مستقبل الطلاب على صفيح البنزين

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لاقى قرار وزير التربية الوطنية طارق المجذوب العودة إلى المدارس هذا العام ترحيباً مشوباً بالخوف من الأهالي، بشأن عدم القدرة على تحقيق ما يلزم من تدابير صحية وتوفير الظروف المناسبة لتأمين عام دراسي منتج، ومراعاة أن التلامذة مر عليهم عامان من أصعب الأعوام على المستوى التعليمي. لكن الهم الأكبر بالنسبة لهم هو الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشونه، وعدم قدرتهم على شراء الكتب وباقي اللوازم المدرسية التي تباع بالدولار، مع ارتفاع بدلات النقل والأقساط المدرسية في التعليم الخاص، وأزمة الأساتذة الذين يعانون من ظروف اقتصادية ويعيشون معاناة مثل كل اللبنانيين تؤثر سلباً في أدائهم المهني.

في هذا الإطار، حذرت “رابطة أساتذة التعليم الثانوي” من عدم معالجة الأزمات التي يعاني منها البلد، وانعكاسها السلبي على الواقع التربوي، مشيرة إلى أن الأساتذة باتوا يعيشون فصولاً من الإذلال يوميًا أمام المستشفيات والصيدليات والأفران ومحطّات البنزين، وأصبحوا مرهونين لأصحاب المولّدات الذين يستغلون حاجتهم للكهرباء. وخلاصة ذلك، أفراد القطاع التّربوي يفتقدون “الأمن النفسي والاجتماعي”.

وقررت الرابطة “عدم العودة إلى الثانويات مع بداية العام الدراسي المقبل بجميع مسمّياتها (حضوري- أونلاين- مدمج)، قبل أن تتحقّق المطالب، براتب مصحّح، وطبابة، واستشفاء، وبدل نقل يوازي ارتفاع أسعار المحروقات. وحتّى يحصل ذلك نحن جاهزون وحاضرون، ولسنا هواة تعطيل”.

خلال إطلاقه العودة، أعلن وزير التربية موقفه الذي بات واضحاً، وهو تقليد القرارات المتخذة في بلدان العالم، موضحاً “في التعليم العام يبدأ التدريس في صفوف الشهادات الرسمية ومرحلة الروضات الاثنين 27/9/2021، ويلي ذلك سائر الصفوف، وفق ما يتناسب وظروف كل مؤسسة تربوية ويؤمن حسن سير العمل فيها، على أن يتم التحاق جميع التلامذة بالصفوف للتدريس الاثنين 4/10/2021. أما المدارس الخاصة فلها حرية بدء العام الدراسي ما بين أيلول ومطلع تشرين الأول”.

محرز: المكرمة لا تحل المشكلة

وترد أمينة الإعلام في “رابطة أساتذة التعليم الثانوي” ملوك محرز عبر “لبنان الكبير” على قرار وزير التربية الذي يحتاج إلى الأخذ بالاعتبار وضع الأساتذة والأزمات المتلاحقة، التي تسبب في تراجع أوضاعهم وانعدام قدرتهم على مواصلة العمل وفق الظروف عينها على الرغم من “برطيل”، وعود تحفيزية لفائدة الأساتذة بصرف راتب ونصف. وأكدت أن الوزير في عرضه لخطة العودة إلى المدارس، بدل أن “يكحلها عماها”. لقد تصرف وكأنه يعطينا أمراً بالحضور الإلزامي، في وقت أننا لا نستطيع الحضور، ولا يوجد أي أستاذ لديه القدرة على تعبئة صفيحة بنزين في سيارته للوصول إلى عمله. بعض الأساتذة ما زال في قريته وليس بإمكانه التحرك، وإذا أفرجوا عن البنزين فإن “المكرمة” التي يتحدثون عنها بمنحنا شهراً ونصف الشهر، لا يمكن أن تخدمنا في شيء، البنزين بـ 133 ألف ليرة، ومن عنده عائلة لا يمكن أن يغطي كلفة القرطاسية والكتب وكل المستلزمات الضرورية للطالب. في مسألة الاستشفاء، تعاونية الموظفين لم تعد تقدم للأستاذ أقل ما يحتاجه من الخدمة الصحية، والمعاملات تتراكم، ولا تدفع المساعدات المقدمة منذ أكثر من سنة بسبب الوضع الإداري، وإجراءات كورونا، والوضع المالي في المؤسسات التي لا تتلقى ما يلزم من الأموال من الوزراة المعنية، مع أن كلفة الاستشفاء تحسم من رواتب الأساتذة شهرياً”.

وتوضح محرز أن “الأساتذة قاموا بواجبهم خلال الامتحانات الرسمية وعدنا إلى المدرسة في 17 الشهر لإكمال العام الدراسي، عدنا وأزمة البنزين تستفحل، ولا يوجد كهرباء ولا انترنت، ولا تلفونات خاصة للأساتذة أو بالمدارس، وطُلب منا إنهاء العام الدراسي وكنا كلنا مقتنعين بأنه علينا إنهاء العام الدراسي، حرصاً منا على طلابنا، الذين لا ذنب لهم في هذه الأوضاع التي نعيشها، ودخلنا في قصة الامتحانات الرسمية وكنا أمام خيارين، إما نعطي الشهادة أو الإفادات، وكان من الأفضل الحصول على شهادة للطلاب”.

وتتابع: “قناعتنا كأساتذة ثانوي واضحة في هذا المجال، المفترض بنا الحفاظ على ما تبقى على الأقل من التعليم الرسمي وتقديم الشهادات لهم، خصوصاً أن طلابنا فقدوا الدوافع للتعليم وصاروا يعتبرون أن الإفادة مسألة عادية، لكن هذا خطِر، لذلك وضعنا مصلحة الطلاب أولاً وذهبنا إلى الامتحانات على الرغم من أوضاعنا، إن كان من حيث الرواتب، أ من حيث أن الأساتذة كانوا يأخذون البنزين من بعضهم، حتى يتمكنوا من المجيء إلى الدوام الذي بدأ في 17 حزيران وامتد حتى 30 منه”.

وتضيف: “استغربنا كيف لمعاليه أن يطلق العام الدراسي وفق خطة خمسية، وأساس العملية بهذه الخطة هو الأستاذ الذي لم يجرِ تأمين أي شيء له، فهل تم تأمين بنزين فعلي للأستاذ وليس رفع بدل النقل، ولا يجعل الأستاذ يقف ليُذلّ في الطوابير للحصول على بنزين لسيارته؟ وهل تم تأمين معالجة لموضوع الدواء الذي اضطر الكثير من الأساتذة إلى شرائه من خارج لبنان ولو بأسعار غالية؟ وهل تم تأمين حليب لأطفال الأساتذة الذين يوزعون على بعضهم كميات قليلة يتقاسمونها في ما بينهم؟”.

وتواصل: “وماذا عن تأمين فرق الاستشفاء، فالمستشفيات لا ترحم وأي حاجة من فحص الدم إلى الصورة، أي الأشياء البسيطة صارت تكلف الأساتذة مبالغ كبيرة، ونحن لا نملك سوى مبلغ محدود شهرياً هو راتبنا، من هنا سجلنا موقفنا الرافض للعودة إلى التعليم، فكيف نعود والأستاذ فاقد للاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي؟ وكيف يمكن للأستاذ أن يقوم بمهمته، وهو لا يستطيع القيام بدوره كأب أو كأم، مسؤول أو مسؤولة عن عائلة بتأمين العيش اللائق لها”؟.

وتتساءل: “في ظل كل هذه الأوضاع التي نصفها كيف يمكن أن نطلق عاماً دراسياً؟ كثير من طلابنا في المدرسة الرسمية والثانويات ذهبوا إلى تركيا وغيرها لإكمال تعليمهم هربا من الواقع، وهناك تلامذة توقفوا عن التعليم لأنهم اعتبروا أنهم لن يستطيعوا التعلم أونلاين. والكثير من الأهالي اختاروا التعليم في الخارج أو إعادة السنة التعليمية، لأن الأونلاين لم يكن مفيداً لهم، فهل نكون منصفين بهذا القرار لهؤلاء؟ كيف نطلق العام الدراسي الجديد ومجموعة كبيرة من الأساتذة، سواء بالملاك أو التعاقد قدموا طلبات هجرة إلى الخارج؟ ووضعوا طلبات استيداع واستقالات كذلك، وهو حق لهم لأنه لم يعد باستطاعتهم تأمين الاكتفاء لعائلاتهم”.

وتلفت محرز إلى أن “صناديق المدارس عليها تأمين القرطاسية، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، من المحابر إلى الورق وغيرها من الأمور، مثل الأقلام والطبشور، اليوم القطعة التي كانت أسعارها متدنية صارت أسعارها محلقة، فالمحبرة بات ثمنها مليون ونصف المليون ليرة، وماعون الورق كان ثمنه 5 آلاف وصار 65 ألفاً. بالإضافة إلى مواد التعقيم والتنظيف والكهرباء والماء والهاتف. وهناك أجرة المستخدمين التي تغطى من صناديق المدارس، كيف يمكن لنا في ظل الغلاء أن نستطيع الإقلاع بالعام الدراسي؟ ومن أين سنغطي كل هذه التكاليف؟ هل الحل برفع رسم التسجيل على العائلات، والذي هو 271 ألفاً الآن؟ كل هذه الأمور ستتسبب في إرباك العام الدراسي”.

وتختم محرز: “سبق لنا أن تداولنا كل هذه الأمور في نقاش مع الوزير، وقلنا له لا يمكن إطلاق عام دراسي أعرج وغير قابل للحركة، القطاع التربوي إذا دمّر يعني تدمير لبنان كله، ونحن لا يمكن التفريط بطلابنا، فهم رأسمالنا وعلى المسؤولين التحرك، لأن القطاع التربوي في حالة موت”.

ماذا يقول الأهالي عن عودة الطلاب؟

تقول روان فخر الدين، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها “ستسجل أولادها في المدرسة الرسمية هذا العام، فليس بالإمكان أن يذهبوا إلى المدارس الخاصة مع رفع الأقساط، وأنا مع فتح المدراس، لأن الأونلاين غير نافع حسب تجربتي مع الأولاد، وأفكر بتسجيلهم في مدرسة قريبة من البيت حتى لا نصرف بنزين ولا ندفع أوتوكار. والأونلاين أيضاً فيه كلفة، أيباد وأنترنت وكهرباء، وهي أمور غير متوفرة، “هيك هيك صرنا عايشين بالفقر”، ليس من الضروري أن نعيش بالفقر والجهل. لنحاول إصلاح الأمور قدر المستطاع”.

وترى آمنة بصبوص أن “الكورونا لم تعد واحدة من المخاوف، هي فيروس مثله مثل غيره وعلينا التعوّد عليه وإلا سنبقى في البيت والأولاد “مزروبين” بالبيت أيضاً، طبعاً الكتب زاد سعرها نشتريها ماشي الحال لكن النقليات والتدفئة مشكلة”.

وتؤكد ورود عطية على وجوب “ذهاب الأولاد إلى المدارس لأنها مهمة لنفسيتهم أولاً، فالأونلاين تضييع وقت. المشكلة الوحيدة هي النقليات. الكورونا موجودة لكن العالم فتح، وليس هناك إقفال، ولا يمكن أن نكون مختلفين عنهم والمدراس تتخذ احتياطاتها ولم يعد الأمر مخيفاً”.

وتجد رؤى الخطيب أن “قرار العودة إلى المدارس يجب أن يحصل، وأنا أشجع عليه، خصوصاً للأطفال الصغار تحت 10 سنوات. صحيح أخذوا أونلاين السنة الماضية، لكن هذه التجربة فاشلة، وهناك مشاكل كثيرة تشكل عائقاً أمام انطلاق العام الدراسي متعلقة بارتفاع سعر الدولار، أهمها كيف سيصل الطلاب إلى المدارس؟ كم سيأخد الأتوكار أجرة؟ وهل باستطاعة المعلمين الوصول إلى مدارسهم للتعليم في ظل أزمة البنزين؟” وتتابع: “إذا دخلنا إلى المشاكل الأصغر مثل الزي المدرسي وكلفته، والثياب والحقائب المدرسية الغالية، واللوازم الضرورية وهذه كلفتها عالية، مقابل كلفة عدم تعليم الأطفال أكبر بكثير، مثل جلب أساتذة إلى البيت”.

وتشدد الخطيب على “وجوب ذهاب الأولاد إلى المدراس حتى يتعلموا الانضباط والالتزام وتحمل المسؤولية. وهذه الأمور لا يتعلمونها إلا إذا ذهبوا إلى المدارس. وحتى تعلم مفهوم الوقت وكيف يمكن توزيعه وتقسيمه بين الدرس واللعب”.

شارك المقال