شدّ حبال بين المستشفيات والمصارف… والمواطن ضحية

محمد شمس الدين

ما زالت الأزمة الاقتصادية ترخي بظلالها على جميع القطاعات، وها هي مفاعيلها تترجم بشدّ حبال بين المستشفيات والمصارف، حيث صدر قرار بحجب الاستشفاء عن موظفي عدد من المصارف إلا بالدفع “كاش”، وذلك على خلفية عدم إعطاء المصارف موظفي المستشفيات كامل معاشاتهم نقداً، فماذا تقول جمعية المصارف؟ وكيف تحل هذه الأزمة المستجدة؟

هارون: موقفنا لن يتغير

أكدَ نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لموقع “لبنان الكبير” أنَّه ينتظر الخطوات الإيجابية من المصارف بعد التفاوض معهم ووعدهم بحل هذه المشكلة، مشدداً على موقف النقابة النهائي غير القابل للتغيير بأنَّ المصارف يجب أن تدفع لموظفي المستشفيات الذين رواتبهم موطنة لديها كاملة و”كاش”، وليس أن تنتظر المصارف من المستشفيات إرسال إيراداتها “الكاش” كي تدفعها، لا يحق لهم اتخاذ خطوة كهذه، وإذا كانوا لا يمتلكون الأموال نقداً، فهل المستشفيات تملكه، لافتاً إلى أنَّ القرار الذي اتخذته النقابة بحق موظفي المصارف هو من مبدأ المعاملة بالمثل.

جمعية المصارف: المشكلة من المصرف المركزي

من جهة أخرى، تقول مصادر جميعة المصارف إنَّ الحل ليس لديها، لأن المشكلة أصلا ليست من عندها، بل إنَّ المصرف المركزي هو الذي خفض سقوف السحوبات النقدية بالليرة، وتالياً المصارف اضطرت للاتجاه إلى التقنين لزبائنها ومن ضمنهم موظفوها، وهذه الرواتب هي في الأصل بالليرة اللبنانية، ليس على المصارف أي كلفة عليها، ولا قيمة لتخزين كميات منها، وإنَّ هذا الواقع مفروض على كل الموظفين في كل القطاعات، ولا يستهدف موظفي المستشفيات تحديداً، وتستهجن المصادر الكيدية باستعمال صحة المواطن، فالمعضلة عند المصرف المركزي.

المستشفيات لا تودع “الكاش” بالمصارف

تشير مصادر إلى أنَّ المستشفيات اليوم تطلب الدفع “كاش” من المواطنين، ولكنها لا تودع هذه الأموال نقداً في البنوك، وهناك احتمالان فقط لعدم إيداع الكاش، إما يتم تحويلها إلى دولار، أو يتم شراء الشيكات فيها لتحقيق الأرباح، حيث يمكن مثلا شراء شيك بـ 110 ملايين ليرة، بـ 100 مليون ليرة نقداً، علما أنَّ إجراءات المصرف المركزي تهدف إلى تخفيض ارتفاع سعر صرف الدولار، بعد مرحلة الطبع الكبيرة سابقا ووجود كمية نقدية كبيرة بالسوق، ومن هذا المنطلق تستنكر المصارف إستعمال صحة المواطن بكيدية، تحديدا أنَّ الطب مفترض أن يكون رسالة إنسانية.

جزيني: مرحلة انتقالية صعبة تنتظر البلاد

أكد الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور محمد جزيني أنَّ كل الخطط الاقتصادية المستقبلية تعتمد على توحيد سعر الصرف، إذا لم يتوحد لا يمكن أصلا تنفيذ خطة، ولا جعل الاقتصاد منتجا ولا رفع الأجور ولا إعطاء المساعدات، وأنَّ التقلب بسعر الصرف هو أحد أسباب اللااستقرار في البلد، ويجب أن يعود إلى حدود المنطق، وتخفيف قفزاته غير المفسرة علميا. الكتلة النقدية اليوم في السوق تقارب الـ 35 ألف مليار مقارنة بـ 5 آلاف مليار في الوقت نفسه من العام الماضي، وبالتالي سعر الصرف يجب أن يكون 7 أضعاف، أي 10500 ليرة للدولار، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور الأخرى التي تؤثر عليه، ولذلك يقوم مصرف لبنان بامتصاص السيولة النقدية لوضع حد لسعر الصرف.

أصبح العرض والطلب على الدولار يتجه للاستقرار بعد انخفاض فاتورة الاستهلاك من 19 مليار دولار إلى 7 مليارات سنويا. أما عن استعمال الكاش تحديداً، شدد جزيني على أنّه دلالة على التعثر الاقتصادي، حيث يتجه الناس عادة في الدول المتعثرة إلى السيولة النقدية، وأنَّ لبنان يتجه اليوم إلى مرحلة انتقالية ستكون صعبة.

بين اجراءات المركزي ورد المستشفيات، يقع الموظف ضحية، ويجب تجهيز الأرضية للمرحلة الانتقالية، لا أن يترك المواطن لمصيره تحت يد أصحاب المؤسسات التي ستسعى لتحقيق الأرباح بأي طريقة، ولو على حسابه، ولا يجوز استعمال الرسالة الإنسانية الأهم، الطبابة، كوسيلة ضغط لتحقيق المطالب، جائرة كانت أو محقة.

شارك المقال