شهية “تجار الشقق” باتت مفتوحة على استغلال الأوضاع الأمنية في لبنان وحركة النزوح التي يشهدها الجنوب والضاحية بعد تصاعد حدة الاشتباكات والاغتيالات وزيادة احتمال سيناريو الحرب في هذه الفترة. وعلى وقع ارتفاع أعداد النازحين من جهة، واقتراب الأزمة من حافة الانفجار من جهة أخرى، أحوال النازحين تزداد صعوبة، والحكومة المسؤولة عن أوضاعهم في غياب مطلق، وأضحت فئة كبيرة منهم غير قادرة على الصمود بعد استهداف الضاحية الجنوبية مؤخراً، فما كان من أصحاب العقارات والسماسرة إلا اللجوء الى استغلال الوضع الراهن لتحقيق أرباح هائلة.
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، يلفت الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين إلى أن “لبنان منذ 5 سنوات يعاني أزمة كبيرة في سوق السكن، فقبل الأزمة الاقتصادية كان هناك حوالي 12 ألف قرض سكني يتم سحبها سنوياً، وبالتالي هؤلاء الناس كانوا يأخذون هذه القروض للسكن والبناء، أما اليوم فلم تعد هناك قروض سكنية وبالتالي زاد الطلب على سوق الإيجار، ما أدى إلى إرتفاع بدل الايجارات بصورة خيالية”.
ويضيف: “في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة وحركة النزوح، وزيادة الطلب على شقق سكن للايجار في مناطق محددة تعتبر آمنة ارتفعت فيها الأسعار إلى 300 بالمئة، والشقة التي كانت تساوي 200 دولار أصبحت بـ 600 دولار، والتي كان ايجارها 600 دولار أصبحت بـ 1800 دولار، وحتى بعد نهاية الحرب يمكن أن تنخفض الإيجارات ولكن بصورة بسيطة جداً”.
وينتقد شمس الدين “استغلال أصحاب الشقق للوضع الأمني، والقيام باستغلال الناس بهدف الربح المادي بعيداً عن الشعور الانساني، لا سيّما أن لا شيء يمنعهم من فرض الايجار الذي يريدونه”.
ارتفعت إيجارات المنازل في مناطق البترون وجبيل وضواحيها، أكثر من ثلاثة أضعاف عما كانت عليه من قبل، إذ أفادت معلومات موقع “لبنان الكبير” بأن بعض سماسرة العقارات ومالكيها طلبوا مبلغاً لا يقل عن 1700 دولار مقابل الشهر الواحد حسب كل منطقة، ومن دون مفاوضات أو تنازلات، وحتى أن هذه الكلفة لا تشمل “خدمات البناية”، من كهرباء ومياه وإنترنت. أكثر من ذلك، يطالبون بدفع 3 أشهر مسبقاً.
ظلت هيا (اسم مستعار) ثلاثة أيام متواصلة تبحث عن بيت أو شقة مفروشة، بعيدة عن محافظة الجنوب أو الضاحية الجنوبية لبيروت، وقصدت عدداً من المناطق اللبنانية، وتقول عبر “لبنان الكبير”: “أبحث عن الأمان من أجل أولادي، كي لا يسمعوا أصوات الحرب، وفوجئت بصاحبة أحد البيوت في منطقة جبل لبنان أنها حريصة على عدم استقبال أكثر من عائلة في المنزل حتى لو كنا نازحين من الجنوب أو الضاحية، وطلبت مني 2000 دولار أميركي في الشهر كبدل إيجار”.
وتضيف: “في حين لمست ترحيب صاحب بيت آخر وتمنياته ألا يحصل أي مكروه، غير أن الايجار ناهز أيضاً الألفي دولار، وقصدت منطقة ثالثة حيث تمّ الترحيب بي، لكن الجميع بات سمساراً وارتفعت قيمة بدلات الايجار”.
وتؤكد هيا أنها لم تجد شقة بأقل من 1500 دولار في الشهر، مشيرة الى أن غالبية النازحين ستواجه مشكلة في الايجارات ولا خيار أمامها سوى القبول بالأمر الواقع عسى أن تنتهي هذه المحنة على خير.
يأسف أحد الخبراء العقاريين الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لاستغلال مالكي العقارات هذا الوضع الصعب الذي يعيشه الأهالي في الجنوب والضاحية تحديداً، موضحاً أن “بدل ايجار الشقق المفروشة كان يتراوح بين 400 إلى 1000 دولار أميركي، لكن اليوم بات بين 1000 و2500، وبسبب الوضع الخطير الناس تتقبل الموضوع مع نقمة كبيرة، فلم يسبق أن امتلأت الشقق إلى هذه الدرجة، حتى في عز الموسم السياحي””.
ويؤكد عبر “لبنان الكبير” أن “مناطق جبل لبنان تشهد نسبة نزوح عالية، وأجّرنا أكثر من ألف شقة في منطقة عالية وضواحيها في الفترة الأخيرة، ناهيك عن الشقق التي تتولاها المكاتب الباقية والوسطاء العقاريون على صعيد لبنان”، لافتاً الى أن “الشقق في لبنان لن تستوعب الأعداد الكبيرة التي قد تنزح من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، وقد تفتح المدارس لاستيعاب هذه الأعداد”.