الشرق الأوسط جحيم غير صالح للسكن؟

حسناء بو حرفوش

تنذر الكوارث البيئية الأخيرة التي سجلت في الشرق الاوسط بأن الاحتباس الحراري لم يعد مجرد شعار، وبأن تأثيراته أصبحت ملموسة وبشكل صارخ، أكثر فأكثر. في ما يلي قراءتان من مجلة “فورين بوليسي” الأميركية ومن موقع “سكوتسمان” الاسكتلندي، تحذران من أن المنطقة لم تعد صالحة للسكن وتقترحان العودة إلى الطبيعة كمدخل للحل.

المنطقة الأكثر ضرراً والأقل استعداداً

الشرق الأوسط هي واحدة من أكثر المناطق تضرراً من تغير المناخ، ولكنها أيضاً الأقل استعداداً للتعامل معه، بحسب ما كتبت أنشال فوهرا في مقال على موقع مجلة “فورين بوليسي”. ووفقاً للكاتبة: “لقد تحول هذا الصيف، العديد من البلدان الخلابة في الشرق الأوسط إلى تجمع للحرائق. فمع اجتياح درجات الحرارة الخانقة والجفاف الشديد المنطقة، احترقت الغابات وتحولت المدن إلى جزر بدرجات حرارة لا تطاق. وسجلت الكويت في حزيران، على سبيل المثال، درجة حرارة بلغت 53.2 درجة مئوية، بينما سجلت كل من عمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أكثر من 50 درجة. وبعد شهر، ارتفعت درجات الحرارة في العراق إلى 51.5 درجة وسجلت إيران ما يقرب من 51 درجة. الأسوأ من ذلك كله، أن تلك ليست سوى البداية، حيث ترتفع درجة حرارة الشرق الأوسط بمعدل ضعفي المتوسط ​​العالمي، وبحلول العام 2050 ستكون أكثر ارتفاعاً بمقدار 4 درجات مئوية (…) ويتوقع البنك الدولي أن تستمر الظروف المناخية القاسية لتتحول إلى أمر روتيني، وقد تتعرض المنطقة لأربعة أشهر من أشعة الشمس الحارقة في كل عام. ووفقًا لمعهد ماكس بلانك الألماني للفيزياء، فقد تصبح العديد من المدن في الشرق الأوسط غير صالحة للسكن فعليا قبل نهاية القرن الحالي. وقد تفتقر المنطقة عندئذ، وهي التي مزقتها الحروب والطائفية، إلى الاستعداد بشكل فريد لمواجهة التحديات التي تهدد وجودها.

نداء لاستعادة دور الطبيعة

إيزوبيل ميرسر سلطت بدورها الضوء على هذه الكارثة في مقال على موقع “سكوتسمان”، معتبرة أن “الأخبار التي تتمحور حول الفيضانات الكارثية وموجات الحر الشديدة وحرائق الغابات تذكرنا بأن أزمة المناخ موجودة بالفعل ولها تأثير مدمر على سبل العيش والطبيعة. وبينما من المرتقب أن يجتمع زعماء العالم في غلاسكو في تشرين الثاني، للاتفاق على طريقة للمضي قدمًا بشأن تغير المناخ، من الأهمية بمكان ألا ينسى قادتنا أن هذه ليست مجرد حالة طوارئ مناخية، بل هي حالة طوارئ تتعلق بالطبيعة وبالمناخ أيضاً، أي أنها أزمة مزدوجة يجب معالجتها من خلال الحلول المشتركة.

وتتضاءل الطبيعة حول العالم أسرع من أي وقت مضى. تخيلوا فقط أن اسكتلندا المشهورة عالميًا بالحياة البرية وبالمناظر الطبيعية، برزت مؤخرًا كواحدة من أكثر البلدان استنزافًا للطبيعة في العالم (…) هذا تذكير صارخ بكل ما فقدناه بالفعل، بينما توضح لنا أماكننا الرائعة المتبقية مقدار ما تبقى لنا لنخسره. والحقيقة أن فقدان الطبيعة ناتج عن الأنشطة البشرية، مثل كيفية استثمار الأرض والبحر واستغلال الموارد الطبيعية، وكذلك التلوث وإدخال الغاز وتغير المناخ نفسه. لكن الطبيعة تشكل أيضًا جزءاً من الحل: فالموائل الطبيعية المهمة مثل أراضي الخث (أي الأراضي الرطبة) والأراضي الحرجية والمستنقعات المالحة والمحيطات لا تخزن فقط كميات كبيرة من الكربون ولكنها تدعم أيضاً ازدهار الحياة البرية. وتضمن استعادة الطبيعة، دورًا مباشرًا في معالجة تغير المناخ والمساعدة في إعادة بناء المجتمعات بعد جائحة كورونا، عدا عن توفير فرص العمل وتحسين صحتنا ورفاهيتنا ودعم اقتصادات أكثر مرونة وإيجابية للطبيعة على المدى الطويل (…) ويجب أن تحتل معالجة حالة الطوارئ المتعلقة بالطبيعة والمناخ كواحد، على أنها الخيط الأساسي الذي يمر في قلب هذه الأحداث. مثلاً في اسكتلندا، تتوفر القدرة على جعل البلاد رائدة عالمية في مجال الطبيعة (…) وفي هذا السياق، يجب على الحكومة الاسكتلندية القيام بثلاثة أشياء (نتوخى نقلها ههنا لأن فوائدها صالحة للتعميم على مشاريع محتملة في بلدان أخرى):

تقديم أهداف ملزمة قانوناً لوقف تدهور الطبيعة بحلول العام 2030 وتأمين تعافيها بحلول 2045، بما يتماشى مع أهداف المناخ الطموحة في البلاد. ويعد هذا الأمر حيوياً لدفع الزيادات في الأعداد التي تشكل الحياة البرية وانتشارها ووضع حد لخطر انقراض الأنواع بالاضافة إلى زيادة مدى وجودة الموائل. دون أن ننسى أن تطوير استراتيجية التنوع البيولوجي التالية دون تأخير، بالتعاون مع شركاء التنفيذ وأصحاب المصلحة الاستراتيجية أمر حيوي لتحديد الأهداف والأولويات المشتركة للعقد المقبل. ومن غير المقبول وضع مثل هذه الاستراتيجية في درج ليغطيها الغبار: فهي تحتاج إلى إجراءات وتوضيح المسؤوليات ووضع جداول زمنية وتمويل كاف طويل الأجل، للتأكيد على الالتزام بحماية ما لا يقل عن 30% من أراضي البلاد بحلول العام 2030 من خلال الحماية المناسبة لأهم الأماكن الطبيعية وإدارتها بشكل فعال لتشجيع الازدهار والتعافي (…) لقد حان الوقت لوضع الخطط والعمل. يمكن للطبيعة أن تنتعش وتزدهر إذا ساعدناها. ونحن بحاجة لتمكين العمل في هذا السياق على نطاق واسع، من أجل خلق بلاد غنية بطبيعتها، وبالتالي خدمة الجميع”.

المصادر:
1- foreign policy
2- scotsman

شارك المقال