المحروقات في المنشآت النفطية. وبانتظار ذلك، نتعاون مع الجيش لتأمين المازوت للآليات ضمن كميات محدودة. كذلك، ثمة مشكلة نواجهها عند التدخل لإخماد حرائق الأحراج وهي عدم توفر مصادر مياه في العديد من المناطق اللبنانية. وهذا ما يؤدي إلى التأخير في السيطرة على النيران، بسبب اضطرار العناصر لاستخدام معدات يدوية لإخماد الحرائق بانتظار استقدام صهاريج مياه لتغذية آليات الإطفاء من البلدات المجاورة. ومن المشاكل المستجّدة أيضاً عدم تمكّن العناصر من موظفين ومتطوعين من الحضور إلى مراكز عملهم بسبب فقدان مادة البنزين. وبالتالي نمر بفترة عصيبة جداً”.

أما بالنسبة لما تلقاه مراكز الدفاع المدني من دعم بواسطة بعض البلديات في المناطق وبعض الفعاليات في بعض الأحيان، فقد ظهر جلياً مدى التفاعل بين المواطنين وإيمانهم بدور الدفاع المدني. ويقول خطار: “إن المديرية تقوم على الأثر بقبول هذه الهبات وفقاً للأصول القانونية والإدارية المرعية الإجراء وذلك عبر إرسال مشاريع مراسيم إلى وزارة الداخلية والبلديات تمهيداً لإصدارها وفقاً للأصول”.

حرائق مفتعلة؟

وعما إذا كانت هذه الحرائق من فعل الطبيعة أم أنها مفتعلة، يوضح خطار “إن الغالبية الساحقة من الحرائق هي من فعل الإنسان سواء أكان عن قصد أو عن غير قصد، لذلك من الضروري اتباع إجراءات الوقاية الموجودة على موقعنا لتفادي الحرائق وحماية الممتلكات العامة والخاصة والثروة الحرجية والأرواح فيها بالإضافة إلى الرحلات الصيفية التي يقوم بها المواطنون خاصة في هذه المرحلة حيث يرتاد الناس الأماكن العامة للترفيه وما قد ينتج عن ذلك من حرائق قد تكون بسبب الإهمال”.

وعن طائرات الهيليكوبتر التي أُحضرت إلى لبنان منذ فترة طويلة ولم تعد بالخدمة، فيشير إلى أن “وزارة الدفاع كانت قد أعلنت في الجريدة الرسمية (العدد 24، بتاريخ 17 حزيران 2021) عن مزايدة عامة لبيع “ثلاث طوافات من نوع “sikorsky” مع قطع التبديل العائدة لها”. وقد أوردت الصحف أنه قد جرى بيع هذه الطائرات بالفعل بتاريخ 12 تموز الماضي”.

استراتيجية للتطوير

وعن الخطة لتطوير جهاز الدفاع المدني في لبنان في ظل التحديات الموجودة اليوم، يشير خطار إلى أنه “سبق أن وضعنا استراتيجيات للعديد من المشاريع الإنمائية والتي كنا قد علقنا الآمال عليها للتمكن من النهوض بهذا الجهاز إلى أرقى المستويات، إلا أن الأزمات المتلاحقة التي حلّت على البلاد قد أدت إلى تأجيل هذه الخطط إلى حين عودة عجلة الحياة للدوران بوتيرتها الطبيعية”.

ويختم: “على الرغم من كافة الصعوبات ما زلنا نواصل تنظيم الدورات التدريبية للعناصر تحت إشراف مدربين أجانب وقد افتتحنا مؤخراً مركزاً للتدريب الحديث على إطفاء الحرائق في الأماكن المغلقة بتمويل من الدولة الفرنسية. إن الخطط جاهزة لعدد من المشاريع المستقبلية ونحن على أتم الاستعداد لاستئناف ما كنا قد عزمنا على تنفيذه، إلا أن ما أدى إلى تعثر هذه الخطوة ليس إلا تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نمر بها، على أمل زوال هذه المعوقات لنستكمل رؤيتنا للسير بهذه المديرية العامة نحو أرقى المستويات”.

شارك المقال