أمن طرابلس على” كف عفريت”! 

إسراء ديب
إسراء ديب

لا شيء يوحي بالخير والأمان في مدينة طرابلس، فالفوضى الأمنية التي تزداد حدّتها يومًا بعد يوم خير دليل على أنّنا في وضع أمنيّ غير سليم على الإطلاق، وما جرائم القتل والسرقة التي تحدث يوميًا في شوارع المدينة سوى دليل قاطع يحثّ المواطنين على ضرورة الالتزام بالبقاء في منازلهم ولا سيما مع أولى ساعات المساء، خوفًا من أي تعدّ لا مهرب من حدوثه. 

“حان الآن موعد إطلاق الرصاص حسب توقيت طرابلس”، جملة تتكرّر يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات الإخبارية الشمالية، تمهيدًا لبدء كابوس يخشاه أهالي المدينة ويحذرونه يوميًا. قد تُضحك هذه العبارة بعض المدنيين والمتابعين، لكن المضحك المبكي أن المدينة وصلت إلى مرحلة خطيرة كان قد حذر منها العديد من المتابعين والمهتمّين بشؤون طرابلس أي أفقر مدينة في هذه البلاد المفلسة منذ زمن، فكيف حين تشتد هذه الأزمات عليها وعلى أبنائها؟

تحذير أمني خطير 

لا يُخفي مصدر أمني خوفه الكبير من التطوّرات الأمنية خلال الأيّام المقبلة في مدينة طرابلس، معتبرًا أنّ بعض القوى السياسية الشمالية تسعى لتسليح شبان هذه المدينة الذين يحتاجون إلى “كسرة الخبز” لإطعام أهلهم وعائلاتهم، وذلك لاستغلال نقاط ضعفهم وحاجتهم إلى المال في ظلّ أزمة اقتصادية قاسية، لترسيخ الفلتان الأمني بدءًا من التسليح وصولًا إلى الحث على ارتكاب جرائم القتل ونشر الفوضى والذعر بين أهالي المدينة وذلك لغايات سياسية تمهيدًا لقرب الانتخابات النيابية، ويقول: “هذه الخطة بدأت منذ فترة مع إحراق البلدية، مخفر التل، إحراق المصارف وغيرها من الخطوات التي يبدو أنّها مدروسة جيّدًا وهي تتطوّر تدريجيًا، لكنّها في الوقت عينه واضحة ولا بدّ من أخذها بالاعتبار”.

ولا يقتصر التسليح على بعض القوى الشمالية فحسب، بل يُشدّد المصدر على أنّ بعض المناطق الشمالية أيضًا تُواجه تدخلًا بشكلٍ غير مباشر من قبل قوى سياسية معارضة تسعى لترسيخ وجودها وفرض قوّتها على هذه الأحياء، مؤكّدًا وجود بعض العائلات التي تعرفها الدّولة جيّدًا والتي تقوم بتسهيل دخول هذه الأسلحة لقاء بدل مالي كبير.

وإذ ينفي هذا المصدر لـ “لبنان الكبير” احتمال اشتعال الجبهات والمحاور التي تقاتلت منذ سنوات أي بين باب التبانة وجبل محسن، إلا أنّه يُؤكّد أنّ المحاور المتنافرة باتت أكثر بكثير ولا يُمكن حصرها بهذين المحورين اللذين نستبعد حاليًا عودتهما إلى ساحة القتال. ويتابع: “الوضع الأمني خطير ونحن نعمل على ضبطه وفق ما يُطلب منا، ولكن لنقل الحقيقة إنّ طرابلس مقبلة على أيّام كارثية إن لم يتمّ التدخل سريعًا لمنع التسلّح بين الشبان، وتحديدًا من قبل سياسيي المدينة بشكلٍ أساسيّ، مع إعادة فرض الأمن الذي يجب أن تُقدّمه الدّولة بكلّ طاقاتها”.

أهالي طرابلس قلقون 

يُمكن القول إنّ الطرابلسيين يخشون على مدينتهم ويشعرون بالقلق بسبب غياب الأمن والعناصر الأمنية ليلًا، وهم يشتكون يوميًا من الكثير من التصرّفات والتعدّيات التي يرونها أنّها لا تُمثلهم أبدًا. 

بين سرقات لا تُعدّ ولا تُحصى، وجرائم قتل متعمّدة، والإصرار على الاعتداء على الكثير من محطات الوقود، خاصّة أنّ بعض هذه المحطات لم تكشف على مخزونها الدّولة، وكانت تفتح أبوابها يوميًا أمام المواطنين عند توفر الوقود لديها، مما يراه المتابعون بأنّه إصرار على اختراق أمن المدينة لتكون ملاذًا آمنًا للفوضى والمسلّحين الذين يُطلقون عليهم لقب” الشبيحة”. كيف لا وهم يسرقون أرزاق الناس علنًا وكأنّ طرابلس دولة تحيا بمفردها بلا نظام أو قوى سياسية تحكمها وتضبط هؤلاء الشبان الذين يعتبرهم الطرابلسيون “دخلاء” على المدينة.

ويقول رفعت.ن لـ “لبنان الكبير”: “أسكن في منطقة لا تُعدّ شعبية في هذه المدينة، ولكن ما يحصل أنّ أحد الشبان يقوم ليلًا بإفراغ مسدّسه في هذه المنطقة ويمرّ بسيارته بين مناطق مختلفة لإثارة الخوف والذعر، وهو يُطلق هذا الرصاص عشوائيًا على المباني وكأنّه لا يعي شيئًا، وهذا ما يُخيفنا حقًا لأنّنا لا نتمكّن من التحرّك سيرًا على الأقدام أو عبر سياراتنا بسبب القلق من هذه الفئة التي ازداد عددها كثيرًا بشكلٍ مفاجئ في الآونة الأخيرة”.

ويرى أبو علي وهو من الزاهرية، أنّ كلّ أحياء وطرقات المدينة سواء أكانت شعبية أم غير شعبية باتت مناطق مستباحة لـ”الزعران” الذين يُقلقون ليلنا ونهارنا باستمرار. ويقول: “لا تقتصر الفوضى على إطلاق الرصاص، بل يُطلقون القنابل أيضًا ونحن لسنا في زمن الاشتباكات التي كنّا قد واجهناها لسنوات وفرحنا عند انطلاق الخطة الأمنية التي يبدو أنّها لم تعدّ فاعلة مؤخرًا في طرابلس…”.

يُمكن التأكيد أنّ المدينة لم تعد تنعم بالأمان أبدًا، حتّى كلّ من يُريد البحث عن مصدر رزقه ولقمة عيشه بات في مواجهة خطر عدم الإفلات من هذه الفوضى الكبيرة، وكان آخر ضحاياها مواطن من آل حدّاد يقوم ليلًا ومنذ زمن طويل ببيع نوع من الحلويات الطرابلسية المعروفة وهي “حلاوة الشميسة” من خلال بسطته المشهورة، وذلك على رصيف في منطقة التلّ، إذ ألقيت قنبلتان على عربته ما أدّى إلى إصابة شخصين أحدهما صاحب البسطة، وهذا أثار موجة من الغضب بين أهالي المدينة، الذين يُؤكّدون أنّ سبب إطلاق القنبلتين هو الرغبة بسرقة صاحب البسطة الذي رفض إعطاء “غلّته” التي حصل عليها، وفق ما يقول بعض المتابعين.

رحيم: سنرفع الظلم عن أهلنا

يُبدي الشيخ نبيل رحيم، وهو أحد المشايخ المعروفين في المدينة، امتعاضه من الكثير من التفاصيل السلبية التي تحصل في طرابلس، مؤكّدًا أنّ قطع الطرقات في المدينة يُعيق الحركة فيها مع تراكم الكثير من المعاناة مثل انقطاع الكهرباء والمولّدات الكهربائية واحتكار المحروقات بشكلٍ كبير جدًا، فضلًا عن غياب المياه عن الكثير من الأحياء، متسائلًا عن سبب غياب السياسيين الذين لا يتحدّثون مع الناس ولا يسألونهم عن أحوالهم الصعبة.

إقرأ أيضاً: في لحظات… مجنّد في الجيش يُنهي حياته

ويقول: “التشبيح والخوّات باتت تُفرض على المواطنين مباشرة، ولا أحد يسأل عنها أو يحدّ من وجودها، إذ نستغرب سكوت الدّولة الكبير عمّا يحصل في طرابلس من إطلاق رصاص يُصيب ويرعب الأهالي ويؤدّي إلى خسائر مادية كبيرة، فضلًا عن قيام البعض بحرق الإطارات، وقطع الطرقات… ما يُشوّه صورة المدينة الحقيقية”. ويتساءل: “هل يعتبرون أنّ دم الطرابلسيين رخيص… وهل مسموح التلاعب بأمن المدينة؟”.

ويدعو، من خلال “لبنان الكبير”، “الشرفاء إلى التكاتف والتعاون والوقوف إلى جانب المريض والمظلوم والمعتدى عليه، لمنع هذه الاعتداءات الفادحة لأنّ الدولة يبدو أنّها غائبة عن السمع”. ويختم الشيخ رحيم: “سنجتمع لرفع الظلم عن هذه المدينة بمشاركة كلّ الأطياف والمذاهب الدينية والفكرية التي لا ترغب في إفساد أو تشويه أجواء المدينة السلمية، وذلك من خلال المشاركة حتّى لو بالكلمة أو بالموقف وربما بأجسادنا عبر السعيّ إلى فتح الطرقات المقطوعة مثلًا…”.

شارك المقال